28 آذار 2020 | 21:13

ثقافة

جورج سيدهم.. عاشق المسرح يرحل في يومه العالمي!

جورج سيدهم.. عاشق المسرح يرحل في يومه العالمي!


زياد سامي عيتاني*

في اليوم العالمي للمسرح، ورغم شدة عشقه له، رحل جورج سيدهم ثاني "ثلاثي أضواء المسرح" الذي رسم الإبتسامة على وجوه محبيه من خلال العديد من الأدوار الكوميدية التي قدمها في السينما والمسرح والتليفزيون بمشاركة أصدقائه المقربين سمير غانم والراحل الضيف أحمد، وإستطاع من خلال هذه الأدوار أن يبني قاعدة جماهيرية تحرص دائما على مشاهدة أعماله وإنتظار جديده، وإعادة مشاهدة القديم منها مرات ومرات...

•مدرسة في الكوميديا الجدية:

لقد جسد جورج سيدهم مدرسة في الأداء الكوميدي النابع من الجدية المبالغ بها، فلم يكن يميل إلى التهريج، ولا إلى إستخدام أسلوب المبالغات الأدائية الذي لم ينجِ منه أبناء جيله، وإنما كان يعمل على بناء الشخصية الكوميدية عبر إبراز تناقضاتها والمفارقات التي تقع فيها، بعيداً عن الإفتعال الأسلوبي الشكلاني الذي يستجدي الإضحاك في ظل غياب رؤية تنظم عمل جوهر هذا الإضحاك وتضبط أدواته.  

•قديس الفن:

 عرف جورج سيدهم بين زملائه بالوسط الفني وعند الكثير من عشاق فنه بالعديد من الألقاب التي تكن له التقدير والإحترام ، فقد أطلق عليه البعض لقب "ملاك المسرح والسينما" وأطلق عليه البعض الآخر لقب "قديس الفن"، ومرجع ذلك ما عرف عنه من خلق رفيع ومحبة يكنها لكل البشر ، لا يهوى الخصومة مع أحد ، ولا يدخل في معارك لا طائل من وراءها على صفحات الصحف أو في جلساته الخاصة أوحواراته الإعلامية.

•البداية مع ثلاثي أضواء المسرح:

بدأت رحلة مهندس الزراعة جورج سيدهم مع الفن من مسرح كلية الزراعة في جامعة عين شمس، التي تخرج منها عام 1961، وبمرحلة الجامعة جاءت معرفته بزملائه سمير غانم الذي كان بجامعة القاهرة، والضيف أحمد بجامعة الإسكندرية، وكونوا معاً فرقه "ثلاثي أضواء المسرح" التي إتخذت الطابع الكوميدي فيما قدمتهه من أعمال، والتي تخصصت في "الإسكتشات" الغنائية الكوميدية في حفلاتها والحفلات خاصة، مما دفع بالعديد من الفخرجين للإستعانة بها لتقديم فقرات في الأفلام، حيث كانت البداية في العام 1963 في فيلم «القاهرة في الليل»، و«منتهى الفرح»، و«المشاغبون»، و«بنت الحتة»، و«خان الخليلي» وغيرها.

صحيح أن فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" هي بوابة تعارف الجمهور على جورج سيدهم وباقي أعضاء الفرقة، ولكن سبق عمل الفرقة سوياً، بعض المحطات الهامة في حياة جورج سيدهم وهي تقديمه لفقرة صامتة حملت أسم " دش بارد " ضمن برنامج تسالي، كذلك تقديمهم لفرقة كوميدية بعنوان "الشحاتين حول العالم". 

 أما إنطلاقة الفرقة الحقيقية جاءت مع فيلم " 30 يوم في السجن " والتي قدموا فيها بعض أشهر الإسكتشات الغنائية مثل أغنية "شفت الحليوة" والتى مازال الجمهور يتذكرها حتى الأن، كذلك فيلم "شاطئ المرح" مع حسن يوسف ونجاة الصغيرة والتى قدموا من خلاله أغنية "كيوبيد للبيع" و"جمبري مشوي". 

وعقب إنفصال الفرقة بعد وفاة الضيف أحمد قدم كل من جورج سيدهم وسمير غانم أعمال حازت على نجاح جماهيري كبير ولعل أشهرها مسرحية "المتزوجون". 

