كتبت صحيفة "النهار " تقول : من وقف وراء محاولة الانقلاب الاولى في تاريخ لبنان على المصارف ولماذا فشلت وأحبطت؟ هل كانت "هزة عصا" ثقيلة للمصارف من جهة سياسية - قضائية تجاوزت الخطوط الحمر والسقوف التي لا يزال النظام السياسي والاقتصادي والمالي يعمل تحتها على رغم التداعيات الزلزالية للازمة المالية؟ أم تراها كانت "بروفة انقلابية" غير مسبوقة تركت ايحاءاتها ورسائلها تتردد ساعات قليلة قبل لملمة الردود المتفجرة التي كانت تنذر باقحام البلاد في متاهة بالغة الخطورة؟
الواقع أن القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي علي ابرهيم بمنع 20 مصرفاً لبنانياً من التصرف بممتلكاتها وأصولها ومنع رؤساء مجالس إداراتها من التصرف بممتلكاتهم، لم يكن في واقعه العملي والقضائي أقل من "انقلاب غير مسبوق" لم تعرف الجمهورية اللبنانية سابقة له منذ قيامها ولا عرف القطاع المصرفي اجراء يشبهه منذ تأسيس المصرف الاول في لبنان.
ومع انه لا يمكن تجاهل تصاعد السخط والغضب الشعبيين من الاجراءات المتشددة التي تتخذها المصارف منذ نحو خمسة أشهر حيال عمليات سحب الاموال العائدة للمودعين والتحويلات الى الخارج، اضافة الى ما يمكن ان تتحمله من جزء من مسؤولية بلوغ الحائط المسدود في الملفات المالية التي تتحمل تبعتها الاساسية السلطة السياسية، فان ذلك لم يكن ليبرر اطلاقاً المغامرة الشديدة الخطورة التي تمثلت في قرار "الحجر" من جانب القضاء المالي على أصول المصارف كأنه بداية تأميم واقعي للقطاع المصرفي ينذر بانقلاب موصوف على القطاع الاعرق في تدعيم النظام المصرفي والاقتصادي خلال عقود طويلة و"تجهيل" مسؤولية السلطة السياسية عن الانهيار المالي. ولعل العامل الاكثر إثارة للهواجس حيال القرار تمثل في ربطه بالمواقف المتعاقبة الأخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري من المصارف وحملته الحادة عليها، الامر الذي دفع بري الى نفي أي علاقة له بقرار ابرهيم.
أما التطور المفاجئ الذي برز في هذا السياق، فتمثل في معلومات توافرت ليلاً بعد الاتجاه الى طي قرار ابرهيم بأن هذا الاجراء جاء بطلب بل باصرار من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أراد توجيه رسالة صارمة وقاسية الى المصارف وأن الرئيس بري كان قد وضع في جو هذا الاجراء.
لكن توقيت القرار عشية اتخاذ الحكومة القرار الحاسم في شأن سداد استحقاق "اليوروبوندز" لم يترك أدنى شك في أن الصراع بين بعض السلطة السياسية والقطاع المصرفي قد بلغ مستويات متقدمة وخطيرة جاء القرار ليكشف جانباً أساسياً منها مهدداً بتداعيات بالغة الخطورة لو لم يجر تدارك الامر ليل أمس من خلال الاتصالات والمشاورات السريعة التي فعلت فعلها بسرعة بـ"تجميد" قرار المدعي العام المالي تمهيداً لالغائه في مقابل صمت جمعية المصارف وصرفها النظر عن اضراب كانت ستعلنه لولا التوصل الى احتواء تداعيات "الانقلاب" المقنع.
والواقع أن جمعية المصارف اجتمعت إستثنائيّاً مساء لاتخاذ القرارات المناسبة ردّاً على القرار الذي أعلنه المدعي العام المالي، وكانت تبحث في إمكان إتخاذ قرار بإقفال المصارف حتّى تاريخٍ غير محدّد. وبناء على اتصالات بين رئيس جمعية المصارف سليم صفير والمراجع الرسمية، زار وفد من الجمعية المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات للبحث في قرار القاضي علي ابرهيم والتشاور في موضوع اقفال المصارف.
وعلمت "النهار" ان الوفد شرح تداعيات القرار على أكثر من صعيد بدءاً بالعلاقة مع المصارف المراسلة التي ستعمد الى إقفال كل الاعتمادات المفتوحة لتمويل استيراد النفط والدواء والقمح. كما أن القرار يشكل خطراً على السمعة المصرفية بحيث يتوقف التعامل مع المصارف اللبنانية بسبب الظن برؤساء مجالس إداراتها مما يؤثر بشكل غير مباشر على زبائنها. كما ان منع بيع العقارات التي في حوزة المصارف ومنها ما هو استيفاء لدين سيؤدي الى تجفيف السيولة.
وليلاً اصدر القاضي عويدات قراراً جمد بموجبه قرار المدعي المالي وأبرز ما استند فيه الى معطيات وردته من مصادر موثوقة بأن السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها. ولفت الى أن من شأن الاستمرار في قرار المدعي العام المالي ادخال البلاد في الفوضى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.