زياد سامي عيتاني*
يصادف اليوم (1آب 1914) ذكرى رحيل "تلميذ مدرسة المشاغبين" سعيد الفنان سعيد صالح الذي تمكن بفضل موهبته أن يصبح واحداً من نجوم مصر والعالم العربي بحضوره الكوميدي الطاغي، حتى لقب "بصانع
البهجة" و"سلطان الضحك"...
وأكثر ما تميز به نجم الكوميديا الراحل خلال مسرحياته خروجه عن النص، وإضحاك الجمهور من خلال بعض "الإفيهات" الإرتجالية التي تنتقد بشدة لادعة الأوضاع السياسية التي كانت سائدة، مما جعله أول فنان كوميدي يتعرض للحبس بسبب مواقفه السياسية، ليسجن بعدها مرتين بتهمة تعاطي المخدرات.
**
•حسن يوسف يكتشفه:
ظهرت موهبة سعيد صالح مبكراً من خلال إنضمامه إلى المسرح المدرسي، وشارك في المعسكرات في الإسكندرية، وكان يذهب إلى مسرح "الأزبكية" ويختبئ في طرقاتها لمشاهدة الممثلين.
لم يدرس سعيد صالح التمثيل بشكل أكاديمي، بل إلتحق بالجامعة ليحصل عام 1960 على ليسانس الآداب، لكنه مارسه كهواية على مسرح الجامعة مع مجموعة من الفنانين، الذين كانوا معه في ذلك الوقت منهم الممثلين المصريين صلاح السعدني و عادل إمام .
لعبت المصادفة دورها في دخول سعيد صالح إلى عالم الفن، حيث ذهب مع زملائه لمقابلة المخرج والنجم السينمائي حسن يوسف، وانتبه الأخير إلى هذا الطالب المشاغب الذي لا يكف عن المزاح، وتعطيل البروفة، فنادى عليه وأقنعه بالتمثيل فقدمه للمسرح، ولاحقاً قدمه يوسف إلى مسرح التلفزيون، ليبدأ مشواره الإحترافي كفنان كوميدي متفرد.
وظهر في البدايات في أدوار صغيرة على شاشة التلفزيون والسينما والمسرح، إلى أن تفجرت موهبته كفنان متفرد لا يقلد أحداً، إستطاع أن ينتزع الضحك بسهولة من أفواه الجماهير.
**
•مدرسة المشاغبين نقطة تحول:
وكان أول عمل مسرحي له بعدها "هاللو شلبي" وبعدها قدم مسرحية "مدرسة المشاغبين"، والتي ظلت تعرض لـ 6 سنوات بنجاح منقطع النظير، حيث فتحت له أبواب النجومية ليصل مجموع أعماله إلى 302 عمل ما بين مسرح وسينما وتليفزيون.
فكانت "مدرسة المشاغبين" فعلاً نقطة إنطلاق لصالحه وزملائه الذين شاركوه بطولة المسرحية، وتحرك بهم قطار النجومية والشهرة إلى محطات كبرى.
**
•البطولة المطلقة والسجن:
وتوالت أعمال سعيد صالح في بطولات جماعية مع نجوم آخرين، مثل مسرحية "العيال كبرت" 1975، وشاركه يونس شلبي وأحمد زكي وكريمة مختار والممثلة المعتزلة نادية شكري، وبعدها إرتحل إلى أدوار البطولة المطلقة، وقدم عام 1983 مسرحية "لعبة اسمها الفلوس"، وكعادته في الخروج عن النص، قال جملة (إفيه) قلبت حياته رأساً على عقب، وإعتبرتها الرقابة نوعاً من الإسقاط السياسي على الحكم في تلك الفترة، وتعرَّض للحبس ستة أشهر وسدد غرامة 50 جنيهاً، في سابقة لم تحدث لفنان كوميدي من قبل.
وبعدها ظهر العداء بين صالح والرقابة التي إتهمته بالخروج عن النص والآداب والتعرض للقيم الدينية، وأصدر القاضي حكماً بحبسه احتياطياً لمدة 7 أيام في سجن الحضرة بمدينة الإسكندرية، وكانت تلك أول مرة يُحبس فيها فنانٌ إحتياطياً على ذمة التحقيق لخروجه عن النص.
