8 نيسان 2020 | 10:49

ثقافة

الإحتفال التراثي والديني للبيارتة بليلة النصف من شعبان...(٢/٢)

الإحتفال التراثي والديني للبيارتة بليلة النصف من شعبان...(٢/٢)

زياد سامي عيتاني*

يصادف اليوم النص من شعبان، الذي جرت العادة أن يحتفل المسلمون بليلته المباركة تقرباً من الله عزّ وجلّ، وهي من الليالي التي إختصها الله تبارك وتعالي بالفضائل والتكريم، حيث إختارها لتحويل قبلة المسلمين نحو المسجد الحرام إلى آخر الزمان..

والإحتفال بليلة النصف من شعبان لم يقتصر على الجانب الديني، بل كان يشمل أيضاً بعداً إجتماعياً وتراثياً، تكريساً وترسيخاً لمبدأ التكافل والتعاضد بين الناس، وإدخال السرور والمحبة إلى النفوس...

•إقامة "الأسمطة" والمآدب:

ومن العادات التي سادت في العصور الإسلامية القديمة بمناسبة ليلة النصف من شعبان، إقامة "الأسمطة" (المآدب) من قبل الحكام والأثرياء سواء في مقرات الدولة الرسمية أو في المساجد والساحات العامة، وتخصص لعامة الناس، حيث يقدم لها ما لذ وطاب من المأكولات والحلويات والأطايب، كما أن بعض الحكام والسلطان والأمراء كانوا يوزعون عليهم الصدقات بشكل "صرر" من النقود...



•الإحتفال الأول بنكهة مصرية:

تشير المصادر التاريخية إلى أن أول إحتفال رسمي بليلة النصف من شعبان يعود إلى مصر المحروسة في العصر الفاطمي وبقي الإهتمام به قائماً في عهد المماليك ومن ثم ولاية العثمانيين، حيث كان الإستعداد يبدأ في دار الفطرة، التي كانت تعد فيها كميات كبيرة من الحلوى يشارك في إعدادها عدد كبير من الطباخين و"الحلوانية"، بهدف توزيعها على رجال الدولة القائمين على الجوامع والمشاهد الشريفة، التي كان يجتمع الناس فيها رجالاً ونساء، و كانت أيضاً تعلق في أرجاء المدن المصرية المشاعل والفوانيس والشموع، كذلك كانت تفرش البسط والسجادات داخل المساجد وعليها الأواني والأباريق التي إمتلأت بالمشروبات التي اعتاد الناس عليها في هذا الموسم ويستمعون إلي مشاهير القراء وهم يرتلون آيات القرآن الكريم.

إضافة إلى ذلك كانت تقام الزينات والولائم وتوزيع الصدقات علي الفقراء، وتسير المواكب وتنشد الأناشيد...

وإستمر ذلك إلى العصور الحديثة، حيث تقام الأسواق والشوادر التي تعرض ما يسمى "حلوى الموسم".

•"المشبك" حلوى النصف من شعبان في بيروت:

وفي بيروت إسوة بباقي المدن العربية، فإن لإحتفال بليلة النصف من شعبان لم يقتصر على الجانب الديني، بل كان يشمل أيضاً بعداً إجتماعياً لا زال البيروتيون يتمسكون به حتى يومنا هذا، وهو يتمثل بصناعة حلوى "المشبك" التي يتناولونه خصيصاً في مناسبة النصف من الشعبان، إحتفالاً بها، حتى بات عادة إجتماعية تراثية، تتجدد كل عام، للتعبير عن تعظيمهم لهذه الذكرى المباركة، وتعبيراً عن فرحتهم بها.

و"المشبك" هو كناية عن سميد وسكر وخميرة ويوضع قالب العجينة في مكبس مخصص، قبل تغميسه بالزيت المغلي، ثم تصفية الزيت وإضافة القطر البارد إليه.

