4 تموز 2020 | 12:36

مجتمع

سوق النحّاسين في طرابلس: هل هذا آخر المشوار؟

سوق النحّاسين في طرابلس: هل هذا آخر المشوار؟

كتب مايز عبيد في "نداء الوطن"‏‎:‎


تتسابق الأسواق الطرابلسية في ما بينها على الإهمال والتعثّر، وربّما الإقفال الذي لم يعُد بعيداً. ‏أسواقٌ كانت في الماضي رافداً أساسياً لاقتصاد المدينة وأهلها، هي اليوم بحاجة إلى من يرفدها ‏بالأوكسجين، حتى تستمرّ على قيد الحياة‎.‎

ما يُميّز أسواق طرابلس، أو ما كان يميّزها إن صحّ التعبير، أنّ لكلّ سوق من هذه الأسواق إسمه ‏المأخوذ من نوع الصَنعة أو الحِرفة الغالبة على إنتاج ذاك السوق. من هذه الأسماء التي ألفتها ‏الآذان الشمالية واللبنانية: سوق العطّارين، سوق النحّاسين، سوق الكِندرجية، سوق الخيّاطين الخ. ‏ما يُخشى في هذه المرحلة أن تُصبح هذه الأسماء من ماضي المدينة، تماماً كما أشياء كثيرة ‏خسرتها طرابلس، وذهبت إلى غير رجعة‎.‎

سوق النحّاسين

من اسمه تعرفه. هو سوق لبيع النحاسيات وما شاكل، وله تاريخ عريق من تاريخ مدينة ‏طرابلس. هذا السوق الذي بُني في عهد المماليك ويملك شهرة كبيرة وواسعة، ولعلّه من أشهر ‏أسواق مدينة طرابلس، يفتقد اليوم إلى زواره وزبائنه وإلى البيع الذي كان لا يتوقّف برهة، ‏فكانت تعلو "قرقعة" النحاس منه لتملأ زحمة الأسواق الأخرى. واليوم عاد ليسكنه السكون، في ‏مشهد لا يعكس أبداً طبيعة هذا السوق وسبب وجوده. فبحسب أصحاب المحلات العريقين فإنّ ‏عراقة هذا السوق كانت له ميزاته. كان أوسع من الآن والسيارات لم تكن لتدخل إليه. من أراد ‏الدخول يأتي مشياً على الأقدام، وكانت الناس تأتي من مختلف المناطق اللبنانية وحتى من بلدان ‏العالم لتتمتع بمنظره، بنحاسياته، بأوانيه، وحلاوة ما بعدها حلاوة‎.‎

في حال السوق اليوم، بعض محلّات النحاسيات القديمة لا تزال موجودة، ومحلّات من نوع آخر ‏كالبرادي مثلاً، افتتحت فيه، ومنها ما أقفل ومنها لا يزال صامداً، لكنّ حركة الأمس مفقودة. ‏يقول الحاج طرطوسي عن السوق: "رزق الله على الأيام التي راحت ولن تعود. أين الحركة وأين ‏الشغل الذي كان لا يتوقّف حتى ساعات متأخّرة من الليل؟ هذا السوق منذ سنوات يتراجع ‏ويتقهقر، والحركة اقتصرت على بيع بعض الأواني البسيطة والأجراس، ثم جاءت الأحداث ‏الأخيرة وبعدها ارتفاع سعر صرف الدولار، فصارت ألواح النحاس أغلى بكثير، ولم نعد قادرين ‏على التصنيع... كانت لدينا صالة عرض فيها من كلّ الأشياء، ومصنع فيه عدد من العمال. الآن ‏لم يعد هناك إلا أنا وإبني، فلا إمكانية في هذه الظروف لتشغيل عمّال طالما لا عمل. نتحسّر في ‏هذا السوق على الدور وكذلك على الدوران، عندما كان هذا السوق لا يخلو من الحركة، والحركة ‏كلها كانت بركة ببركة‎".‎

أضاف: "كان السوق يضمّ عشرات المتاجر، ويمتلئ بأجمل النحاسيات من الحِلل والصواني، ‏والصدور (للحلويات)، والتُحف الفنية والطناجر وركاوي القهوة والمصبّات والنراجيل، وكلّ ما ‏شاكل من الأواني، وكل ما تتطلّبه المنازل. لو كان البيع كما كان في السابق، لرأيت كل شيء، ‏لكنّنا لم نعد قادرين على شراء الألواح، نظراً الى ارتفاع سعرها، وإذا ما عرضت معروضاتك ‏بأسعار اليوم الخيالية، فمن يشتريها في ظلّ هذه الضائقة"؟ في هذا السوق الذي كان في زمن ‏العزّ في مدينة طرابلس، يعجّ بالناس مثل خلية النحل، تعاقبت على المهنة عائلات عدّة: مثل آل ‏طرطوسي، عزّو، طلحة وحسون. لم يصمد في السوق إلا بعض الأشخاص من آل الطرطوسي ‏الذين حافظوا على هذه المهنة، وتوارثوها جيلاً بعد جيل، ويعيشون اليوم مع السوق غرابته ‏وغُربته. الخشية اليوم من أن يندثر هذا السوق، خصوصاً بعدما دخلت ظاهرة صناعة ‏‏"الستانليس" وغيرها من المواد إلى الأسواق، والأوضاع الإجتماعية والمعيشية الصعبة التي تمرّ ‏بها طرابلس والشمال‎.‎

قد لا يتمنّى من بقي صامداً في هذا السوق، عودته إلى ما كان عليه في زمنٍ غابر، ربّما لأنّ ‏ذلك صار ضرباً من المستحيل، لكنّه يتمنّى أن يعود محلّه كما كان قبل عشر سنوات من الآن ‏ربّما، أي إلى التصنيع والبيع وتشغيل العمّال، حين كان يعمل ويؤمّن المردود المادي ويربح، ‏وليس كما هو الحال الآن، لا يعمل، ولا يربح، ولا عمّال ولا عمالة، وألّا تكون نهاية مشوار ‏السوق ومن بقي فيه، هذه هي الحكاية الحزينة‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 تموز 2020 12:36