28 حزيران 2020 | 09:23

أخبار لبنان

قانون الحسين بمواجهة قانون قيصر

قانون الحسين بمواجهة قانون قيصر

‏"نواجه قانون قيصر الأميركي بالضّغط على لبنان وسوريا بقانون الحسين: هيهات منّا الذّلة...".‏

هذا ما كتبه قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح من حوالي ثلاثة أسابيع، عندما أعلنت ‏الولايات المتحدة بدء تطبيق "قانون قيصر" بحق نظام الأسد وداعميه.‏

كلمات لم يُكتب لها عمرٌ طويل. فكاتبها، أي مازح، سرعان ما حذف منشوره الفايسبوكيّ. لا بل ‏وأغلق حسابه الخاص على التطبيق المذكور.‏

اليوم، يعود مازح "ليمازح" الولايات المتحدة مجدداً. ولكن هذه المرّة من باب القضاء اللبناني، ‏بحيث استغل موقعه ليصدر قراراً قضائياً هو بمثابة حكمٍ عُرفي مبنيّ على أهوائه وعواطفه ‏الشخصيّة من جهة، وعلى ميوله والتزاماته السياسية من جهة أخرى.‏

‏"السفيرة الأميركية تناولت في حديثها أثناء المقابلة أحد الأحزاب اللبنانية الذي له تمثيل نيابي في ‏مجلس النواب اللبناني وتمثيل وزاري في الحكومة اللبنانية وله قاعدة شعبية لا يُستهان بها في ‏لبنان".‏

على هذه الشاكلة جاء قرار مازح القضائي الذي يمنع السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا ‏من التصريحات الإعلامية، كما ويمنع أي وسيلة إعلامية لبنانية من أخذ تصريح لها في هذا ‏الإطار. وذلك "عقوبة" تعرّضها إلى الحزب الحاكم.‏

فات القاضي "المتمرّس" أن السفيرة الأميركية أدلت بتصريحها من داخل السفارة الأميركية، ‏وهي بقعة جغرافية – بحسب القانون – تخضع إلى الحماية والحصانة الديبلوماسية. لكن لا عتبَ ‏على مَن دخل السلك القضائي من باب الولاءات والمحسوبيات والمحاصصات السياسية-الطائفية.‏

بقراره هذا، تجاوز مازح الدستور. حلّ وزارة الخارجية. وألغى وزارة العدل. والأخطر أنّه قدّم ‏حجّةً مقنعة ودليلاً دامغاً على ضرورة تنحّي كل من وزير الخارجية ووزيرة العدل، ومعهما ‏رئيس الوزراء.‏

بقراره هذا، اختصر مازح - بشخصه الكريم - السياسة العليا للحكومة النائمة ووزرائها ‏الصامتين. يبدو أن ناصيف حتّي اكتفى بنشاطه الإداري الذي يقتصر على تنظيم رحلات جوية ‏من وإلى لبنان في زمن كورونا وأصبح بين ليلةٍ وضحاها منافس ‏MEA‏ "الأشرس". أمّا ماري ‏كلود نجم، المسؤولة عن "هيبة" و"مصداقية" و"شفافية" ما تبقى من الجسم القضائي المرتعش… ‏فتكلّمي قبل الإنهيار!‏

هكذا، ارتأى مازح أن يضرب بعرض الحائط المواثيق والمعاهدات والإتفاقيات الدولية التي ‏يخضع إليها لبنان، والتي تحمي العلاقات الديبلوماسية بين الدول، وعلى رأسها إتفاقية فيينا ‏للعلاقات الديبلوماسية التي تُعطي حصانةً مطلقة إلى السفراء في الدولة المضيفة، لا بل وتُجبر ‏الأخيرة على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع أي نوع من التعدي على حرية الديبلوماسيين.‏

هنا لا بدّ من تسجيل إنجاز جديد للعهد: قاضٍ يخالف القانون الدولي ويطبّق قانوناً عُرفياً من ‏صناعته الشخصية أو مَن يقفون خلفه ويوجّهونه، بسلوكٍ يتعارض بشكلٍ تام مع أي مبدأ أو ‏مفهوم لمؤسسات الدولة.‏

كتبها بالحبر القاتم وأعاد التلميح إلى كلام "سيّد المقاومة" عن بداية جديدة يكتبها الحزب - كعادته ‏‏- للبنان وهي طريق الحرير وتوجهنا شرقاً. فبهذا القرار المجحف يبدأ التطبيق.‏

هنا أيضاً لا بد أن نستذكر تعاطي أجهزة الدولة اللبنانية مع "أبنائها" و"استماتها" لتأمين حريتهم ‏في التعبير، لاسيما في زمن العهد القوي. فكم من مرة، استُدعي مواطنون - راشدين كانوا أم ‏قُصّراً - إلى التحقيق على خلفية منشور على مواقع التواصل الإجتماعي ينتقد دولةً أجنبية ‏كسوريا أو إيران. هي ذاتها هذه الدولة التي، بطبيعة الحال، ستدير أذنها الصماء لمواطنٍ ذي ‏صفة رسمية يتعرّض إلى سفيرة الولايات المتحدة التي تستضيف مليون لبناني على أراضيها، ‏وتمد جيشنا بالمساعدات والدعم، لا بل أكثر من ذلك تتكفل سنوياً بما لا يقل عن ٣٥٪ من ‏تكاليف الإشراف على قرار ١٧٠١ الذي يؤمّن حماية لبنان واستقلالها من اسرائيل.‏

إذاً، تطاول مازح على شيا، ليبرهن عن نقصٍ في مخزونه القانوني. فالقانون واضح وينصّ ‏على أن وزير الخارجية وحده من يملك الحق في مخاطبة الديبلوماسية المذكورة. وهو أيضاً ‏تعدّى على قدسية وحرّية الإعلام وخال نفسه جندياً في دولة بوليسية تنحصر مهمته في قمع ‏الحريات وكمّ الأفواه. وغابت عنه أن الدولة البوليسية ذهبت إلى "مزبلة التاريخ". فليتريّث ويتنبّه ‏جيداً قبل الإنزلاق... في حال لم يحدث ذلك بعد!‏

هي سقطة قضائية بكلّ ما للكلمة من معنى. سقطةٌ - على الرغم من وقاحتها - إلاّ أنها لم تكشف ‏المستور، بل جاءت لتؤكّد المؤكد: قضاء هشّ ومهترئ، قضاء "أمرك يا سيّد". وإلى أن يحرَّر ‏هذا القضاء من النظام الأمني اللبناني-الإيراني، على التشكيلات القضائية السّلام!‏






‏"ليبانون ديبايت" - رياض طوق

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

28 حزيران 2020 09:23