17 حزيران 2019 | 00:00

المكتب السياسي

هكذا يكون اللبناني قبل الكل - ربى دالاتي رافعي

هكذا يكون اللبناني قبل الكل - ربى دالاتي رافعي

(*) كتبت الدكتورة ربى دالاتي رافعي



من الطبيعي أن تكون أولى اهتمامات أي حاكم مسؤول في بلد مأزوم اقتصادياً هي كيفية النهوض بالبلد المؤتمن عليه. لكن قبل الشروع بوضع الخطة النهضوية الشاملة لا بد من تقييم للوضع الراهن في الزمان والمكان للحالات الاجتماعية والاقتصادية مع الأخذ بعين الاعتبار التغيّرات الجيوسياسية. فلكل بلد حالة ولكل حالة حلول ممكنة. 



عدة دول عانت من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية واستطاعت النهوض والارتقاء باقتصادها وحياة أبنائها الاجتماعية والثقافية. منها بلدان عانت من الضائقة الاقتصادية كتركيا، ومنها عانت من انتشار الفساد كماليزيا، وأخرى كانت شبه منهارة كسنغافورة وراوندا. لكنها تمكّنت من التحوّل إلى بلدان رائدة في المجال التجاري أو السياحي أو الخدماتي أو غيره.



أما لبنان فهو حالة منفردة شائكة بسبب تداخل عدد كبير من التحدّيات والمخاطر التي تواجهه. فهذا البلد الصغير والجميل بطبيعته والذي يتمتع بالكثير من الميزات الجغرافية التفاضلية، يقع في منطقة تكثر فيها الصراعات الاقليمية والعقائدية والتي تؤثر على ممارسات شعبه المتعدد الطوائف والمذاهب والانتماءات. واتفاق الطائف الذي أرسى السلم الأهلي بعد الحرب التي استمرت خمسة عشر عاماً ودمّرت بناه التحتية ومنشآته الحيوية، لا يزال البعض من أهل السلطة يسعون لنقضه واستعادة الصلاحيات المسلوبة لطائفتهم حسب زعمهم رغم ما قد يؤول إليه هذا الاصرار من ردّات فعل تعبث بأمنه إلى حد الخروج عن السيطرة. 



كما أن الدين العام الذي كان ضرورياً لإعادة الاعمار بعد الحرب الأهلية لم يتم تسديده لعدة أسباب. منها المناكفات السياسية في عهد الوصاية السورية وبعدها، ومنها المشاكل الأمنية التي تعرّض لها لبنان بدءاً من حرب تموز 2006، مروراً بمعركة نهر البارد 2007، وعمليات الاغتيال لرموز ثورة الأرز، والاشتباكات في طرابلس وعبرا، والعمليات الارهابية لداعش وغيرها... كل هذه الأسباب أدّت إلى تراجع الاستثمارات، وتمنّع السواح عن المجيء، حتى أخذت بعض السفارات تحظّر سفر أو بقاء رعاياها في لبنان. أضف إلى ذلك ما ورثه لبنان خلال الحرب الأهلية وعهد الوصاية من انتشار للفساد وسرقة المال العام من الزبائنية والاستقواء على السلطة وجيشها، وهي بحد ذاتها من أكبر العوائق أمام أي نهضة. كذلك الأمر ما زاده النزوح السوري على كاهل الاقتصاد اللبناني لناحية استهلاك البنى التحيتة ومنافسة العمالة اللبنانية.



أما اليوم ولبنان يعاني من ارتفاع الدين العام ومن الركود الاقتصادي والضائقة المعيشية التي وصلت إلى حد ارتفاع نسب الفقر والبطالة، لا يزال بعض الطامحين للحكم يثيرون العصبيات الطائفية ويمارسون الكيدية والفئوية والعنصرية دون إدراك لخطورة هذه الممارسات على استقرار البلد واقتصاده. 



لبنان حالياً في وضع لا يُحسد عليه من كثرة المشاكل الداخلية والمرتبطة بأوضاع سياسية إقليمية: من الحرب في سوريا، إلى العقوبات على ايران وصفقة القرن وما قد يترتب عنهما في لبنان من تداعيات تؤثر على أمنه واستقراره... وبالتالي فإن المسؤولية كبيرة جداً أمام من يحمل همّ البلد ويسعى للنهضة به رغم كل الصعاب والتهديدات الأمنية التي قد تفاجئه في أي لحظة.



لبنان في أزمة حقيقية والنهضة به تتطلّب التكاتف بين جميع الفرقاء والتخلّي عن الأنانيات وعن تغليب المصالح الخارجية على الوطنية. فالمركب إن غرق، يغرق بالجميع دون استثناء. 



هكذا يكون "اللبناني قبل الكل".



(*) عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل 



 



 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

17 حزيران 2019 00:00