18 حزيران 2019 | 00:00

صحافة بيروت

ما الذي ينتظره الوفد الروســي في بيروت؟‎  ‎

ما الذي ينتظره الوفد الروســي في بيروت؟‎  ‎
المصدر: جورج شاهين ـ الجمهورية

كتبت صحيفة "الجمهورية": ليست المرة الأولى التي يزور فيها وفد روسي رفيع بيروت للبحث ‏في «مستجدات الأوضاع في سوريا ومشاريع التسوية وعملية إعادة الاعمار والمبادرة الروسية ‏لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم»، على حدّ قول المراسلة الديبلوماسية الروسية. فأعضاء ‏الوفد يعرفون ملفاتهم جيداً وما يريدون، ولذلك سيتركّز البحث حول ما سيسمعونه خلال الزيارة. ‏فما الذي ينتظرهم؟

منذ ان تدخّل الجيش الروسي في الأزمة السورية والمباشرة بالضربات الجوية على مواقع ‏المعارضة السورية ليل 30 ايلول 2015، تغيّر الكثير من قواعد اللعبة، وتحوّلت موسكو في ‏غضون أشهر لاعباً رئيساً في مجرى التطورات العسكرية، الى أن قلبت الوضع رأسا على عقب ‏خلال اقل من عامين، قبل ان تبدأ بدور المهندس لمجرى العمليات العسكرية والديبلدوماسية، ‏وصولاً الى المباشرة في إعادة بناء سوريا الجديدة على المستويات السياسية والجغرافية، كما ‏الدستورية‎.‎

من دون العودة إلى تلك المرحلة، لا يمكن فهم حجم روسيا الإتحادية ودورها في الأزمة وطريقة ‏إدارة الوضع في المنطقة. فقد ادّت علاقاتها المميزة مع اسرائيل، وتلك التي أُعيد بناؤها مع دول ‏الجوار السوري، ولا سيما منها تركيا وإيران، الى عودة «الدب الروسي» من الباب الواسع، ‏ففرضت نفسها على جميع أطراف الأزمة بوجهيها الداخلي والخارجي من الموقع المتقدّم، ‏ودخلت بكل قدراتها، وما تلقّاه النظام السوري وحلفاؤه في حرب المحاور، من دعم في مواجهة ‏واشنطن وحلفائها من مجموعة الحلف الدولي ضد الإرهاب، ففتتت معظم التركيبة التي كانت ‏تعارضها وبنت علاقات متفرّقة معها، واستعادت مقدرات إعادتها الى لعب الدور الكبير الذي ‏كان الإتحاد السوفياتي لعبه في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، قبل مرحلة ‏‏«البيريسترويكا» التي أنهت عهد الأمبراطورية الروسيّة‎.‎

من هذه الزاوية بالذات، وعلى خلفية ما حققته موسكو في المنطقة، ينطلق موفدوها الى عواصم ‏العالم بحثاً عن الحلول والمخارج المحتملة للأزمة السورية، على رغم من حجم العقبات التي ‏حالت الى الآن دون الإنتقال من مرحلة الحسم العسكري المُعلّق الى مرحلة التسويات السياسية ‏المعقّدة‎.‎

بهذه الذهنية، يصل الى بيروت اليوم الوفد الروسي برئاسة الممثل الخاص للرئيس فلاديمير ‏بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف ومعه نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين ومساعديهما، ‏وذلك في مهمة يمكن اختصارها بالبحث عن منفذ يمكن ان يؤدي الى واحد من معظم الملفات ‏المتشابكة بين ما هو عسكري وأمني وسياسي وانمائي وانساني. فهو سيسعى في لقاءاته مع كبار ‏المسؤولين، الى استكشاف ما يمكن القيام به للدفع في اتجاه ما يعني لبنان تحديداً على مستوى ‏ملف النازحين السوريين وإعادتهم الى بلادهم، وتفكيك العقبات التي حالت الى الآن دون ‏توفيرعودة مضمونة، لما لا يفيض على 200 الف من أصل مليون ونصف مليون نازح سوري، ‏ما زالوا يتوزعون في لبنان على مساحة اكثر من 1170 مخيماً عشوائياً من اقصى الشمال الى ‏اقصى الجنوب مروراً بالعاصمة وضواحيها وجبل لبنان والبقاع‎.‎

