9 نيسان 2020 | 19:21

منوعات

"كورونا" تعيد الإعتبار لدكان زمان (٢)

زياد سامي عيتاني*

"صحيح الدكان صغير، بس القلب كبير"؛ إذ أن الدكان رغم صغر حجمه، كان يضج بالسلع والبضائع "أشكال ألوان"، "على مد عينك والنظر"، فيه "ما هبّ ودبّ"...

بهذه التعابير المصطلحية المستمدة من القاموس الشعبي يمكن أن نصور ما كان عليه الدكان أو محل البقالة، "كوحدة" إجتماعية، دورة الحياة فيها كاملة، حتى غدت تلك الدكان البسيطة والمتواضعة عنصراً يضاف إلى باقي العناصر القديمة التي كانت تتكون منها "المحلة" (المنطقة) كالمقهى الشعبي واللحام والفوال والنجار والسنكري والكندرجي والمنجد والمجلخ، و باعة الخضار المتجولين الذين كانوا ينادون على بضاعتهم بأصواتهم الجهورة، قبل أن تستخدم مكبرات الصوت، من دون إلغاء الوظيفة الإقتصادية المركزية والعامة لوسط بيروت التجاري (البلد) كسوق عام، وتحديداً أسواق "النورية" و"اللحامين" و"السمك" و"أبو النصر" و"درج خان البيض"...



• "الآرمة المعدنية":

أول ما كان يلفت الإنتباه عند النظر على الدكان "الآرمة" المعدنية أي اليافطة في أعلى واجهته، التي لم يوفرها الصدأ من جراء قدمها، وكانت غالباً تقدمة من إحدى كبرى الشركات التجارية، كنوع من إعلان لها، لا سيما شركات المشروبات الغازية والسجائر، وكانت يكتب عليها تخطيطاً "بالبويا" إسم صاحب الدكان ورقم هاتفه والأصناف التي يبيعها. وقتها لم تكن قد درجت "الآرمات" المضاءة، وإن توفرت، فإن لا قدرة لصحاحب الدكان من تركيبها، بسبب كلفتها الباهظة بالمقارنة مع موازنة دكانه.

• الباب الخشبي والساقوطة":

وكانت أغلب الدكاكين القديمة أبوابها عبارة عن "درفتين" خشبيتين لهما "ساقوطة" حديدية يوضع فيها قفل كبير. وعند فتح البابين أول ما يظهر أمام الناظر "أقراط" الموز البلدي "أبو نقطة" المعلقة على سقف مدخل الدكان بواسطة خيط "المصيص" لتتدلى منه لشد الإنتباه إليها.

• بسطة الخضار والفاكهة الرصيفية:

وبعد أن يفتح الدكنجي الباب، يبدأ بتوضيب بسطة الخضار والفاكهة، التي تتوزع ما بين محله وجزء من الرصيف، والتي كانت تعرض في "السحاحير" (الصناديق) الخشبية، قبل أن تستبدل في زماننا بالبلاستيكية منها، وذلك بعد أن يكون قد أخضرها بنفسه مع ساعات الفجر الأولى من سوق الجملة التي كان يعرف "بسوق المعلمين" أو "سوق الأرجنتين" (نسبة لإسم ذالك الشارع في وسط بيروت التجاري (البلد). وكانت توضب "بسطة" الخضار بشكل منسق، فتبدو كلوحة فنية مرسومة بحبات الخضار والفاكهة الطازجة التي "تشق القلب"، والتي هي أشبه بمهرجان من الألوان الزاهية.



• البراد ذات الواجهة الزجاجية:

أما البراد الأبيض العريض ذات الواجه الزجاجية، إذ كان بإمكان الزبون مشاهدة ما هو معروض في داخله، حجمه يتفاوت بين دكان ودكان، بحسب حجمه، أما سبب وضعه في منتصف الدكان لأن باببيه المخصصان لوضع وإخراج المواد الغذائية التي تحتاج للتبريد، كان من الخلف، وليس من الجهة الأمامية كما هي عليه البرادات الحديثة، لذا كان يتم وضعه في منتصف الدكان، تسهيلاً لفتح وإقفال البابين. وفي داخلها كانت توضع "تنك" الجبنة الحلوم والعكاوي والبلغاري والبلدية، والسمن البلدي والزبدة "الفلت"، وقوالب الحلاوة و"القشقوان"واللبن في "القدر" الفخارية، وأكياس اللبنة، كما كانت تصف "قناني الكازوز" الزجاجية التي كانت ترد ذات "الطبة"، لا سيما منها ما كان على نكهة التمر الهندي والليموناضة، والفائض منها و"الفراغة" كانت "تستف" صناديقه الخشبية فوق بعضها في إحدى زوايا المحل.

• الحبوب والبهارات في أكياس "الخيش" أو البراميل الخشبية:

كان يخصص في الدكان ركناً مخصصاً لعرض الحبوب والبقوليات من أرز وبرغل وفول وحمص وعدس والفصوليا، إضافة إلى البهارات على أنواعها، فضلاً عن السكر والملح والنشاء والطحين والسميد، وكانت توضع في أكياس من "الخيش"، مصفوفة إلى جانب بعضها، أو في براميل خشيبة تقوى دوائرها السفلية والعلوية بالحديد للتثبيت، التي تستخدم أيضاً لوضع الزيتون فيها، حيث أنه في ذلك الزمان كانت جميع هذه المواد تباع بالوزن حسب رغبة الشاري، قبل أن تدرج عادة بيعها جاهزة في أكياس النايلون. وفوقها كان يستدل من السقف "شناشيل" الملوخية والبامية الناشفة.



• الرفوف:

أما الرفوف الخشبية التي تحيط كل جوانب الدكان، فإن كل قسم منها مخصص لصنف معين من المواد الإستهلاكية، والموزعة وفقاً للخارطة التي يرسمها "الدكنجي" في فكره، فعليها تعرض مختلف البضائع من الصابون البلدي والبرش والصابون الحلو المصنوع من الغار وزيت الزيتون، وحبات "النيل" الأزرق (لتبييض الغسيل)،والمكانس والمقشات والمماسح والليف والإسفنج وملاقط الغسيل، ومعجون الأسنان والحلاقة والشفرات وزجاجات العطر، والدخان والكبريت والشمع، وعلب الشاي والزهورات والمليسة، و"كراتين" البيض، والمعكرونة والشعيرية وراحة الحلقوم، والطحينة... واللائحة تطول بما يخطر على بالك من حاجيات وسلع غذائية بأدق تفاصيلها، حتى الأطفال الذين يريدون أن "يتشبرقوا" لهم ما يشتهون من شوكولاتة وبسكوت وسكاكر ومعلل ونعومة وملبس على قضامة، كلها توضع في "مراطبين" زجاجية شفافة لتجعل الأطفال يشتهونها لصرف "خرجيتهم" التي هي عبارة عن بضعة قروش على شرائها...



**

سرقتنا الحداثة وسرقنا زمن السرعة، وإندثرت تلك الدكاكين بدفئها وحنانها، وإستبدلانها بالخازن الكبرى!!!

-يتبع: الدكنجي مختار وكاتم أسرار.

__

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي- عضو جمعية تراث بيروت.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

9 نيسان 2020 19:21