بكين – قاسم خليفة  

30 تموز 2019 | 00:00

مقالات

الصين.. عظمة على عظمة 

الصين.. عظمة على عظمة 
المصدر: خاص - "مستقبل ويب"‏

هنا الصين. بلاد تسير على هدي ثورة ذاتية ناعمة متناسلة بيضاء فريدة من نوعها. حراك صيني داخلي متقد غير مسبوق، يختلط فيه الشيوعي _الإشتراكي العتيد بالتكنولوجي الإقتصادي الجديد. فصائل حزبية متراصة من لون وهوى واحد تصب في حزب واحد، تخوض معارك ان لم تكن "رابحة" إلى حد بعيد فهي ليست "خاسرة"، تحت وهج جمال طبيعي أخاذ ينسحب على كل البلاد لا ينقطع. حراك ثوروي من السهل تتبع بداياته، لكنه يستلزم إستشراف محطات ومحطات لتلمس نهايات البدايات السعيدة.



 



الصين "عظمة على عظمة". بلاد تحمل سمة العظيم من الأعمال، اولها جدار الصين العظيم، الذي لايزال يضع عقل الإنسان في كفة يده، مروراً بقيم غير قابلة للمساومة وصولاً إلى الثورة التكنولوجية التي أنتجت حرباً " ضروساً" مع أميركا الجبارة، والتي فازت عليها بالنقاط فيما لا تزال الجولات والصولات قائمة.


حفاوة ولياقة وخفر يُقيم أينما حل الضيف، فكيف إذا كان لبنانياً ومن "حزب المستقبل" كما يعرفون عن "تيار المستقبل"، ويعتبرونه تجربة رائدة في السياسية والإصلاح والإنفتاح، تتماهى مع حزبهم.


ترتشف مع هذه البلاد أينما حللت ذاك الشاي الصيني الأخضر الذي يأبى أن يفرغ من الفنجان الخاص المميز ذات الغطاء المزخرف، لزوم تجاذب مع كبارها وصغارها أطراف حديث شيق مطول، يتوج بفهم " أشياء وغياب أشياء".


كيف تُحكم هذه البلاد هذا هو السؤال السهل لجواب يصعب فك كهنه بسهولة. إنها الإشتراكية. تلك القضية المركزية المتمثلة ببناء الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، عمادها التنظيم والإنضباط الحزبي الصارم من لينين الى ماو تسي تونغ الذي أرسى نظرية خضوع كل أعضاء الحزب للجنة المركزية وتقييدهم بالنظام الداخلي من نشر الديقراطية داخله إلى محطتين قيادتين أرستا وطورتا هذه النظرية. توليفة قد تكون صادمة للوهلة الأولى، لكنها لن تكون كذلك مع تفتح العين والعقل والقلب على تجربة لها حساباتها الإنسانية والإقتصادية والسياسية الخاصة.. وقس على ذلك.


 



ببساطة تكمن التجربة الاشتراكية الخاصة التي يتكأ عليها الحزب الشيوعي الصيني، على التنمية المستدامة المتجددة لبناء مجتمع رغيد سعيد، " شاء من شاء وأبى من أبى" ، القلاقل والإتهامات بالنسبة إليهم "عدة شغل" الخصوم المحليين "على قلتهم" ، والأعداء الخارجيين على كثرتهم، لكن الصين أدرى بشعابها وشعبها الذي يبلغ مليارا و  مليون 400 نسمة حتى الآن. هذا الرقم الضخم لا يحتمل التراخي او اي مد وجزر حزبي مريب، وهذا ما يبدو جلياً من خلال إنتظام الحياة العامة وكأنهم لا يتجاوزون بضعة ملايين من السكان.


والمفارقة المضحكة المبكية ان زحمة السير في بكين مثلا التي تعد نحو ٢٠ مليون لا تختلف كثيرا بالشكل عن عجقة سير اوتوستراد الدورة ! .


غير ان ما دون الاصلاح المرتجى، شعاراً وفعلاً، تربية اعضاء الحزب على القيم والمثل المستقبلية الشيوعية، وتولي الحزب ادارة نفسه بالدرجة الأولى، و يتمسك بالخط السياسي للحزب عبر إنضباط صارم، الأمر الذي ينعكس على الواقعية في إدارة أمور البلاد والعباد، يستنيرون بتحرير العقول، ويراهنون على مواكبة العصر من أجل خدمة الشعب، فضلا عن عملية النقدالذاتي بجرأة ملحوظة، عبر إنضباط صارم. 


العناوين العريضة التي تشغل بال الصين ، السعادة وارتفاع مستوى المعيشة و تحقيق القوى الانتاجية الاجتماعية، للوصول إلى مجتمع مستقر، و التخلص من الفقر. إلى حد كبير بحلول العام 2020 ، إذ ان العينة المستهدفة الفقيرة الباقية نحو 60 مليون شخص.


إنها تجربة لا تتماهى مع غيرها من الأنظمة " الشقيقة" التى آثرت إسقاط هذه المنظومة والذهاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، ورمت بنفسها في أحضان ليبرالية ورأسمالية متوحشتين .. فأكلت الثورة أبناءها. ثورة تراكمية تلهم عن كثب شعوبا كثيرة تناضل من اجل التغيير بمعزل عن شكله ولونه وخلفياته.


