25 أيار 2019 | 00:00

كتب خيرالله خيرالله

حاجة إيران إلى الشجاعة.. قبل الدهاء

حاجة إيران إلى الشجاعة.. قبل الدهاء

حرب ام لا حرب مع ايران، ليست تلك هي المسألة ما دامت الحرب قائمة. يدل على انّ هذه الحرب قائمة الاعتداءات الايرانية على سفن تجارية قبالة ميناء الفجيرة وهجمات عبر طائرات من دون طيّار على منشآت نفطية سعودية. وراء هذه الهجمات التي نفّذها الحوثيون، تقف ايران التي تريد القول انّ لديها اوراقها في المنطقة وان لا حاجة لديها الى اغلاق مضيق هرمز، الذي لا تستطيع عمليا اغلاقه لاسباب كثيرة. من بين هذه الأسباب انّها ليست قوة عظمى تستطيع ان تفعل ما تشاء في مناطق معيّنة من العالم، كما كان يفعل الاتحاد السوفياتي، حتّى آخر ثمانينات القرن الماضي. مضيق هرمز ممرّ مائي ليس مسموحا لاحد باغلاقه امام الملاحة الدولية. لا ايران ولا غير ايران. في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة ما يكفي من نفوذ دولي كي تعمل بطريقة جدّية على خفض صادرات النفط الايرانية، الى حدّ كبير، من دون اللجوء الى اغلاق هذا الميناء او ذاك.



لن تفيد العمليات الإرهابية التي تلجأ اليها او يمكن ان تلجأ اليها ايران مستقبلا في شيء باستثناء تسميم الاجواء، اكانت هذه العمليات مباشرة او عبر أدوات ايرانية في المنطقة. لن تقدّم المفاوضات التي تجريها ايران مع الإدارة الاميركية، عبر سلطنة عُمان او قطر او العراق او ربّما سويسرا او تؤخر. ما يفيد في شيء هو الرغبة الايرانية في الاعتراف بالواقع والتعاطي معه من منطلق انّ هناك وضعا لا يمكن ان يستمرّ. هذا الوضع هو السلوك الايراني الحالي الذي يشكّل امتدادا لوهم عمره 40 عاما.



من الواضح، انّ هناك من يعتقد في الجانب العربي بوجود تطابق كامل في وجهات النظر مع إدارة ترامب في ما يخص ايران. هذا التطابق موجود بالفعل ويتعلّق بالخطوط العريضة التي باتت قاسما مشتركا بين الجانبين. كان الخلاف العربي – الاميركي في الماضي على الموقف من المشروع التوسّعي الايراني الذي وضعت إدارة باراك أوباما نفسها في خدمته. هناك الآن رؤية مشتركة عربية – أميركية للخطر الذي يمثله هذا المشروع التوسّعي القائم على التمدد في كلّ الاتجاهات عن طريق خلق ميليشيات مذهبية تابعة لإيران في هذا البلد العربي او ذاك. الأمثلة على ذلك كثيرة، اكان في لبنان او العراق او سوريا او اليمن من دون تجاهل ان ايران سعت الى اختراقات في البحرين والكويت وحتّى في المملكة العربية السعودية.



لم تخف السعودية ولا دولة الامارات العربية المتحدة، عندما اعلنتا عن الاستعداد لتعويض كميات النفط الايراني، الرغبة في المشاركة في التصدي للمشروع الايراني الذي يشكل خطرا على كلّ دولة في الخليج العربي وفي المشرق. وهذا يعني في طبيعة الحال الاستعداد لرد فعل إيراني يستهدف تخويف البلدين، علما انّ هناك وعيا لديهما في شكل عام لطبيعة النظام الايراني والوسائل التي يستخدمها من اجل تخويف الآخر وارهابه. تريد ايران بكلّ بساطة لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة. لذلك نراها تبحث عن دور شرطيّ الخليج من جهة وتأكيد انّها دولة متوسطية موجودة بقوّة على الساحلين السوري واللبناني من جهة أخرى. ليس صدفة، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014،  صدور تصريحات عن غير مسؤول إيراني عن اربع عواصم عربية باتت تُدار من طهران. هذه العواصم هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. كان المقصود بالإشارة الى بيروت ان ايران تمتلك اطلالة على البحر المتوسط وان "الجمهورية الإسلامية" ليست مجرّد دولة عادية، بل تحوّلت الى امبراطورية...



