1 تموز 2019 | 00:00

كتب خيرالله خيرالله

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

تدفع تونس ثمن عدم اعداد نفسها داخليا للمرحلة المقبلة، موحلة ما بعد الباجي قائد السبسي. كان مفترضا في الباجي، عندما كان لا يزال يمتع بقواه الجسدية أواخر العام 2014 وضع طموحاته الرئاسية جانبا واختيار شخصية أخرى موثوق بها لتكون في موقع رئيس الجمهورية. بدل الاقدام على مثل هذه الخطوة الجريئة، اصرّ الرجل في العام 2014 على الترشح على الرغم انه كان في الثامنة والثمانين من العمر.

بقي الباجي حتى اصابته بوعكة صحّية في السابع والعشرين من حزيران – يونيو الجاري يتمتع بكلّ قواه العقلية. لكنّ ذلك ليس كافيا للقول انّه ادّى الدور المطلوب منه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها تونس. فالسؤال المطروح الآن بحدّة مرتبط الى حدّ كبير بمن سيخلف الباجي قائد السبسي في حال حصول فراغ سياسي او حتّى في حال في حال استطاع اكمال ولايته الرئاسية التي تنتهي آخر هذه السنة. من المقرّر اجراء انتخابات رئاسية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل في ظلّ انقسامات عميقة تعاني منها القوى التي وقفت الى الآن حاجزا حال دون سقوط تونس في يد "حركة النهضة". ليست "النهضة" سوى فرع من فروع تنظيم الاخوان المسلمين، على الرغم من كلّ المحاولات التي يبذلها راشد الغنوشي للظهور في مظهر مختلف يجعله مقبولا أوروبيا.  

لا يمكن في طبيعة الحال وضع كلّ المسؤولية، في ما يخص الوضع التونسي، على الباجي. فهو، مثله مثل الأكثرية الساحقة من السياسيين في عالمنا هذا، يمتلك شهوة لا حدود لها الى السلطة. زاد من صعوبة وضعه الشخصي عجزه عن إيجاد خليفة له من داخل حزبه (نداء تونس). كان رهانه على نجله حافظ الباجي قائد السبسي الذي سجل فشلا ذريعا في محاولته جمع الحزب حوله، بل لعب دورا في شق "نداء تونس". لا يمتلك حافظ شيئا من تاريخ والده ولا من ثقافته السياسية ما يجعل التونسيين يعتبرونه مؤهلا ليكون الرئيس المقبل لتونس او زعيم "نداء تونس".

كلّ ما يحدث في تونس حاليا يثير القلق. في يوم واحد كانت الوعكة الصحية التي تعرّض لها رئيس الجمهورية الذي نقل الى المستشفى العسكري، وما رافقها من اشاعات... وكان وقوع عمايتين ارهابيتين. كانت احداهما في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، فيما استهدفت الأخرى قوّة مكافحة الإرهاب. لم تسفر العمليتان عن خسائر كبيرة، لكنّ الملفت كان اعلان "داعش" مسؤوليته عنهما. يشير ذلك الى ان خطر "داعش" ما زال قائما اوّلا والى وجود حاضنة لهذا التنظيم في تونس ثانيا وأخيرا. ما لا يمكن تجاهله في ايّ لحظة هو ان عدد التونسيين الذين التحقوا بـ"داعش" كبير جدا. وهذه ظاهرة لا بدّ من التوقف عندها والتساؤل لماذا  كلّ هذا الاقبال التونسي على "داعش"؟ ما الذي جعل آلاف التونسيين يلتحقون بهذا التنظيم الإرهابي على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي من اجل تطوير الوعي في اوساط المجتمع التونسي؟

لا حاجة الى الذهاب بعيدا من اجل الحصول على جواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة المتعلّقة بوجود "داعش" في تونس. هناك "حركة النهضة" التي عملت في ثمانينات القرن الماضي على تقويض عهد بورقيبة والقضاء على كل إنجازات هذا العهد. لا شكّ ان بورقيبة نفسه يتحمّل مسؤولية كبيرة في كل ما حصل عندما اصرّ على ان يكون رئيسا لمدى الحياة. كانت تلك خطيئته الكبيرة. انتهى به الامر الى ان اصبح اسير زوجته وسيلة بن عمار التي طلّقها في العام 1986، في مرحلة ما، ثم قريبته سعيدة ساسي الى حين حصول الحركة التغيير التي قام بها زين العابدين بن علي، مع ضابطين آخرين، في السابع من تشرين – الثاني نوفمبر 1987.