**
•الإصرار على الغناء:
وإنشغل سعيد صالح طوال مشواره الفنى التمثيلي بحلمه بأن يكون مطربًا، برغم أنه تقدم إلى نقابة الموسيقيين، ولكن حلمي بكر رفض إجازة صوته، وأقر أن صوت سعيد صالح كان يخدم السياق الدرامي ليس إلا، مثله مثل فؤاد المهندس وشويكار وعادل إمام، ومع ذلك أصر صالح على ممارسة الغناء والتلحين، وجاءت ألحانه تعتمد في معظمها على التراث والفولكلور.
وبدا تأثره الواضح بأسلوب فنان الشعب سيد درويش، وقدّم من خلال مسرحية "كعبلون" 1985 بصوته وألحانه قصائد صلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، وفي ذروة نجاح المسرحية التي لم تخل من "إفيهات" وخروج بطلها عن النص، حدث حريق غامض في مسرح "الهوسابير" وسط القاهرة، والتهم ديكور "كعبلون" وتوقف عرض المسرحية.
**
•صداقة وثنائية مع عادم إمام:
صداقة قوية جمعت بين سعيد صالح وعادل إمام، وقد شكلا ثنائياً سينمائياً رائعاً في العديد من الأعمال، أهمها مسرحية "مدرسة المشاغبين"، وأيضاً فيلم "سلام يا صاحبي" و"المشبوه" و"رجب فوق صفيح ساخن" و"أنا اللي قتلت الحنش" و"بخيت وعديلة" و"الواد محروس بتاع الوزير"، كما ظهر في آخر افلام عادل إمام منها "أمير الظلام" و"زهايمر"، حتى أن سعيد صالح ليلة وفاة والدته ظل مع عادل إمام حتى الصباح، ووقف على خشبة المسرح بعد أن إنتهى من دفنها.
إتهم النقاد الراحل سعيد صالح بأنه إرتضى أن يكون “سنيداً” للزعيم، رغم أنه سبقه بالبطولة المطلقة، فيما البعض الإخر أرجع تفوق الزعيم لذكائه وإقناعه لسعيد صالح بأن يلعب الدور الثانى أمامه، رغم موهبته الجامحة.
يذكر أنه بعد عرض فيلم “الجردل والكنكة” الذى شارك فيه صالح بدور صغير انتقده بعض الصحفيين، رد قائلاً: “عادل صاحبى ولو طلبنى فى أى حاجة هعملها على طول”، وبعدها وافق على الظهور كضيف شرف فى فيلم الواد محروس بتاع الوزير، ثم شارك أيضًا كضيف شرف فى فيلم أمير الظلام.
كان فيلم "زهايمر" آخر الأفلام التى جمعت الصديقين، وكان سعيد صالح وقتها يمر بأزمة صحية كبيرة.
**
•إنتقاداته السياسية تفقده نجوميته:
لم يستطع الفنان سعيد صالح طوال مشواره الفني أن يبقي على اسمه من ضمن مصاف نجوم الشباك، برغم بداياته التي كانت تؤهله لذلك، وقدراته الفنية التي اتفق عليها معظم النقاد، ولكنه انشغل عن الفن بأشياء أخرى، أهمها السياسة التي كان يمارسها بشكل مستمر في المسرح، وقد إتبع صالح منهج الصدام في الإنتقاد، وهذا لم يقيه شر من ينتقدهم.
وقد تسبب منهج الصدام في الانتقاد الذي كان يتبعه الفنان الراحل فى مسرحياته في الزج به داخل السجن لعدة سنوات، بعد تلفيق بعض التهم له، والتي كان أولها تعاطيه المخدرات، في الوقت الذي كان هو أكثر التزامًا من غيره من النجوم، ليخرج صالح بعدها نصف نجم حتى إنه كان يوافق على أي أدوار تقدم له، حتى وإن كانت مشهدًا واحدًا لا قيمة له، مثلما فعل في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" الذي ظهر فيه بمشهد صامت بآخر الفيلم مع عادل إمام.
**
ومضت الأيام بنجم الكوميديا، وظل على نقائه وتلقائيته المعهودة، ورغم إبعاده عن أدوار البطولة، ظلت مكانته حاضرة لدى جمهوره العريض...
**
إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.