تلعب ايران على كلّ التناقضات. التناقضات العربية – العربية والتناقضات بين الولايات المتحدة والصين وتلك التي بين واشنطن وموسكو وحتّى على الاختلاف في وجهات النظر من ملفّها النووي بين واشنطن والعواصم الاوروبية المهمّة. لا يساهم هذا اللعب على التناقضات سوى في إطالة الحرب القائمة، وهي حرب  في أساسها الاقتصاد، الى اشعار آخر. لا شيء يوقف هذه الحرب الّا حصول وعي إيراني لنهاية مرحلة معيّنة. تقوم هذه المرحلة على وجود إدارة أميركية تعرف تماما ما هي "الجمهورية الإسلامية" وما الخطر الذي تشكّله ادواتها من ميليشيات مذهبية مختلفة. من المفيد ملاحظة ان التحذيرات الاميركية لطهران لم تقتصر على "الحرس الثوري". ربطت واشنطن بين ايران وميليشياتها بصفة كون الكلّ كيانا واحدا.  يعتبر مثل هذا التطوّر امرا في غاية الاهمّية في الحرب القائمة. لم تعد اميركا تفرّق بين الميليشيا الامّ التي تحكم في طهران والتي تسمّى "الحرس الثوري" وتوابعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. يميّز هذا التطوّر المرحلة الراهنة التي تسعى ايران الى تجاوزها من منطلق انّ شيئا لم يتغيّر، لا عربيا ولا اميركيا.



لا شكّ ان هناك حسابات تبقى خاصة بالإدارة الاميركية. لكنّ مما لا شكّ فيه أيضا ان ايران لا تستطيع الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه من دون مقدار كبير من الشجاعة. لم يعد الدهاء وحده يكفي بعدما ادركت واشنطن أخيرا ان المشكلة مع ايران ليست في ملفّها النووي. المشكلة في سلوكها خارج حدودها. هذا كلّ ما في الامر. الأسوأ من ذلك كلّه ان ليس لدى ايران ما تصدّره الى خارج حدودها غير البؤس والتخلّف على كلّ صعيد.



تستطيع ايران ان تهدم مؤسسات الدولة في هذا البلد العربي او ذاك. ولكن ما نتيجة ذلك في المدى الطويل. يظلّ  لبنان الشهيد مثلا حيّا على السلوك الايراني المطلوب تغييره. ماذا فعلت ايران بلبنان؟ ما نتيجة استثمارها الطويل المدى في "حزب الله" الذي تسعى الى تعميم تجربته في المنطقة كلّها؟



كلّ ما يمكن قوله انّ النتيجة خراب بخراب لحق بلبنان عموما واحدى اكبر الطوائف فيه. استطاعت ايران تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان وتسعى الآن الى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني كلّه.



تظلّ العبرة في نهاية المطاف في النتائج التي تتحقّق. كلّ ما تحقّق هو سلسلة من الخدمات استفادت منها إسرائيل للأسف الشديد. يكفي للتأكد من ذلك ان ايران لعبت الدور الأساسي في تفتيت سوريا عبر دعمها بشّار الأسد ونظامه في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. اذا كانت من حاجة الى التأكد اكثر من ذلك، يكفي النظر الى مصير القدس التي تاجرت بها طهران منذ قيام "الجمهورية الإسلامية". اين القدس الآن بعد سنة كاملة من نقل السفارة الاميركية في إسرائيل اليها؟



هناك حرب مستمرّة. لا يوقف تلك الحرب سوى تغيير كامل في السلوك الايراني لا اكثر ولا اقلّ. مطلوب استبدال الشجاعة بالدهاء. كل ما تبقى تفاصيل. هل في طهران من يجرؤ على على اتخاذ مثل هذا القرار الشجاع؟


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

25 أيار 2019 00:00