11 حزيران 2020 | 18:31

ثقافة

تلفزيون لبنان الذاكرة الذهبية لزمن الأسود والأبيض...(٢)

تلفزيون لبنان الذاكرة الذهبية لزمن الأسود والأبيض...(٢)


زياد سامي عيتاني*

كان "بلاتو" تلفزيون لبنان مساحة لإكتشاف مواهب الفنانين من ممثلين ومغنين وإبداعاتهم، ونحهم فرص الإنطلاق والنجاح، والمساهة في تثبيت شخصيتهم الفنية، حتى غدوا نجوماً، لينطلقوا من بوّابة تلفزيون لبنان نجوماً نحو العالم العربيّ.

فسجلات تلفزيون لبنان ما زالت حتى يومنا هذا تحتفظ بأسماء:أديب وسلوى حداد، محمد شامل، حسن علاء الدين، صلاح طيزاني، أنطوان كرباج، عبد المجيد مجذوب، نبيه أبو الحسن، محمود سعيد، إبراهيم مرعشلي، سمير شمص، وحيد جلال، جهاد الأطرش، وفاء طربيه، ميشال تابت، جوزيف نانو، ايلي صنيفر، ماجد افيوني، محمد الكبي، آمال عفيش، ناديا حمدي، فريال كريم، جورجيت النابلسي، عبد الكريم عمر، ابراهيم مرعشلي، هند طاهر، إحسان صادق، سميرة بارودي، أماليا ألي صالح، ليلى كرم، علياء نمري، زكريا عرداتي، عماد فريد، الياس رزق، فيليب عقيقي، وجوزف جبرائيل، هند الي اللمع، سليمان الباشا، أحمد الزين، فؤاد شرف الدين، جورج شلهوب، مارسيل مارينا، يوسف فخري... ومئات النجوم غيرهم، الذين أعطوا ما عندهم من مجهود عطائهم الفني بصدق وأمانة، فأبدعوا وحلقوا وسطعوا نجوماً كباراً، أضاءت سهراتنا...

**




•شخصيات فنية تتحول قدوة:

نعم، في ذلك الزمان غير البعيد كان قدوتَنا ومثلَنا الأعلى أبطالٌ دراميون في مسلسلات تلفزيون لبنان، بعضهم شخصيات حقيقية، وقامات باسقة في تاريخنا وحياتنا وثقافتنا، وبعضهم الآخر من نسج خيال المؤلفين، وكلاهما يُجسد معنى وقيمة؛ بحيث يمكن اعتبارهم شخصيات مثقلة بالمضامين والدلالات...

فمن ينسى؟ "أبو ملحم" ذلك الشيخ الجليل مقدماً قصة مشوّقة في قالب إجتماعي يحاكي واقع تلك الأيام، الذي تحول الى شخصية نمطية لا تزال تستخدم للدلالة على أسلوب الوعظ والمثالية في الحياة. وكذلك "أبو سليم" وفرقته التي رسمت البسمة على وجه المشاهد في أعمال عديدة ومديدة. وأيضاً وأيضاً مختار "الدنيا هيك" الأديب والمربي والكاتب والفنان محمد شامل، مبتكر الشخصيات الفنية المستمدة من الواقع الشعبي البيروت، إكتسحت المجتمع اللبناني وتركت تأثيرا قلما عرفه أي برنامج آخر. وليس إنتهاءاً بالمميز الراحل "شوشو"، الذي ترك في رصيد التلفزيون كماً وافراً من الأعمال، وفي ذاكرة اللبنانيين ضحة ممزوجة بالأسى...

**





•برامج محفورة في الذاكرة:

المحطات المضيئة في تاريخ تلفزيون لبنان المحفورة في ذاكرة اللبنانيين الفنية والثقافية والأدبية كثيرة كثيرة، فمن يسعه أن ينسى أعمالاً مميزة ورائدة من مستوى: "التائة"، "سر الغريب"، "مياسة"، "آثار على الرمال، "ربيع"، "حتى نلتقي"، "تمارا"، "رصيف الباريزيانا"، "أبو بليق"، "بربر آغا"، "المشوار الطويل" الذي جمع الفنان المصري الكبير الراحل محمود المليجي مع الفنان المسرحي المميز "شوشو" في أول دور غير كوميدي يؤديه "شوشو" بإتقان منقطع النظير، فبكى خلاله حتى أبكى!!!

**



•ثنائيات فنية راسخة:

وقد تميّز تلفزيون لبنان بإطلاق ثنائيات فنية برعت وأبدعت، وتمكنت من أن يقتدى بها لعشاق تلك الأيام، ومما لا شك فيه أن أشهرها على الإطلاق، ثنائي الأميرة الفاتنة هند أبي اللمع وفتى الشاشة اللبنانية الوسيم في حينه عبد المجيد مجذوب، اللذان جمعتهما عدة أعمال، كانت الأكثر رواجاً وقتها، من أبرزها: "حول غرفتي"، و"آلو حياتي" (وقد باتت هذه الكلمة تتردد على ألسنة العشاق عند تبادل أي مخابرة هاتفية)، و"لا تقولي وداعاً"، و"عازف الليل"، وقد حملت هذه الأعمال توقيع زوجها المخرج الراحل أنطوان ريمي. وتجدر الإشارة أن هند قد حققت نجاحاً في أعمال أخرى إلى جانب محمود سعيد في "السراب" وأنطوان كرباج في "ديالا"، وآخر من وقف أمامها كان إحسان صادق في "هنادي".