من إطلب العلم ولو في الصين، إلى أطلب العلم عن الصين، عن الشعب العظيم ما بعد بعد جدار الصين العظيم وخلفه. روح ثورة متعاقبة تسبح فوق الجميع تمدهم بشعلة من نور "الثورة المقدسة" التي أطلق شرارة ثورتها الأولى نحو الشيوعية ذاك الزورق الأحمر، تنفح روحها في زوايا الصين ولم تخمد منذ ان حدث في مثل ذاك اليوم قبل نحو ٧٠ عاما وعشية مئوية الحزب الشيوعي. والصين اليوم بعظمتها خير شاهد ودليل.


زيارة وفد تيار المستقبل برئاسة الأمين العام أحمد الحريري وممثلين عن المكتب السياسي وقطاعات والتي طُعمت هذه المرة بإعلام موقع "المستقبل" إلى جانب إعلام التيار،على مدى عشرة أيام، إكتسبت أهمية وخصوصية كونها فتحت ابواب الصين الشعبية والحزبية والتكنولوجية والتجارية على مصراعيها، وهي ليست المرة الاولى، لكنها زيارة ليست كالزيارات. الجميع في الصين يُحدث عن شراكة سياسية وإقتصادية مع لبنان في ظل وجود الرئيس سعد الحريري على رأس حكومة لبنان كضمانة وثقة، على إعتبار ان تيار المستقبل نموذجاً للإنفتاح الذي يرأسه أيضاً، ويريدون من اللبنانيين كما الصينيين إعادة تعبيد طريق الحرير.


الصينيون جادون ويجدون. خلية نحل لا تهدأ لا يواربون.. سرعان ما يتحول الضيف إلى واحد من أهل البيت يمارسون عليه فن الضيافة بكرم وسخاء.. وحزم على الطريقة اللبنانية الريفية، خيار الرفض غير موجود في أصول الضيافة وطقوسها.


القادة الصينيون الذين يجاهرون بإعجابهم بأعمال جبران خليل جبران وفي مقدمها النبي الذي يقدم قصة حياة وثورة ، يتكلمون بلغة الأمثال الحزبية ذات دلالات شعبية، وتعكس خلاصات حقيقية عملانية وتختزل كلاماً كثيراً على الرغم من إفاضتهم في شرحها: "لا حديد قبل أن تكون حدادا"، "العيان أقوى من البيان"، "إذا قتل لنا في المعركة فخسارة العدو لن تقل عن 800 "، "لا يوجد في الشجرة ورقتان متشابهتان"، "شجرة الفواكه الحلوة اذا اقتلعت وزرعت في مكان اخرتصبح مرة"، "الخير الجماعي هو الخير الحقيقي" ... . 


كوادر "حكومات الصين المركزية"، يعملون بصمت ويفاخرون. لا يألهون قادتهم. يعطون كل ذي حق حقه لا فرق زعيم على زعيم إلا بما قدمه. الكلام عن الحرب مع الأميركي لا يخلو من نفس متحد بالشكل، أما في المضمون لا حرج في تقدير الموقف الصعب وعرض مكامن قوة الخصم في معرض التفوق عليها، يسخرون من صفقة القرن على قاعدة ان العالم لم يعد يُحكم باحادية أميركية أو غيرها. درس عملاني في التواضع لا بد يرسخ في الذهن، في معرض البطولات والإنتصارات الوهمية والمكابرة التي يضج بها لبنان.


الانجازات التأسيسية خلفهم. يديرون أنفسهم بأنفسهم يتكلمون بثقة بإسم مليار و400 مليون نسمة في وقت أن عدد المنتسبين إلى الحزب الشيوعي الصيني لا يتجاوز ال 90 مليون... يشكلون الطبقة الحزبية الشعبية الحاكمة لا "النخبوية"، وهي مفارقة لها قصة أخرى فيها الكثير من التماسك في إطار هيكلية "فيدرالية" ما دونها إجراءات وحجاب: الداخل إليها مولود ولا خارج منها مفقود.


الحزب الشيوعي الصيني في تلك البلاد ليس وجهة نظر، إنه توليفية من ديمقراطية شعبية "هجينة" لها أصولها وترابيتها، فحكم الشعب للشعب ليس نصوصا وشعارات أنه على قاعدة محبوكة ومشغولة قوامها "لا يهم( أو يهم لا فرق) ماذا تقدم الصين إليك إنما ما يقدمه الصيني للصين".


المستمع إلى عرض "القادة" الأكاديمين، وهم يحظون بمكانة رفيعة وكلمتهم مسموعة ومؤثرة إلى جانب الحزبيين الصينين، يقدمون رواية خالصة متينة مقفلة عن روح الحزب والثورة التي تسود في كل مكان وتعبق في أرجاء كل الأمكنة والأشياء تحت رايات حمراء مضرجة بدماء ثورية غالية نضرة كأنها رُفعت اليوم، ترفرف لا بل تُخفق بنبض الرجل الواحد. 


يصح القول أن الصينيين شعب شفاف. هم ملوك الفراسة والتعبير " قاموسهم بين عيونهم"، تعابير وملامح مفتوحة، يتكلمون بطريقة "ملحنة" ذات "نغمات ومقامات ووقفات ومدات"، لدرجة أنه يتسلل إلى السامع الكثير من الموقف والفحوى، لتأتي الترجمة العربية وتؤكد المؤكد الصيني.


في الصين أماكن كثيرة مبهرة للعيش و الجد واللعب.. لا العبث.


 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

بكين – قاسم خليفة  

30 تموز 2019 00:00