12 أيار 2020 | 14:51

منوعات

تراث رمضان: للحلويات المنزلية مكانتها في السهرات

تراث رمضان: للحلويات المنزلية مكانتها في السهرات

زياد سامي عيتاني*

لا تقتصر حلويات رمضان على الأصناف التي تباع عند "الحلونجية" كما يسونهم "البيارتة"، أي صناع الحلوى الشرقية، بل تشمل أيضاً "التحلاية" التي تعدها السيدات في منازلهم، والتي لها نكهة خاصة لا يقل مذاقها اللذيذ والشهي من الحلويات الجاهزة.

وتحضر هذه الأنواع من الحلويات المنزلية بقوة في شهر رمضان المبارك، لما لها من ذكريات في وجدان من عاصر الزمن الذي كانت فيه الأمهات والجدات تعد هذه الأصناف التي ما زالت طعمتها تحت "أضراسهم"...

**



•الخشاف:

إعتاد الصائمون في ليالي رمضان على تناول وأكل المكسرات والفواكه المجففة كمسليات ترافقهم خلال سهراتهم بين الإفطار والسحور.

فالمكسرات والفاكهة المجففة هي نجوم غذائية تلألىء الأمسيات الرمضانية، وتسمى وتُعرف "بالياميش"، والتي هي ضيف دائم خلال الشهر الكريم، حيث ُيقبل الصائمون على شرائها سواء لصنع "الخشاف" أو الحلويات أو الأكلات التي تستخدم فيها أنواع الياميش، فضلاً عن تناول أصنافه مع إحتساء الشاي والقهوة العربية خلال تناول أطراف الحديث في سهراتهم العامرة .

ونظراً لأهمية "الياميس" درجت العادة في رمضان على إعداد صنف من الحلوى يُعرف بـ "الخشاف" حيث تُنقع الفاكهة المجففة والمكسرات في الماء المحلى بالسكر ويُضاف إليه الماء الزهر وعندما تطرى تصبح جاهزة للتقديم. وهناك من يستبدل الماء والسكر بشراب القمر الدين. ونظراً لأهمية مكوناته الغذائية، ذهب البعض إلى وصف الخشاف بصيدلية الفواكه المتكاملة.

ويقدم هذا المزيج بارداً، وهنالك ما يسميه سلطة الفواكه المجففة.

**



•السحلب:

السحلب شراب الشفاء لأمراض الشتاء"... بهذه العبارة كانوا في الماضي يعرفون شراب السحلب اللذيذ والمغذي الذي يحضر بقوة خلال شهر رمضان المبارك، سواء في الشتاء أو في الصيف على حد سواء، حيث يحرص الصائمون على تناوله خلال وجبة السحور لأنه ذات قيمة غذائية عالية، فضلاً عن كونه لطيف المذاق.

ويُعدّ السحلب من أشهر المشروبات الساخنة في شهر رمضان في كل من تركيا ومصر وسوريا ولبنان والخليج العربي، وهو مستخرج من نبات معمر طوله 60 سنتم، وله أوراق ضيقة غالباً ما تكون مرقطة بنقاط سود، وتعطي الساق أزهاراً بنفسجية اللون تعتبر الأجمل والأقدم بين الزهور. وتحتوي ساق هذا النبات جوزان من الدرنات الأرضية ذات لون أبيض وتحتوي على مواد صمغية وهلامية وبروتين ونشاء وزيت طيار، وهو الجزء المستعمل لتحضير مشروب السحلب.

وتنمو عشبة السحلب المعروفة بآسم (Salep) بشكل بري في إيران واليونان والأناضول وأفغانستان، ويعتبر السحلب الإيراني الأفخر في الأسواق العالمية.

ولشراب السحلب فوائد طبية فهو مضاد للإسهال ولوقف نزيف قرحة المعدة. وفي بريطانيا يستخدم لمرض السل. كما يُوصف أيضاً لحالات التسمم ونزلات البرد.

**



• المهلبية:

ومن الحلويات الرمضانية التي تجهز في البيوت "المهلبية" ذات المذاق الرائع والشهي، ويُطلق عليها البعض إسم "محلبية" نسبة إلى الحليب المصنوعة منه بدلاً من "مهلبية".

و"المهلبية" كانت تُعرف أساساً بـ"المحلاية" التي تُصنع بنفس طريقة "المهلبية"، لكن مع إضافة اللوز المبروش والمستكة خلال طهيها، إضافة إلى تزيينها بعد إتمامها بالمكسرات والزبيب والقشطة، لذلك فإن إعداد هذا الطبق كان يقتصر على العائلات المقتدرة مالياً. وعلى هذا الأساس إعتبرت في حينه "حلوى الأغنياء".

