4 أيلول 2020 | 18:34

أمن وقضاء

مسرّه: إلغاء قانون تعيين موظفي الفئة الاولى شرعنة للزبائنية وتعطيل للمؤسسات الناظمة ‏

أبطل المجلس الدستوري القانون الرقم 7 تاريخ 2020/7/3 الذي يتعلق بتحديد آلية التعيين في ‏الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العليا بناء على الطعن المقدم من رئيس الجمهورية ‏ميشال عون. وقد قبل المجلس مراجعة الطعن لورودها ضمن المهلة القانونية مستوفية جميع ‏شروطها الشكلية وأبطله برمّته في الأساس لمخالفته الدستور. هذا الإبطال وإنْ وجد ما يبرره ‏دستوريا، الا انه الغى امكان تعديله او سن قانون آخر بديل، ما اعتبره العضو السابق في المجلس ‏الدستوري البروفسور انطوان مسرّه "مأسسة مقوننة لسلطة مطلقة وشرعنة للزبائنية وتعطيلاً ‏للمؤسسات الناظمة للإدارة العامة". ماذا يقول مسرّه لـ"النهار"؟

يسأل مسرّه: "هل ولّى زمن مونتسكيو وكبار الحقوقيين الذين نظّروا لمبدأ الفصل بين السلطات ‏للحدّ من سلطة أي هيئة على سلطة أخرى؟ وهل ولّى زمن الآباء المؤسسين الحقوقيين الذين ‏أسهموا عبر التاريخ في تفاصيل المبدأ ومضمونه؟". ويرى ان "السلطة في لبنان اصبحت بعد ‏اليوم مُطلقة مع تخمة حيثيات صادرة عن أعلى القمة، في حين أن مفهوم الحدود ‏limite‏ هو في ‏جوهر فلسفة القانون وينبع منه حظر تجاوز حد السلطة ‏abus de droit‏".‏

ويصف قرار المجلس الدستوري في 2020/7/22، حول الغاء القانون الرقم 2020/7 الصادر ‏في الجريدة الرسمية، العدد 28 تاريخ 2020/7/3 بالتاريخي، لانه يطرح ملاحظات قد لا يُدرك ‏خطورتها قانونيون بسبب التمادي في تعميم اللاقانون ومأسسة الزبائنية.‏

ويفند مسرّه هذه الملاحظات:‏

‏"1. سلطة مطلقة مقوننة: يتكرر في القرار رفض مبدأ الحدود ‏limite‏ أكثر من عشر مرات ‏وبالعبارات الصريحة الاتية:‏

‏"انتقص من سلطة الوزير الدستورية (...) وأيضًا من سلطته في اتخاذ القرار".‏

‏"انتقص من سلطة مجلس الوزراء".‏

‏"تقليص دور الوزير المختص الى مجرد التنسيق".‏

‏"يستعيد حينها الوزير، وبقطع النظر عن عدم دستورية اللجنة، كامل صلاحياته وسلطته في ‏اقتراح من يراه ويراهم أكثر كفاءة لملء الوظيفة الشاغرة، اذ ليس في الأمر مباراة تلزم ‏بالتقيّد...".‏

‏"حيث ان سلطة الوزير (...) تُشكل في حقيقة الأمر ضمانة دستورية...".‏

‏"حيث ان تقييد الوزير المختص...".‏

‏"وبما أنه لا يصح تقييد سلطة مجلس الوزراء (...) وفرض شروط مقيّدة لممارستها...".‏

‏"ما تتخذه اللجنة من مقررات (...) يؤلف قيدًا لسلطة مجلس الوزراء (...) ويصبح محصورًا ‏لزومًا بالأشخاص الذين تُسميهم اللجنة دون سواهم".‏