وإعتماد "المشبك" في هذه المناسبة، إعتقاداً بأنه يرمز إلى صلة الرحم والتكافل الإجتماعي بسبب تداخل الأشكال الدائرية والألوان في القطعة الواحدة منه. لذلك يُحرص على إهدائه للأهل والأقارب والأصدقاء والجيران وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، للتعبير عن تشابك أواصر القربة وتوطيدها فيما بينهم، وتعميق مفهوم التكافل الاجتماعي فيما بين مختلف الفئات الاجتماعية.



•أصل "المشبك"

تعددت الروايات وإختلفت عن تاريخ حلوى "المشبك" وأصولها، حتى أن البعض ذهب إلى أن أصلها هندي، لأنه يوجد في الهند صنف من حلوى يسمى "جليبي" شبيه إلى حد كبير "بالمشبك".

لكن المرجح أن هذا النوع من الحلوى هو من أصول تركية، إشتهرت إبان حكم العثمانيين، حيث ترجع أصول "المشبك" التي تحتلف تسميتها من بلد لبلد، فتسمى في عدد من البلدان بال "الزلابية" أو"القريوش" أو "الشباكية" إلى العثمانيين، الذين أدخلوا صناعتها إلى بلادنا أثناء فترة خلافتهم.

وتسمى هذه الحلوى في تركيا حالياً باسم “الحلقة”، كونها تأخذ هذا الشكل. وتشتهر (Halka) في جميع المدن التركية، حيث تباع في الشوارع والأرصفة، وتعتبر من الحلويات الشعبية المشهورة في تركيا.

أما تسميتها تسميتها في بلادنا ب "المشبك"، نسبة لشكلها، حيث أنها تشتبك ببعضها البعض بأشكال الدائرية.


•التوأمة بين "المشبك" و"الزلابية":

نشير إلى أن حلوى "المشبك" هي نفسها حلوى "الزلابية" المشهورة في الدول المغاربية، إذ ثمة تنافس بين "الزلابية"التونسية و"الزلابية" الجزائرية التي تسمى "الزلابية" بوفاريك، وتسمى كذلك نسبة إلى مدينة بوفاريك.

أما عن أصل تسمية "الزلابية" فتختلف الروايات. فمنهم من يقول أن أحد التجار أمر طباخه بطهي الحلوى فلم يكن في المطبخ إلا الزيت والدقيق فوضعها في المقلاة، وعندما رآى الحلوى المصنعة غريبة الشكل قال: "ذلاَّ بيَّا"، أي أخطأت وإنسحب ما قاله إسماً لهذا الصنف من الحلوى وبقيت تعرف به.

وهنالك رواية تقول أن عبداً إسمه "زرياب" تجرأ بعفوية في الوصول إلى بلاط الخليفة هارون الرشيد، وفتنه بموهبته الموسيقية، حيث شعر أحد أفراد الحاشية فهدده بالقتل، ليهرب بعدها زرياب إلى الأندلس فنسج مسار فنها، فآبتسم له الحظ، وأنساه ماضيه، وأصبح إضافة إلى كونه موسيقياً مصمماً للأزياء ومبتكراً لقائمة طويلة من الحلويات التي تُوصف اليوم بالحلويات الشرقية وعلى رأسها "الزلابية" التي سُميت في البداية الزريابية على إسمه.

وقد وصف الشاعر إبن الرومي الذي يقلي الزلابية، فقال فيه:

رأيته سَخَراً يقلي زلابيةً

في رقة القِشْرِ والتجويفِ كالقصبِ

يلقي العجينَ لجيناً من أنامله

فيستحيل شبابياً من الذهبِ

***

في زماننا، بات الإحتفال بليلة النصف من شعبان دينياً وإجتماعياً، تقليداً متعدد الجوانب والمنافع الحسنة توارثته الأجيال عبر السنين، حتى بات من المظاهر المحببة والمألوفة التي إرتبطت بالمناسبات التي ينتظرها المسلمون إستعداداً لاستقبال الشهر المبارك.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 نيسان 2020 10:49