في عهدي بورقيبة وبن علي، لعبت "النهضة" كلّ الأدوار المطلوب منها لعبها كي تكون تونس حاضنة لجماعات اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها متطرّفة. مؤسف ان بورقيبة انتهى تلك النهاية المأساوية بعدما عجز عن الاعداد لمرحلة ما بعد انتهاء عهده. ما ينطبق على بورقيبة ينطبق على بن علي الذي ارتكب خطيئة كبيرة أيضا عندما اصبح اسير زوجته ليلى طرابلسي واخوتها بدل العمل على قيام نظام ديموقراطي تتكوّن في اطاره أحزاب حقيقية تمتلك وزنا شعبيا.

ما هو مؤسف اكثر من ذلك كلّه ان الباجي قائد السبسي لم يتعلّم شيئا من تجربتي بورقيبة وبن علي. يكفي إصراره على ان يكون رئيسا للجمهورية وهو في سن الـ88  للتأكد من ان هناك خطأ ما، بل خطيئة، في سلوكه السياسي. يدلّ على ذلك ما آلت اليه أوضاع تونس اليوم بعد دخوله المستشفى من جهة والعمليتين الارهابيتين لـ"داعش" من جهة أخرى. لم يعمل الباجي قائد السبسي على التأسيس لمرحلة ما بعد الباجي قائد السبسي. لذلك، دخلت تونس في المجهول بمجرّد دخوله المستشفى.

المخيف في الامر، ان "النهضة" تبدو الجهة الوحيدة المهيّأة للعب دور سياسي في المستقبل. لا يساوي "نداء تونس" شيئا من دون الباجي ولا يساوي المنشقون عن "نداء تونس" الكثير من دون في حال كان عليهم مواجهة حركة تمتلك أجهزة امنية خاصة بها. هناك الف تساؤل وتساؤل عن دور "النهضة" والمحتمين بها في عمليتي اغتيال الناشطين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في العام 2013. صحيح ان لا وجود لاثباتات تؤكد ارتباط "النهضة" بالاغتيالين، لكنّ جهات عدّة وجهت اليها اتهامات صريحة في هذا الصدد.

بدأ "الربيع العربي" من تونس في أواخر العام 2010. شكلت تونس، في ضوء من حصل في مصر وليبيا واليمن، الامل الوحيد بان يكون التخلص من زين العابدين بن علي سيؤدي الى قيام نظام افضل. لا شكّ ان التونسيين استطاعوا الى الآن تحقيق الكثير، بما في ذلك إقرار دستور عصري. كذلك تصدوا لمحاولة منع صدور قوانين تؤمّن للمرأة حقوقها. يكفي انّهم لم يمكنوا "النهضة" من التحكّم بالبلد. لكن تقصير الباجي قائد السبسي في الاعداد لمرحلة ما بعد وفاته يشكل خطأ لا يغتفر، خصوصا في غياب الجهة التي ستكون قادرة على التصدي لـ"النهضة" في الأشهر القليلة المقبلة.

ليس معروفا بعد هل ستبادر "النهضة" الى ترشيح احد أعضائها ليكون رئيسا للجمهورية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل ام ستلجأ الى واجهة لها عن طريق ترشيح رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد؟ الأكيد ان اللاعب الأساسي في غياب الباجي قائد السبسي هو "النهضة" في بلد ابعد الجيش نفسه، في معظم الأحيان، عن السياسة.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 تموز 2019 00:00