‏"وبما أن مضمون القانون الحالي يحدّ من سلطة مجلس الوزراء ويقيّدها...".‏

يتم الاستناد في القرار الى المادة 65 من الدستور، في حين أن هذه المادة بالذات تُحد من سلطة ‏مجلس الوزراء والوزراء بموجب القانون:‏

المادة 65 - الفقرة 2: تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالاتهم وفق القانون.‏

القانون المطعون فيه هو من النصوص التي توجبها المادة 65 بالذات!‏

كل ما تعلمته في القانون الإداري في كلية الحقوق بفضل العلّامة ‏Philippe Ardant، في السنوات ‏‏1959-1960، وفي مؤلفات رائدة حول "العمل الحكومي" ‏actes de gouvernement‏ وهي أعمال ‏تنحصر في شؤون الأمن القومي والعمل الديبلوماسي يمتد اليوم في لبنان الى كل وزير في ‏ممارسته سلطة مطلقة استنسابية وبلا حدود. كل قرار في لبنان بعد اليوم هو ‏acte de ‎gouvernement‏!‏

لا اطلاقية لأي سلطة في دولة الحق! حتى في القبائل، في أوضاع سابقة للقانون ‏pré-droit، يتم ‏اللجوء الى آليات تشاورية وتسلسلية. وحتى البابوية الكاثوليكية التي يتم توصيفها بمعصومة عن ‏الخطأ ‏infaillible‏ يسبق مواقفها سينودس للتشاور والتقرير!‏

‏2. نقد المبادئ الدنيا في الإدارة العامة والرقابة التسلسلية: لا يذكر القرار أي مبدأ في التنظيم ‏الإداري والرقابة التسلسلية في المجتمع اللبناني بالذات. أين مفاهيم ومعايير الرقابة ومضمونها، ‏والرقابة التسلسلية، والتسلسل الهرمي، وتوزيع المهمات، وتحديد مواصفات كل موقع، ‏والمسؤولية في الرقابة التسلسلية ‏subsidiarité؟

كل هذه المفاهيم غائبة تمامًا في القرار مع تجاهل تام في مجمل الحيثيات. لماذا يوجد مجلس ‏خدمة مدنية ومعهد وطني للإدارة وموظفون وتسلسل وظيفي...؟ كلهم بعد اليوم مرؤوسون (وفق ‏التعبير العثماني القديم) تابعون لاطلاقية السلطة! وما معنى كفاءة وصلاحية ‏compétence‏ التي ‏تُحددها القواميس بأنها "القدرة المعترف بها في قضية توفر الحق في التقرير". يتمتع كل وزير ‏بعد اليوم بصلاحية غير مقيّدة وهو القاضي السامي في الحكم المبرم، في حين أن صلاحية أي ‏وزير هي بالضرورة مُقيّدة، بمعنى أنها تُمارَس ضمن الحدود التي يرسمها القانون.‏

‏3. تسخيف المادة 65 من الدستور: يتم تسخيف هذه المادة التي تفرض أكثرية موصوفة ‏majorité ‎qualifiée‏ بشأن 14 قضية أساسية. هدف هذه المادة تجنب طغيان أكثرية وطغيان أقلية ‏abus de ‎majorité / abus de minorité‏ وليس تبريرًا لسلطة مطلقة. هذه المادة هي روعة في المخيلة ‏الدستورية في سبيل الادارة الديموقراطية للتعددية الدينية والثقافية من منظور عالمي ومقارن في ‏عالم اليوم (كتابنا: النظرية الحقوقية في الأنظمة البرلمانية التعددية، المكتبة الشرقية، 2017، ‏‏656 ص).‏

‏4. أمر مبرم للمجلس النيابي بعدم إعداد أي نص تشريعي آخر حتى معدلاً! يتحول سموّ الدستور ‏suprématie de la Constitution‏ في القرار الى سموّ مؤسسة المجلس الدستوري بالنسبة الى كل ‏السلطات الأخرى، وتجاه المجلس النيابي بالذات! استنادًا الى تفسير مجتزأ لاجتهاد دستوري ‏يتعلق حصرًا بعمل المجلس الدستوري، ولا يتعلق تحديدًا بالمجلس النيابي، يأمر القرار على ‏المجلس النيابي، الذي هو السلطة التشريعية الأم، بعدم إعداد أي نص تشريعي آخر، بهذه ‏العبارات الصارمة:‏