كما تكررت البطولة الثنائية بين الزوجين إلسي فرنيني وجورج شلهوب في أكثر من عمل منها: "مذكرات ممرضة"، و"رحلة العمر، و"الصمت"، كما شاركت فرنيني أكرم الأحمر بطولة "ميليا"، علماً بأن هذا الأخير كان قد شكلّ ثنائياً متناغماً مع آمال عفيش فأطلا معاً في أكثر من عمل منها "حكايتي" و"سحر".






كما تعلّقت قلوب المشاهدين بمحمود سعيد وسميرة توفيق في المسلسل البدوي "فارس ونجود" واحبوا كثيراً جاد الثنائي سمير شمص ونهى الخطيب سعادة في أحد أروع إنتاجات الدراما اللبنانية "النهر" للمخرج إيلي سعادة.



**

•روايات عالمية وأعمال تاريخية:

ومن الروايات العالمية التي تحولها تلفزيون لبنان إلى عمل درامي "البؤساء" للأديب الفرنسي فيكتور هوغو وقد جسّد أدوار البطولة ببراعة متناهية كل من أنطوان كرباج وإيلي ضاهر ومارسيل مارينا وأحمد الزين.

كما أن تلفزيون لبنان أعطى حيزاً للمسلسلات التاريخية في إنتاجه الدرامي، فأبدع عبد المجيد مجذوب في أداء دور "المتنبي" ومحمود سعيد في دور "أبو فراس الحمداني".

وكان للأعمال البوليسية التشويقية نصيبها أيضاً، فمما لا شك فيه، أن رائعة أغاتا كريستي التي نقلها إلى التلفزيون الكبيران أنطوان ولطيفة ملتقى وحملت عنوان "عشرة عبيد زغار"، كانت من أهم إنتاجات تلفزيون لبنان في حينه...

**

•كتاب ومخرون مبدعون:

في سياق الحديث عن الإنتاج المحلي الذي إستقطب وصنع نجوماً كباراً، أصبحوا رواداً في عالم المرئي، من أن نذكر بكثير من التقدير والإمتنان أصحاب الفضل الكبير في الصناعة التلفزيونية اللبنانية والعربية التي كان رائدها تلفزيون لبنان، وهم كبار المخرجين والكتاب المبدعين، أصحاب الأيادي البيضاء الذين يعود لهم الفضل في إنتاج الأعمال النوعية، وفي مقدمهم الكتاب: محمد شامل، وجيه رضوان، مروان العبد، أنطوان غندور، أديب حداد، أحمد العشي، شكري أنيس فاخوري. أما المخرين الذين ترجموا السيناريوهات إلى أعمال درامية وبرامجية: أنطوان ريمي، منير أبو دبس، يعقوب الشدراوي، ريمون جبارة، ألبير كيلو، إيلي سعادة، نقولا أبو سمح، جان فيّاض، باسم نصر، سيمون أسمر، إبراهيم قعوار، وكثير غيرهم من خيرة الكتاب والمخرجين...

**



•إعلاناته جزءاً من قاموسنا الشعبي:

حتى إعلاناته كان لها نكهة خاصة، التي غالباً ما تكون مقرونة بأغنية من تأليف وتلحين وغناء كبار الفنانين، ما زالت عالقة في أذهاننا حتى اليوم، ونرددها بشكل لا شعوري بين الفينة والأخرى، ونستخدم عباراتها وجملها، وكأنها باتت جزاءاً من قاموسنا الشعبي ولغتنا المحكية.

فمنذ ستينيات القرن الماضي حتّى اليوم، بقيت تلك الإعلانات اللبنانية التي كانت تُبثّ على تلفزيون لبنان، في أذهان اللبنانيين. من لا يتذكّر إعلان مسحوق "يس" ؟ والجملة المشهورة فيه التي يرددها أبو فؤاد "يس١/٣"؟ أو إعلان "نيدو" وأغنيته التي تناقلت عبر الأجيال؟ أو أغنية "إعلان "تاترا“؟ أو إعلان البطارية Rayovak"؟ وكم مرة سألنا بعضنا “شو بطاريتك؟” وإعلان جبنة "كيري" وجبنة "بيكون"؟ و غيرها...

**

مرت السنون ال ٦١ بسرعة على تلفزيون لبنان.. تحامل عليه الزمن دون رحمة(!) بات على هامش المحطات اللبنانية، التي نشأت على أمجاده، لتشن عليه بواسطة مراجعها ومموليها حرباً شعواء، وتحاصره من كل الجهات، لتتفشى الأمية في زمن الفضائيات المتوحشة، متسببة بتراجع مخيف للثقافة واللغة الصحيحة والفن الراقي، على حساب الفن الإستهلاكي الهابط والبرامج الساقطة، بعدما حل "البوتوكس" وعمليات التجميل والأجساد العارية مكان الإبداع والعطاء، حتى أصبنا بحالة مزمنة من فقدان ذاكرتنا الثقافية والفنية الوطنية!!!

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 حزيران 2020 18:31