هايد بارك

سعد الحريري... لن يلقي الراية - خالد صالح

تم النشر في 14 تشرين الثاني 2020 | 00:00

كتب خالد صالح


كان من الممكن للرئيس سعد الحريري أن يضعَ تشكيلته الوزارية أمام رئيس الجمهورية ويؤدّي قسطه للعلى ويخرج للشعب ويقول : اللهم قد بلّغت اللهم فاشهد !! لكنه بهذا لن يكون ابن الرفيق الشهيد، ولن يكون لبنان قلبه الذي ينبض بين جنباته ..


يؤمن سعد الحريري أن الوطن ليس سؤالًا فحسب، يُلقي إجابته على تفاصيل الأحداث ويُغادر، بل الوطن هو القضية الأساس والقِبلة التي تتكرس لها الجهود، وعندما يكون الوطن في خطر، فكل أبنائه هم الجنود المخلصون لدرء الخطر عنه، وهذا حريٌّ بمن لم يبخل عليه بقطرة دم في سبيله ..


ويؤمن سعد الحريري أن الوطن هو رغيف الخبز والشعور بالانتماء والإحساس بالكرامة، وإن حبّ الوطن من الأمور الفطرية التى جُبِلَ عليها، فليس غريبًا أبدًا أن يُحبَّ وطنه الذي بادله الحبّ بالحب والعطاء بالعطاء، وليس جديدًا عليه أن يحاول ويحاول لانتشاله من براثن الزوال التي تتهدد كيانه ووجوده ..


ما يزيد سعد الحريري إصرارًا هو يقينه أن هذا الوطن وطنه، سعادته في إعماره وإزدهاره، وتعاسته في خرابه ودماره، حب لبنان لديه ليس تعصّبًا دينيًا أو مذهبيًا وليس من الذين يُضحّون في أهلهم وناسهم لأجل غايات شخصية، فهو من الذين يبذلون كل جهد ممكن لمعالجة الاسباب التي وضعت لبنان على خط الزلازل والبراكين ..  


قالها مرارًا أن لبنان هو طائفته الكبرى، لم يطالب بالتفكك الطائفي الكلّي، بل أن تُشمّر الطوائف عن سواعدها لأغراض وطنية سامية وعالية، لأن ابن الطائفة البارّ لا يستطيع أن ينضمّ إلى الطائفة الكبرى إنضمامًا صادقًا ثابتًا وثيقًا، سياسيًّا وثقافيًّا، قبل أن يتّجه بقلبه إلى الوحدة الوطنيّة، وقبل أن ينبذ، من ذهنه ومن إرثه، التقاليد الطائفيّة التي تحول دون ذلك الاتجاه ..


يدرك سعد الحريري أي مصير أسود ينتظر وطنه بدعوى الدفاع عن الدّين وحماية العقيدة حينًا، وبدعوى الدفاع عن الأجندات الواردة حينًا اخر، وقالها بلا تردد لو خيّروني بين منطق الحرب واعتزال السياسة، لفضّلت البقاء في البيت على أن أرى أهل بلدي يقتتلون فيما بينهم، لأن الذين يدافعون عن الدّين تارةً وعن المصالح الشخصية تارةً أخرى من خلال إيذاء الناس، إنّما يدافعون عن رأيهم وحدهم بل أكثرهم إنّما يدافع عن حقوقه ومزاياه ويتخذ من الدفاع عن العقيدة عذرًا واهيًا يتمسّكُ به ..


تعلّم سعد الحريري أن الرؤية من دون تنفيذ مجرّد حلم، والتنفيذ العشوائي من دون رؤية مبنية على أسس متينة مجرّد مضيعة للوقت، أما الرؤية والتنفيذ مجتمعان فيمكن أن يغيّرا العالم، صحيح أنه غالبًا ما يبدو الأمر مستحيلًا إلى أن يتحقّق، فآمن أن المستحيل يستحق المحاولة، فكيف إن كان الهدف إنقاذ لبنان؟.. 


حب الوطن عند سعد الحريري ليس بضع كلمات يقولها في إطلالة متلفزة أو في بيان مكتوب، فحبه أرفع درجة لديه من منزلة حب الابن لأمه، ولا يكتمل إلا بالحفاظ على وجوده والدفاع عنه بالغالي والنفيس، ولن يبخل عليه بجهد أو تضحية، أو يهرب من المسؤولية العظمى، ليقينه أن لا قيامة لهذا البلد إلا بسواعد بنيه الأوفياء للهوية التي يحملونها، وحمايته من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .. 


الوطن عند سعد الحريري هو ذلك الاحساس الجيّاش الذي يحرّك أعماقه فيزدادا تعلّقا به، هو شعور فطري بالانتماء ينمو ويكبر ولا شيء يضاهيه منزلة، حب ورثه من الرفيق الشهيد، فاستقرّ في قلبه، وهو الذي تمسّك يوم تركه مرغمًا في الـ 2011 بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم أُخرج من مكة " ما أطيبك من بلد، وأحبّك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك " .. 


لن يُلقي سعد الحريري الراية، ولن يفكّر أحاديًا، فليس لديه إلا هذا الحب ليواجه به كل أفّاك لئيم، وعطاؤه لن ينضب، وسيبقى باذلًا العرق والدم في سبيل عزّته ورفعته، فالوطن شجرة طيّبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات .. ومنه فليتعلّموا !!