‏"حيث لا يمكن (كذا) للسلطة التشريعية أن تسن قانونًا جديدًا يحتوي بلباس آخر مضمون قانون ‏أبطله المجلس..."‏

يذكر القرار هنا اجتهادًا فرنسيًا تاريخ 1989/7/8 ينحصر في القانون بالذات، ولا يتوجه بلهجة ‏الزامية الى المجلس التشريعي الفرنسي!‏

تُشكل عبارة "لا يمكن": 1) استباقًا لعمل تشريعي هو من صلاحية السلطة التشريعية، 2) وموقفًا ‏مسبقًا تجاه أي قانون آخر، 3) وموقفًا مسبقًا وسلبيًا واطلاقيًا حول أي "لباس مختلف"، في حين ‏يتوجب على أي نص تشريعي في أسبابه الموجبة وفي دراسة الجدوى الأخذ بالاعتبار الأسباب ‏والحالات والضرورات، 4) ومنعًا لأي تدبير في المستقبل مهما تغيرت الاوضاع يُحد من ‏اطلاقية السلطة في التعيينات.‏

تتصف طبعًا كل قيمة ‏valeur / norme‏ بطابع مطلق كمبدأ، لكن يتوجب في التطبيق الأخذ ‏بالاعتبار، مكانًا وزمانًا وأوضاعًا، تراتبية القيمة في سُلّم القيم، أي ما يُسمى غالبًا في القانون ‏حالات الضرورة والاستثناء والأوضاع القاهرة... إن الجزم بعبارة "لا يمكن" تجاه المجلس ‏النيابي تضفي اطلاقية على العدالة البشرية للمجلس الدستوري.‏

أما العودة الى سابقة للمجلس الدستوري في القرار الرقم 2001/5 فليس في هذا القرار تبرير ‏لأي سلطة مطلقة، بخاصة أن الطاعنين سنة 2001 (حسين الحسيني، نايلة معوض، فارس ‏ساسين...) يدافعون في الطعن عن المساواة، وحق الموظفين في الترقية، والضمانات ‏الدستورية...! ورد في صلب القرار 2001/5 بالذات تأكيد على ما يأتي:‏

‏"بما أنه ليس ما يحول دون ان يقدم المشترع على تنظيم الوظيفة العامة، على ما فعل في القانون ‏المطعون فيه بشأن المواصفات الواجب توافرها في الأشخاص المعينين من خارج الملاك أو ‏نسبة عددهم الى مجموع الوظائف من فئتهم داخل الملاك..." (مجموعة قرارات المجلس ‏الدستوري، 1994، 2014، الجزء 3، الجزء 1، ص 185-193).‏

ان عدم ذكر تفاصيل اجتهاد سنة 2001 هو اجتزاء لجوهره!‏

لا ذكر أيضًا في القرار للأسباب الموجبة للقانون المطعون فيه، ولا لمضمون الأعمال الإعدادية ‏ولا لمحاضر مجلس النواب بهدف تحقيق فاعلية القانون ‏effectivité du droit‏ ومستلزمات المصلحة ‏العامة. ولا ذكر لأي دراسة جدوى ‏étude d’impact، كما تفرضه حديثًا الصياغات التشريعية، في ‏سبيل هذه الفاعلية".‏

ويختم مسرّه بان "القرار هو بالتالي مأسسة مقوننة لسلطة مطلقة وشرعنة للزبائنية وتعطيلاً ‏للمؤسسات الناظمة للإدارة العامة".‏



النهار

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 أيلول 2020 18:34