جورج بكاسيني

3 تموز 2019 | 00:00

كتب جورج بكاسيني

متى يبدأ السلم الأهلي؟

متى يبدأ السلم الأهلي؟

استعادت موقعة الجبل الاحد الفائت صورا قززت مشاعر اللبنانيين. اكتئاب ضرب المزاج الوطني العام من الناقورة الى النهر الكبير، ساعات قليلة كانت كفيلة باعادة عقارب الساعة ثلاثين عاما الى الوراء: دم، شحن، قطع طرقات، تهديدات متبادلة، اخبار عاجلة عن احوال الطرق والمناطق.

ساعات قليلة كانت كافية لانعاش ذاكرة الحروب المزمنة بين الموارنة والدروز، والمستجدة بين الموحدين الدروز، لم يكن ينقصها سوى نجم العصر، "السوشال ميديا"، السريع الاشتعال.

لم يكد اللبنانيون يتنفسون الصعداء مع تراجع احتمالات الحرب في المنطقة، حتى داهمهم احتمال مماثل من الداخل، من قلب الجبل، الذي طالما شكل مؤشرا لسلامة او عدم سلامة باقي الاطرف. 

أنموذجان فاقعان ومتشابهان، ذكرا اللبنانيين في اسبوعين بثقافة الحرب: الحديث عن "منع المسلمين" (منذ 2006) من شراء شقق او استئجارها في بلدة الحدث، والكلام من جانب التيار الوطني الحر عن "منع بعض المسيحيين" من زيارة الجبل. 

انموذجان صارخان يضافان الى مسلسل من الاحداث والمواقف التي تظهر بين فينة واخرى، منذ طي صفحة الحرب مع اقرار اتفاق الطائف العام 1989 ليثيرا مجموعة من الاسئلة والهواجس يتناقلها اللبنانيون: هل انتهت الحرب الاهلية فعلا؟ هل السلم الاهلي هجين الى حد يمكن ان يهتز فعلا في اي لحظة؟ هل صحيح ان عدم انجاز "المصالحة الوطنية" (المنصوص عنها في الطائف ايضا) يهدد هذا السلم في اي منعطف؟

والاخطر من     ذلك انه مع كل استحقاق او موعد دستوري له صلة باعادة تكوين السلطة، وهي استحقاقات بديهية مجرد حصولها يرسخ السلم الاهلي، تنبش طقوس الحرب الاهلية وقواميسها: فمع كل استحقاق رئاسي يحتل الفراغ كرسي بعبدا(2008 و2014)، ومع مع كل استحقاق نيابي يطل شبح التمديد، او التمديد نفسه، ومع كل استحقاق حكومي يحل التعطيل وتضييع الوقت والفرص. ومع كل نقاش حول قانون الانتخاب او التعيينات او ما يعادلهما يستذكر بعضهم "حروب الجبل" وبعضهم الاخر "حرب الالغاء". ومع كل انتخابات نيابية يستعيد بعضهم الثالث غزوة 7 أيار، والرابع "انتصاراته الاهية". 

في عز السعي الى اعادة بناء الدولة ووقف الهدر واعادة الحياة الى شرايين الاقتصاد عن طريق اقرار الموازنة واطلاق مشاريع "سيدر" والتحضير لاقرار خطة لمعالجة ازمة النفايات، تنتصب عصبيات ما قبل الدولة طائفيا ومناطقيا لتحتل الساحات والشاشات والاولويات.

"الشعوب- الطوائف" اللبنانية على موعد دائم مع ذكريات الحرب، استقواء او خوفا، وان تبادلوا الادوار في ما بينهم، او الشعارات: الشيعة  اقتبسوا دور السنة وشعاراتهم (تحرير فلسطين)، والسنة اقتبسوا دور الموارنة (حرية- سيادة – استقلال- لبنان اولا) والموارنة اقتبسوا دور الشيعة "المحرومين" وشعاراتهم (حقوق المسيحيين- بدلا من الشيعة)، فيما اقتبس الدروز من الطوائف الاخرى شعاراتهم مجتمعة ("فلسطين" و"لبنان اولا" و"الحقوق") مضافة اليها فكرة "الحياد" عن التموضعات السياسية على طريقة الروم الارثوذكس.

قد يكون سبب ما يقض مضاجعنا ان الحرب لم تنته وانما أُنهيت، او ان الحرب انتهت لكن السلم الاهلي الفعلي لم يبدأ بعد.. فمتى يبدأ باذن الله؟ 

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

3 تموز 2019 00:00