•إكتئاب الهزيمة يقوده إلى الأسكندرية:

وكان العام 1967 نقطة تحول في حياة جورج، حيث أصيب بإكتئاب شديد بعد الهزيمة، إضافة إلى أن مشروع فرقة «الثلاثي» ضُرب في مقتل، بسبب إختفاء البهجة من الشارع المصري، وفي محاولة للخروج من الأزمة، قرر السفر إلى الإسكندرية لقضاء إجازة.

•الصدفة جعلت منه نجماً متألقاً:

ولعبت المصادفة دوراً كبيراً في رحلته إلى الإسكندرية، حيث إلتقى في القطار بمحافظ الإسكندرية وقتها حمدي عاشور وعرض عليه تقديم مسرحية فيها، ووعده جورج بتوفير الإمكانات المطلوبة لتقديم المسرحية بشكل جيد، علماً أن جورج لم يكن مقتنعاً بفكرة تقديم مسرحية، لكنه خجل من أن يرفض عرض المحافظ.

وبدأ سيدهم يطلب طلبات تعجيزية في محاولة للهروب، ومنها مسرح مجاني، وعلى الفور خصص له مسرح "بيرم التونسي"، وأن تكون الأفيشات والإعلانات مجانية، وهو ما تمت الإستجابة له، وبعد تلبية طلباته لم يجد مفراً من القبول.

•الترويج للمسرحية بالتجوال في الشوارع:

تم الإعلان عن المسرحية في الإسكندرية، ومن شدة حرص جورج على نجاحها لم يكتف بالدعاية التقليدية، ولكنه إصطحب أعضاء الفرقة في سيارته وتجولوا في الشوارع ليعلنوا للناس عن المسرح الذي سيفتتح بفرقة الثلاثي. وحين ذهب جورج إلى شباك المسرح فوجئ بحجز التذاكر لأسبوعين مقبلين، وكان هذا مؤشراً لنجاح فكرة الفرقة التي قدمت بعدها مسرحيات ناجحة جداً، منها «طبيخ الملايكة» و«حدث في عزبة الورد».

•العودة الى القاهرة:

عاد جورج بعد ذلك إلى القاهرة وأجرى اتصالاته بالمخرج محمد سالم والمؤلف يوسف عوف والشاعر حسين السيد، وكتبوا مسرحية «حواديت»، التي إعتمدت على شكل جديد في المسرح، حيث كانت من فصلين، يدور كل واحد حول قصة تختلف عن الأخرى.

•إحتراق مسرحه يتسبب له بالجلطة:

لكن الفنان الموهوب كان على موعد مع العديد من الصدمات، أولها في 6 أبريل 1970 بعد وفاة الضيف أحمد، ثم بدأت مرحلة ثانية تقاسم فيها جورج البطولة مع سمير غانم، والضربة الثانية كانت في 1986 في أحداث شغب الأمن المركزي، حيث إحترق مسرحه «الهوسابير» في هذه الأحداث، والذي كان أنفق عليه كل رأس ماله.

أصيب نتيجة ذلك بجلطة في القلب، وسافر إلى لندن للعلاج، ثم عاد إلى القاهرة وإبتعد عن الفن لفترة إفتتح خلالها مطعماً حملت أكلاته أسماء مسرحياته، مثل «طبيخ الملايكة» و«عزبة الورد»، لكن عشقه للتمثيل جعله يعود مرة ثانية للفن بمسرحية جديدة، حيث إنفصل جورج عن سمير، وكان هذا إعلاناً لانتهاء فرقة الثلاثي.

•حالة تسمم في مشهد مسرحي!:

تعد مسرحية (المتزوجون) التي عرضت عام 1979 والتي تناقش مشكلة الفارق الطبقي بين المتزوجين بشكل كوميدي، ومسرحية «أهلاً يا دكتور»، التي عرضت عام 1981، وتدور أحداثها حول الوسط المهني للأطباء في سنوات الإنفتاح الإقتصادي في مصر، والتي تعتبر أشهر أعمال جورج سيدهم المسرحية، ومثلهما مسرحية (موسيقى في الحي الشرقي) عام 1971 التي كانت أول عمل مسرحي لجورج وسمير بعد رحيل الضيف أحمد، بخلاف مسرحيته الشهيرة (حب في التخشيبة) التي أنتجت عام 1994 والتي لم يشارك فيها سمير غانم الذي كان قد إنفرد بالعمل المسرحي لوحده قبل سنوات. 