ويعترف المتعاطون بهذا الملف، أنّ أمام الوفد الروسي مهمة صعبة سيتغلّب فيها ما هو مأسوي ‏على ما هو سياسي وأمني. وهو، وإن لم يُفاجأ بحجم وثقل الترددات السلبية التي تركها النزوح ‏على مختلف نواحي الحياة اليومية، سيصطدم بكثير من العقبات التي تفيض لعدم وجود اي خطة ‏رسمية لبنانية للعودة‎.‎

فالمؤسسات التي تتناغم في ما بينها عند كل محطة سياسية، تفقد قدرتها على الفعل في ظل ‏الإنقسام السياسي الحاد حول آلية العودة وظروفها، على رغم من الإجماع على ضرورة توفيرها‎.‎

فاللبنانيون منقسمون حول طريقة خفض عدد النازحين في اسرع وقت ممكن، وبعضهم يتحدث ‏عن توسّع «المناطق الآمنة» في سوريا، ولكنه عجز الى اليوم عن إقناع النازحين بالعودة الى ‏هذه المناطق نظراً لصعوبة العيش فيها لأسباب مختلفة، منها ما هو أمني، ومنها ما هو بفعل ‏التدمير الشامل، وما بينهما الشروط التي يتمّسك بها النظام، والتي تعوق العودة الآمنة والطوعية. ‏فبعض من سبقهم الى أرض الوطن عاد بأشكال متعددة وبوسائل غير شرعية‎.‎

وعلى وقع الإنقسام السياسي الحاد، يرى المراقبون في أداء المؤسسات الإنسانية وتلك التي تمتهن ‏رعاية النازحين من نواحٍ مختلفة ما يزيد في الطين بلّة. فهم ممسكون بمضمون الإتفاقيات ‏والمواثيق الدولية التي ترعى شؤون النازحين واللاجئين، ويوجّهون الإنتقادات الحادة الى ‏اللبنانيين في تصرّف أقل ما يُقال فيه إنّه يتجاهل عدم وجود دولة كاملة المواصفات وحكومة ‏قادرة على تطبيق ما تقول به هذه المواثيق بحذافيرها. فالجميع يدرك انّ ما يعوق ذلك يثبت ‏فقدان القدرات الماليّة واللوجسيتة والبشريّة، بالإضافة الى ضيق رقعة الأرض التي لا تتسع لهذا ‏الحجم الكبير منهم‎.‎

والى هذه المعطيات، لم تتمكن الحكومة اللبنانية، ومعها وزارة الدولة لشؤون النازحين، التي ‏يتجاهلها البرنامج الرسمي للوفد الروسي حتى اليوم، من وضع أي خطة قابلة للتطبيق، سوى تلك ‏التي يجري الحديث عنها أخيراً بلا كثير من تفاصيلها، في وقت ستستحضر الزيارة المواقف ‏اللبنانية المبدئية التي لم تُعِد نازحاً بعد الى بلاده نتيجة اقتصار «العودة الطوعية» على ما نظمته ‏وأنجزته المديرية العامة للأمن العام من جهود في العامين الماضيين وحتى الساعة‎.‎

وتجدر الإشارة، الى انّ كل هذه المعلومات والملاحظات هي في ذهن المسؤولين الروس، ‏وأعضاء الوفد من بين الأكثر اطلاعاً عليها. ولذلك طُرِح السؤال: هل يمكن مهمة الوفد ان تحقق ‏أي إنجاز غير متوقع؟

طالما انّ المعلومات لا تتحدث عن أي مبادرة روسية جديدة فقد تتحوّل مهمة الوفد زيارة ‏علاقات عامة ولا شيء يشير الى عكس ذلك‎.‎

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 حزيران 2019 00:00