2 حزيران 2019 | 00:00

كتب عبد السلام موسى

"القضاء" ليس قدراً!

يُروى من قديم الزمان أن قاضي قضاة إحدى البلاد كان يصدر أحكاماً عجيبة غريبة، يساوي فيها بين المدعي والمدعي عليه، السارق والمسروق، المعتدي والمعتدى عليه.

كان قاضي القضاة يستمع لمطالعة المدعي ويقول له "معك حق"، ثم يستمع لدفاع المدعى عليه ويقول له "معك حق"، وفي النهاية يطوي الملف، ويصدر حكمه بأن جرماً لم يقع، ويخلي سبيل المدعى عليه على مرأى المدعي، كأن لا محاكم ولا من يحكمون.

كثر الحديث عن أحكام قاضي القضاة هذا، حتى سألته زوجته: "بأي شرع أو قانون تصدر هذه الأحكام، وتساوي بين الجلاد والضحية، الظالم والمظلوم؟ أي عدل هذا التي تحكم باسمه؟"، فنظر إليها كما ينظر للمدعي والمدعى عليه وقال لها: "معك حق"!.

ربما، تختصر هذه الرواية ما شهدناه في قضية الفنان زياد عيتاني مع المقدم سوزان الحاج والمقرصن ايلي غبش، من "نهاية سوريالية" لا تشهدها الأفلام حتى، إدانات بالجملة ولا من مدان، إلا زياد عيتاني الذي بقي مداناً بجرم العمالة حتى ذاب ثلج "التلفيق" وسطعت براءته، بعد أن نال نصيبه من التعذيب والتشهير، ودفع ثمناً غالياً من صحته وكرامته وكرامة عائلته.

بعد ذلك، بات من لفق الملف في مرمى الإدانة، من جهاز أمن الدولة إلى المقدم الحاج وغبش، ليجد اللبنانيون أنفسهم أمام "مهزلة سياسية – قضائية" من العيار الثقيل، أدان فيها القضاء "العدالة" نفسها، مع تحول مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس من محامي الحق العام إلى محامي الدفاع ‏عن المدان بالتلفيق، وحضوره شخصياً ليشرف بكيدية على تصفية حسابات شخصية من حساب العدالة، ويحول المحكمة العسكرية إلى "قضاء زور" في قضية خطيرة مست المجتمع اللبناني بأسره، ولا تزال، بدليل ردود الفعل التي وصفت ما حصل بـ"الظلم البشع" و"المرعب" بحق كل اللبنانيين.

ورب سائل هنا: في أي دولة نعيش؟! وأي عهد يرضى بهذا "التشبيح القانوني" الذي لا يستقيم إلا في "جمهوريات الموز والبرتقال"؟! وأي قضاء هذا الذي يرتضي أن يكون مطواعاً، بفعل كيد السياسة، لقاضٍ لم يحترم قسمه، وانقلب على نفسه، وعلى مسار العدالة، لغايات سياسية انتقم فيها من دولة يحكمها قضاء مسيس لا يحكم باسم "شعب لبنان العظيم"؟!

كان ثمة لدى اللبنانيين بصيص أمل بأنهم يعيشون في دولة، وأن المحاسبة آتية لكل من شارك في الجريمة، كائناً من كان، أكان جهازاً أمنياً، أو مسؤولاً، لكنهم اليوم ينعون زمناً يعيث فيه الظالمون والفاسدون، حيث يُشرع الظلم، ويُحلل للظالم التنكيل بالمظلوم، وما للمظلوم إلا الشكوى لربه.

لكن، أن يعيش اللبنانيون تحت "ظلم" بعض القضاء ليس قدرهم. فإذا كان للظلم جولة، فإن للحق صولات وجولات.

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

2 حزيران 2019 00:00