ويبقى مشهد تناول البيض في مسرحية (المتزوجون) الذي تجبره عليه زوجته ابنة المعلم ذات الأصول الشعبية، من أشهر مشاهد المسرحية التي كثيراً ما سئل عنه جورج، وما لا يعرفه الكثيرون أنه أصيب بالتسمم بعد يومين من العرض بسبب تناوله كمية كبيرة من البيض، وهو ما جعله يرفض تناوله خلال باقي العروض وتم إستبداله بقطع من التفاح المقشر بشكل بيضوي، إلا أن مخرج العمل حسن عبد السلام أصرعلى أن يتناول جورج سيدهم البيض خلال يوم تصوير المسرحية تليفزيونيا.

أما آخر أعمال جورج سيدهم المسرحية فكانت مسرحية "نشنت يا ناصح" التي أخرجها الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي، وعرضت عام 1995.

•إجادة الأدوار الجدية:

ورغم شهرته بالأدوار الكوميديا بأكثر من 140 عمل فنى، إلا أنه ترك بصمة مميزة من خلال الأدوار الجادة وإستطاع أن ينجح من خلالها، ومن أبرز تلك الأعمال الفنية التي قدم خلالها أدواراً بعيدة عن الكوميدية:

-إمرأة سيئة السمعة:

شارك الفنان جورج سيدهم في عام 1973 خلال فيلم "امرأة سيئة السمعة" والذى جسد خلاله دور الدكتور مؤمن، وهو شخصية جادة جداً، و شارك في بطولة هذا الفيلم كل من شمس البارودي، ومحمود ياسين، ويوسف شعبان، ومن تأليف ممدوح الليثي وإخراج هنري بركات.

-رأفت الهجان:

شارك جورج سيدهم في الجزء الثالث من مسلسل "رأفت الهجان" وقدم خلاله دور "شلومو"، وهو أحد المواطنين اليهود في تل أبيب، والذي كان له تعاملات مباشرة مع رأفت الهجان، وشارك في بطولة العمل، محمود عبد العزيز، ويسرا، وإيمان الطوخي، وعفاف شعيب، ونبيل الحلفاوي، ومن تأليف صلاح مرسي، وإخراج يحيى العلمي

-بوابة الحلواني:

شارك الفنان جورج سيدهم في مسلسل "بوابة الحلواني"، بجزأيه الثاني والثالث عام 1994، وقدم من خلاله دور نوبار باشا، وشارك في بطولة هذا المسلسل عزت العلايلي، وسمية الألفي، ومحمد وفيق، وإيمان الطوخي، وهو من تأليف محفوظ عبد الرحمن، وإخراج إبراهيم الصحن

•الفوازير الرمضانية والحضور التلفزيوني:

إلى جانب أعماله المسرحية والسينمائية كان جورج سيدهم حاضراً في مسلسلات التلفزيون، وكان للفوازير الرمضانية حيزاً خاصاً في مشاركاته التلفزيونية بدءً من (فوزاير ثلاثي أضواء المسرح) في موسم رمضان عام 1969 وليس إنتهاءً بمشاركته كضيف شرف مع جيهان نصر في فوازير (الحلو ما يكلمش) عام 1997.

  وعلى العموم فقد إمتدت مشاركات جورج سيدهم التلفزيونية اللاحقة حتى النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وإن بأدوار منتقاة بسبب تفرغه الأساسي للمسرح.

•آخر ظهور في إعلان:

يذكر أن آخر ظهور فني لجورج سيدهم كان منذ عدة سنوات في أحد الإعلانات، بمشاركة كل من سمير غانم وشيرين بطلي مسرحية المتزوجون، حيث ظهر الجميع بنفس ملابس الشخصيات التي قدموها في المسرحية وفي نفس الديكور الذي تم إعداده خصيصا من أجل لم شمل فريق العمل من جديد بعد سنوات طويلة.

•شقيقه يتسبب بوفاته:

وكانت الصدمة الكبرى حين فوجئ في منتصف التسعينيات بمصلحة الضرائب تحجز على مسرحه، واكتشف أن شقيقه أمير سيدهم رهن المسرح من دون علمه، فأصابته المفاجأة بجلطة شديدة نتج عنها شلل نصفي، بقي يعاني منه حتى وفاته.

ورغم رحيله المحزن لزملائه ورفاق دربه وجيله وجمهوره العريض، فإن جورج سيدهم ترك ضحكة مدوية في ذاكرة ووجدان كل من حظي مشاهدة أعماله، التي ستبقى محفورة في السجل الذهبي لتاريخ زمن العمالقة الذين سطروا بإبداعاتهم وعرق جبينهم صفحاته التي ستؤرخ لحقبة زمن العمالقة...

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

















يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

28 آذار 2020 21:13