هايد بارك

لبنان والإستقلال الحقيقي - فادي مالك الخير

تم النشر في 22 تشرين الثاني 2020 | 00:00

كتب فادي مالك الخير:

في جميع دول العالم يكون الإستقلال فرصة للتلاقي و للوحدة الوطنية ...

يُجمِع العالم بأسره في ذكرى استقلال بلدٍ ما على مفاهيم الحرية و السيادة و العدالة ...

فلا استقلال حقيقي بدون هذه المبادىء مجتمعة ...

في لبنان يختلف كثيرون حول تفسير هذا الاستقلال ...

جاء الاستقلال الاول سنة ١٩٤٣ عند إعلان الجمهورية الأولى بعد انسحاب الفرنسي ، ليتبعه الإستقلال الثاني سنة ٢٠٠٠ بعد الانسحاب الإسرائيلي و من ثم الإستقلال الثالث بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سنة ٢٠٠٥ عندما انسحب السوري من المشهد اللبناني ... 

إلا أنه في بلد تحكمه الطائفية السياسية مثل لبنان يصبح الاستقلال الأول مارونيا و الاستقلال الثاني شيعيا أما الاستقلال الثالث فسُنِياً بإمتياز ... 

من هنا يبدأ الاختلاف في وجهات النظر فلا وجود للإنتماء اللبناني الحقيقي من دون الهوية الطائفية ...

يذهب المفسرون و المجتهدون لإيجاد أرضية مشتركة لكل هؤلاء ، إلا أن هذه الأرضية تبقى حبراً على ورق عبر إطلاق العناوين الرنانة التي لا تؤسس بدورها لبناء وطن حقيقي مستقل ذو سيادة على كل أراضيه ...

إذ كيف لازدواجية السلاح أن يؤَمّن العدالة الحقيقية لجميع أبنائه ...

نعود بحديثنا هذا إلى لُبّ المشكلة الحقيقية اليوم و التي تتلخص في مصطلحات الإصلاح و التغيير الحقيقين ، فلا إصلاح من دون وضع حد للفساد المستشري عبر مؤسسات الدولة كافة و لا مدخل لهذا الإصلاح إلا عبر تشكيل حكومة متخصصة مستقلة عن الأحزاب الطائفية تكون الرافعة لكل ما ذكرناه آنفاً من التحرر من سطوة السلاح أو الفساد المنتظم تحت راية حماية طائفة من هنا و مذهب من هناك ...

يفهم الرئيس المكلف سعد الحريري هذه الأمور جيدا و يعمل جاهدا على إيجاد مخارج دستورية تساعده لتشكيل فريق متجانس من الوزراء يعملون بقلب رجل واحد على تسويق الحلول التي من شأنها النهوض بما تبقى من بلد ...

إلا أن مفاهيم المحاصصة الضيقة و الدخول في دهاليز المصالح الشخصية يبقى العائق الأكبر أمام إنجاح هذه التجربة الصعبة في وقت أصبح الشعب في مكان و الحكام في مكان آخر لا يلتفتون إلى لقمة عيش المواطن الضعيف الذي بات لا حول له و لا قوة سوى البقاء على لائحة الانتظار ، مرة بانتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية و مرة أخرى بصياغة تسويات إقليمية تبدأ من ايران مرورا بسوريا و العراق و تنتهي في لبنان ...

يبقى الرهان على الوقت هو العامل الأساسي لإنضاج تلك التسويات و التي من شأنها الإفراج عن تشكيل الحكومة و شكلها و أي دور حقيقي سيكون لها ...

يبدو الحريري في ظل مجريات الأحداث متمسكا بورقة التكليف أكثر من أي وقت مضى يقيناً منه بأنه لن يكون من فرصة أخرى لعملية النهوض بالبلد طالما أن الجميع يمارس لعبة العض على الأصابع و يراهن فيه اللاعبون على تغيير من هنا او تدخل من هناك ...

إلا أن إدراك الحريري لخطورة الوضع يجعله في حالة جهوزية تامة لاقتناص الفرص حيثما وجدت ربما يساعده في تقديم تشكيلته الحكومية التي يرضاها و التي ربما قد تكون الرافعة الأخيرة للخروج من هذا المأزق فيجنب البلد الوقوع في الانهيار الكبير ....