13 أيار 2020 | 12:32

منوعات

تراث رمضان: للأولاد طقوسهم وأهازيجهم!


زياد سامي عيتاني*

لشهر رمضان وقعه الخاص عند الصغار الذين يحتفلون به على طريقتهم الخاصة تعبيراً عن إنسجامهم مع الجو الرمضاني العام الذي يكون مخيماً على مختلف أوجه الحياة اليومية طيلة شهر بأكمله. فعلى الرغم من مشقة الصوم ، كان الصغار يحرصون على أن يصوموا، غير مكترثين لأي جوع أو عطش، وكأنهم يريدون التعبير عن أهليتهم للقيام بواجباتهم الدينية وقدرتهم على تحمل الصيام، وبالتالي مشاركتهم لأهاليهم فرحة رمضان.

*



•المدارس كانت تهيئ الأولاد لرمضان:

وكانت في الماضي بعض المدارس الإسلامية تهيىء الأولاد لرمضان من طريق تنظيم رحلات لهم إلى المتنزهات بصحبة مرشديهم لتمضية "سيبانة رمضان" بهدف تهيئتهم نفسياً ومعنوياً لشهر الصوم، لا سيما الأولاد من الأعمار التي يجب عليهم شرعاً التزام فريضة الصوم.

**



الليمون والكبش قرنفل للإعانة على الصوم:

ومن العادات التي إعتادها الأولاد لتساعدهم على الصوم إحضار برتقالة أو ليمونة حامض وشكها "بكبش القرنفل" بأشكال فنية جميلة وإستنشاقها طيلة الوقت لأن البرتقالة أو ليمونة الحامض المشكوكة "بكبش القرنفل" تعطي نكهة عطرية جميلة تنعش نفوس الأولاد . وإختيار هذه العادة المتوارثة من الآباء والأجداد لم تكن وليدة الصدفة بل أن إختيارهم لها تم بعناية وإدراك لأن "الكبش القرنفل" كثير المنافع وينشط الدماغ والذهن والصوت ويطيب النكهة ويقوي الصدر والمعدة ويزيل الوحشة والوسواس ويمنع الأعياء.

ولنفس الغرض كانت بعض الأمهات تزود أولادها بكيس صغير من قماش "الكتان" بعد أن تملأه بزهور "اللافندر" الجافة، أيضاً للإستنشاق بهدف منح الأولاد الشعور بالإنتعاش والترطيب.

**



•الأولاد يسخرون من زملائهم المفطرين:

كذلك من عادات الأولاد في رمضان ومن باب التباهي بصومهم والتفاخر بذلك أمام زملائهم المفطرين ، وأنهم عند خروجهم الى ملعب المدرسة خلال فرصة الساعة العاشرة ، طلب كل واحد من زملائه إخراج ألسنتهم لمعرفة المفطرين منهم. فالصائم يبيضّ لون لسانه، أما المفطر فيبقى على إحمراره . وعند إكتشاف مفطر بينهم يطلقون عليه أهازيجهم كأن يقولوا له: " يا فاطر هلق بالسقف معلق" ، أما الصائم فكانوا يغنون له: "يا صايم عشية بتمك كبة مقلية ويا صايم شو مخبالك؟ مخبالك دجاجة محشية وبالسمن مقلية".

وهذا النوع من الأهازيج شائع بين الأولاد في أكثر الدول العربية، ففي سوريا يردد الأولاد عند مشاهدة المفطر "مفطر يا مالك، ياما مخبالك، مخبالك أبو زعزوعة، يلفك بالقبوعة. أما في الجزائر فيقولون: يا وكّال رمضان ، يا خاسر دينو ، وكلب أسود يقطع مصارينو.

**



•كثرة السؤال عن وقت المدفع:

وبعد الإنصراف الأولاد من المدارس وعودتهم إلى المنازل، كانوا يقضون وقتهم إما بمساعدة أمهاتهم بتحضير الطعام ، أو النزول إلى الساحات في إنتظار سماع صوت المدفع وآذان المغرب. دون أن ينسوا من كثرة طرح أسئلة الإستفهام عن موعد الإفطار وكم من الوقت يبقى لإطلاق المدفع وعن نوعية الطعام الذي تحضره أمهاتهم للإفطار.

**



•أهازيج الأولاد الرمضانية:

يفيدنا المؤرخ المحامي عبد اللطيف فاخوري أنه من العادات القديمة أن الأهل كانوا يستخدمون الموسيقى للتخفيف عن أولادهم الصائمين، فبيروت عرفت العديد من الفرق الموسيقية التي كانت تعزف موسيقاها خلال الوقت الذي يفصل موعد الإفطار.

