27 نيسان 2020 | 17:58

أخبار لبنان

مسجدي والكورونا

مسجدي والكورونا

المصدر: القاضي الشيخ خلدون عريمط- نداء الوطن

شعرت بأن الزمن توقف... ولم يساورني الخوف

عشت تجربة الكورونا في بيروت مع بداية التعبئة العامة إثر ورود نبأ الإصابات في بعض المناطق وخاصة مع الوافدين والقادمين من إيران أم محور الممانعة والمقاولة، تفرّغت خلالها في الحجر المنزلي للجلوس مع الاسرة واحتضانها ورعايتها، وإحضار كل أنواع التعقيم والوقاية من كمامات وكفوف عازلة لجميع أفراد الاسرة، وتنظيم أوقات الطعام.

شعرت بأن الزمن بدأ بالتوقف، وأن ضوضاء المدينة انتهت، وان السيارات والمركبات هجرت الشوارع، وما هي الا أيام معدودات، حتى بدأ التلوث صديق وباء (الكورونا) بالانقشاع عن العاصمة، فخيّم السكون والهدوء على الاحياء. لم تعد المدينة تشهد صخباً او لقاءات او ندوات، فكل المرافق الرسمية والخاصة أصبحت مغلقة. كانت فرصة اعادتني الى زمن الدراسة الجامعية للتفرغ للقراءة والكتابة. والخوف في عيون الناس دعاني ودعا غيري لمزيد من التقرب الى الله بالصلاة والدعاء والصوم، حرمت خلالها من صلاة الجمعة والجماعة، فصلاة الجمعة أسبوعياً كنا نصليها برفقة مفتي الجمهورية والعلماء، متنقلين أسبوعياً بين مساجد بيروت نلتقي مع المصلين ومع الناس الطيبين، على أثر كل خطبة وصلاة جمعة في هذا المسجد او ذاك.

الحجر المنزلي الذي التزم به مفتي الجمهورية والتزمنا به، حرمنا من هذه المتعة الروحانية التي كنا نعيشها في رحاب المساجد، وبين المصلين مع كل صلاة جمعة وعلى أثر كل صلاة جماعة في المسجد المجاور لمنزلي في رأس بيروت، لم أعد استطيع ان التقي الإخوة العلماء، ولا الناس الطيبين المؤمنين سواء هنا في بيروت، او في بلدتي في سهل عكار، فيما الواجب الشرعي يقتضي ان استمع الى حاجاتهم ومشاكلهم، وأن نعمل على قضاء هذه الحاجات ما استطعنا الى ذلك سبيلاً امتثالاً لقول رسولنا الكريم (احب الناس الى الله أنفعهم للناس).

باعتقادي ان وباء كورونا الذي عشنا تجربته المرّة هو عقوبة لنا معشر الناس يعيدنا الى ذواتنا، ويخرجنا من انانياتنا، الكل تساوى في الخوف وابتعد عن الأصدقاء وعن ساحات العمل، تساوى في ذلك الفقراء والاغنياء، الكبار والصغار، الدول الكبرى والصغرى، القوية والضعيفة، حتى ان احد رؤساء الحكومات اعترف بعجز الانسان عن مكافحة هذا الوباء وقال: "عملنا بقدر استطاعتنا وليس لنا الا رحمة السماء".

هذه التجربة المؤلمة والمنبّهة تركت أثراً كبيراً في نفسي لا يمكن ان يمحى، هجرت خلالها مكتبي، وابتعدت عن اهلي في بلدتي وعن كل الأصدقاء والاقارب في عاصمة الوطن، فكدت اشعر بأن العالم تغير، ودخلنا مرحلة جديدة من حياتنا لم نعهدها من قبل، حتى ان متصلين هاتفياً بي كانوا يسألون هل هي بداية النهاية للكون وقيام الساعة؟ وعودة سيدنا المسيح عليه السلام الى هذا الأرض؟ وكانت اجوبتي مطمئنة للخائفين والحائرين. حافظت على هدوئي ولم يساورني الخوف لحظة واحدة لإيماني المطلق بأن الاعمار والأرزاق بيد الله الذي هو ادرى بمصالح عباده المخلصين. لكن هذا الحجر المنزلي هو فترة استراحة للجلوس مع النفس يعود فيها الانسان الى ذاته الاصيلة، التي من اجلها خلقه الله.

فالانسان في هذه الحياة بحاجة الى صدمة هذا الوباء ليعود الى ذاته وأصالته وخلافته لله، وأدركت وأدرك غيري ان الانسان نبت من التراب وعاش على التراب ونهايته حتماً الى التراب، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام (كلكم من آدم وآدم من تراب).


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 نيسان 2020 17:58