وكان إذا صادف زيارة أحد الفقراء رجل غني يأكل "المحلاية"، كان الأخير يقول لخادمه: "كش الفقراء"، فصار يُطلق على هذه الحلوى "كش الفقراء". وللتلطيف صارت تُلفظ "كشك الفقراء"، علماً أن مادة الكشك لا تدخل في مكونات هذا الطبق لا من قريب ولا من بيعد.

وإرضاءً للفئات غير الميسورة إستُحدثت حلوى شبيهة بـ"كشك الفقراء"، دون أن يُضاف إليها اللوز المبروش والمكسرات الفاخرة وسُميت بـ"المحلبية" التي تُلفظ في بعض البلدان بـ"المهلبية" كما أشرنا سابقاً.

**



•الأرز بالحليب:

يُعد طبق "الأرز بالحليب" واحداً من أشهى الحلوى الشرقية، فهو الطبق المحبب لدى كثيرين ممن يقبلون على تناوله بين الوجبات لمذاقه الحلو، إلى جانب إمكانية تناوله ساخناً وبارداً، ما يجعله دائم الوجود على المائدة.

يستمد الطبق الشهير اسمه من مكوناته الرئيسية: الأرز، والسكر، والحليب، والنشا حتى يجعل قوامه متماسكاً.

ظهر طبق "الأرز بالحليب" بوصفته الحالية لأول مرة في تركيا في القرن الخامس عشر الميلادي، في عهد الدولة العثمانية، وكان الأطباء الأتراك يصفونه كعلاج لمشكلات المعدة، ثم انتقل "الأرز بالحليب" إلى مصر، خلال الفترة نفسها تقريباً، ولكن لم يستخدمه المصريون كدواء مثلما كان يفعل الأتراك؛ بل قام المصريون بطهيه كنوع من الحلوى.

أما في أوروبا، فكانت تتم صناعة "الأرز بالحليب" في البداية كوجبة رئيسية وليست كحلوى، وذلك خلال القرن الرابع عشر، ولكن في القرن الخامس عشر تمت إضافة السكر إليه ليشبه في طعمه وطريقة طهيه "الأرز باللبن" المشهور في عالمنا العربي حالياً.

**



• العوامات:

"اللقيمات"، "لقمة القاضي"، "العوامة"، "كرات الذهب"، تسميات متعددة لحلوى واحدة تمتاز بمذاقها الرائع، وسهلة الصنع وكثيراً ما يشتهي الصائمون تناولها خلال شهر الصيام. وهي على شكل كرات من عجينة هشة خاصة تقلى بالزيت وتغمس بالقطر. وتذوب بالفم.

وتجمع "لقمة القاضي" ما بين المطبخ العربي والمطبخ الغربي، فقد يظن البعض أنها عربية الأصل، في حين أنها تعود للشعب اليوناني الذي يطلق عليها "لوكوماديس"، وتحظى بشعبية كبيرة لديه، إذ إعتاد اليونانيون تناولها مع الإيس كريم بطعمة المستكة أو القرفة.

وأول ما ظهرت "العوامة" في البلاد العربية كان ذلك في الإسكندرية لآختلاط المحليين باليونايين لحقبة زمنية طويلة، وهو ما أكسبها سمة الحلوى الشعبية التي تُباع في الطرقات، وكان أشهر من يتفنن في صنعها محل صغير في شارع البوسطة في الإسكندرية إسمه "تورنازاكي".

وعن تسميتها بـ"لقمة القاضي" فمرد ذلك أنها كانت الحلوى المفضلة عند القضاة في زمن الدولة الإسلامية التي كانت لهم مكانتهم المرموقة.

وإسم "اللقيمات" فنظراً إلى صغر حجمها وإمكانية تناولها بلقمة واحدة دون عناء.

أما إسم العوامة فإن ذلك يعود إلى أن عجينها يقلى في الزيت وتبقى خلال عملية القلي عائمة على سطح المقلى.

**

وبعد جولتنا على أصناف الحلويات الرمضانية الشهية عن طريق التعرف على أصلها وطريقة تصنيعها، أكيد الكثير منكم يستعد لتناول ما تيسر منها بشغف ولذة بعدما فتحت شهيته عليها. وبإنتظار تتذوقوها، نقول لكم صياماً مقبولاً وإفطاراً شهياً...

-يتبع: للأولاد طقوسهم وأهازيجهم الرمضانية.

*زياد إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

12 أيار 2020 14:51