ففي محلة البسطة كانت هنالك فرقتان الأولى تأخذ مكاناً لها في جوار المخفر والثانية مقابلها. وهما "جوقة العجوز" و "جوقة الأفراح"، فتعزف كل جوقة ما شاءت من الألحان والأناشيد، ومع قرب غروب الشمس كانت تنتهي الجوقتان ألحانهما ، وكان الأولاد المجتمعين حولهما يرددون:

قوموا روحوا ، قوموا روحوا

ما كنتوا تقوموا تروحوا

لزقتو متل التمرية

من عابكره لعشية

وكان الأولاد يطلقون مثل هذه الأهازيج في إشارة إلى أن رحيل الفرقتين يعني قرب موعد الإفطار.

بعدها يجتمع الأطفال في الساحات بالقرب من المساجد فإذا ما سمعوا الآذان أو صوت المدفع أو شاهدوا إرتفاع علم سارية الآذن إيذاناً بموعد الإفطار، هرعوا إلى أهاليهم صائحين:

"افطروا افطروا "، فكانوا يضفون أجواء من البهجة على نفوس أهلهم.

يشار إلى أن مثل هذه العادات موجودة عند غالبية الدول العربية ، فمثلاً الأولاد الكويتيون كانوا يتراكضون بإتجاه المؤذن لحثه على الإسراع في رفع آذان المغرب منشدين:

يا مؤذن أسرع أذّن أسرع أذّن

ترى الصيام ياعوا ياعوا (جاعوا)

ترى الفطار شبعوا شبعوا

أذّن يا عيسى حطوا الهريسة

أذّن يا اسماعيل حطوا المواعين

أما في السعودية وإذا ما حان وقت الغروب قام الأطفال بجمع ما يحصلون عليه من المأكولات الرمضانية الشعبية في صحن واحد وهم ينتظرون الأذان ويرددون مداعبين المؤذن

مال المؤذن .. ما يأذن

مال الموذن .. حنَّا يبغى فتيتة حنَّا

مال المؤذن دَنَّا

يبغى لُبَّة عيش وخميرة

مال الموذن دنا

هب له زبادي وفتيتة

**



•تدريب الصغار على الصوم:

رمضان هو الشهر الذي يجمع الكبار والصغار في فرحة تتناسَب مع أجواء الشهر الكريم، وتتضاعف هذه الفرحة عندما يتشارك الكبار والصغار صومَ أيام الشهر المبارك، وتَحرص كلُّ أمٍّ على تدريب أطفالها على صوم أيام هذا الشهر الكريم، من خلال تعويدهم تدريجيًّا على الصيام، وترغيبهم فيه، حتى يستطيعوا صوم الشهر كاملاً عندما يبلغون سنَّ التكليف.

فقد جرت العادة في الماضي على أن يتعوَّد الطفل على الصيام تدريجيًّا على طريقة "درجات المئذنة"، كما لو كان يصعد "المئذنة" درجة درجةً، وعندما يتمكَّن الطفل من صيام يومٍ كامل، تُقيم له العائلة ما يُطلق عليه "فطورية"، وهي عبارة عن شراء العائلة لكلِّ ما يُفضِّل الصغير من حلويات، ويَذهبون قبل الإفطار إلى أسرة الطفل، وتُقدم له الحلوى، وعند الإفطار يقام له احتفالٌ صغيرٌ.

لذلك، كان يطلب من الأطفال أن يصوموا اليوم الأول من رمضان ونصفه وآخره حتى يعتادوا فيما بعد على الصوم الشهر بأكمله. وغالبا ما كان الصغار يدّعون إلتزامهم الصوم تلك الأيام أمام أهلهم وزملائهم، إلا أنه في الخفا يتناولون ما استطاعوا من أكل وماء ليساعدوا أنفسهم على الصمود حتى موعد الإفطار.

ومن العادات التي اشتَهر بها الأهل في شهر رمضان عادة الاحتفال بالصوم الأوَّل للأطفال في يوم من أيام رمضان، ولا سيَّما في السابع والعشرين منه.

في سياق الحديث عن صوم الأولاد لا بد من الإشارة إلى واقعة حصلت قديماً، فقد روي بأنه جيء برجل سكران في شهر رمضان إلى أحد الخلفاء فأمر بجلده ثمانين جلدة لشربه الخمر وعشرين جلدة بعدها. فسأله: ما هذه العلاوة يا أمير المؤمنين؟ فقال الخليفة: لإفطارك في شهر رمضان وأولادنا صيام. فقد أدرك الخليفة ما يلاقيه الأولاد من ألم الصيام والجوع وإزدياد ألمهم عند مشاهدتهم المفطرين.

**



رمضان هو الشهر الذي يجمع الكبار والصغار في فرحة تتناسَب مع أجواء الشهر الكريم، وتتضاعف هذه الفرحة عندما يتشارك الصغار مع أهتليهم صومَ أيام الشهر المبارك، فيتحلون حول مائدة الإفطار وكأنهم النجوم التي تزينها.

-يتبع: مشروبات رمضان:

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

13 أيار 2020 12:32