كتب وليد الحسيني:
قد لا ينسى اللبناني النكبات المتساقطة فوق رأسه بلا انقطاع. لكن الأولوية تعطى دائماً للنكبات الطازجة.
وإلى حين قيام مصيبة جديدة، يبقى دمار بيروت وتسليم سليم عياش وتأليف الحكومة، هي الأحداث التي تلتقي حولها كل الأحاديث.
نبدأ بالدمار. ومفتاح البداية أن إنكار المسؤولية لا يعني البراءة. إلاّ أن البراءة تحصيل حاصلٍ، في بلاد تعجز قوانينها عن بلوغ القمم الرئاسية والسياسية.
على ضوء هذا الثابت اللبناني، فإن كل شيء يسير على ما يرام، وكما يروم المسبب المجهول رسمياً، والمعروف شعبياً.
وشيئاً فشيئاً ستتحول المأساة إلى مواساة.
وشيئاً فشيئاً ستتحول تعويضات البيوت المدمرة، إلى مساعدات غذائية "كرتونية" للبيوت الجائعة.
وشيئاً فشيئاً سينضم المجلس العدلي الجديد، إلى المجالس العدلية القديمة، التي أكل عليها الزمن، والتي هي أكلت الأزمنة، ولم تقل لنا من اغتال المفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح والرئيس رينيه معوض.
ها هو التحقيق في اغتيال بيروت يسلك طريقاً مشابهة.
قد يختلف عما سبقه في أنه أُجبر على العثور على رؤوس صغيرة، فأمام الاستشهاد الجماعي، والدمار النصف شامل لا مفر من تقديم الأضاحي، سواء كانت ظالمة أو مظلومة.
لكنه يتفق معه في إخفاء الرؤوس الكبيرة... على اعتبار أن الإقتراب منها من محرمات الأعراف اللبنانية.
هي هكذا العدالة في لبنان. فمهما اعتزت بنفسها، ستبقى أعقل وأذكى من أن تغامر وتكشف المستور في جرائم الكبار... وذلك إما جبناً، أو تحت مزاعم الحرص على السلم الأهلي.
وكما دمار بيروت، فإن تسليم سليم عياش المدان باغتيال الشهيد رفيق الحريري، يخضع أيضاً لمعياري الجبن والحرص على السلم الأهلي.
فأي قضاء وأي أجهزة أمنية وأي سلطات عليا تجرؤ على إغضاب السيد، وهو الذي طالب محازبيه بتخزين الغضب لحين الحاجة؟.
وهل هناك حاجة لتفجير بركان الغضب أكثر من ارتكاب "جريمة" تسليم سليم عياش؟.
بتسليمه لمحققين دوليين محترفين، ستتوالى الإعترافات. وعندئذ لن ينجو متهم، أياً كان، ومن كان، من تهم التحريض والتخطيط، بذريعة "عدم توفر الأدلة".
إذاً، لم يكن الحكم بإدانة سليم عياش، حكماً تافهاً، صدر عن محكمة اتهمت بالتفاهة... فالرجل المدان، هو في الحقيقة، مخزن الأسرار المزلزلة.
لهذا فإن تسليمه مستحيل... حتى لو استدعى الأمر إخفاءه بترويج شائعة الاستشهاد.
أما الحكومة "المفترض أن يؤدي تشكليها، إلى خلاص لبنان من مصائبه الكبرى، فعلى ما يبدو لن يفرج عنها حتى يرضى باسيل وحزب الله. مع العلم أن رضاءهما بحد ذاته، يمنع الإفراج والفرج.
فهل يعني هذا أن حكومة تصريف "الإهمال" ستعمّر إلى أن يُقصف عمر لبنان؟.
الجميع يتعامل وكأن البلاد في نعيم.
كأنه لا "كورونا" تزداد انتشاراً وفتكاً.
كأنه لا زلزال ضرب بيروت فقتل ودمر وشرد.
كأنه لا انهيار إقتصادي، ولا غلاء متوحش، ولا جوع، ولا بطالة، ولا ثورة.
وسط هذا الاستهتار السياسي المخيف، يمكن التأكيد على ان استشارات تشكيل الحكومة تجري، بلا خجل، بين العناد والأحقاد والكراهية والإنتقام.
هذا النوع من الإستشارات المتشنجة واللامسؤولة، لن تتوافق إلا على رئيس حكومة لا يحل ولا يربط.
أما سعد الحريري، رجل الحل والربط، فقد التزم بهتاف الثوار الشهير، وقرر أن "لا يحلم بها"... مع أن المحن الآتيات ستجعل الثوار "يحلمون به".
للأسف... الكل يجني على لبنان... رغم أن لبنان لم يجنِ على أحد.
وليد الحسيني
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.