5 أيلول 2020 | 17:40

خاص

في ذكرى "الأستاذ".. مهندس الكوميديا!

في ذكرى

زياد سامي عيتاني


"الأستاذ" هو اللقب الذى أطلقه تلاميذه على الفنان الكبير فؤاد المهندس الذى إحتضن وأعطى الفرصة لممثلين شباب أن يقفوا بجواره على خشبة المسرح طوال تاريخه الممتد مع الثلاث دقات التى تسبق فتح الستارة، ليصبح ملك المسرح بجانب مشاركاته السينمائية المهمة وبرنامجه الإذاعى الشهير « كلمتين وبس» الذى كان يطل به صباح كل يوم لمناقشة مشاكل الناس، ويسلط الضوء على الإيجابيات وسلبيات الشارع والعلاقات الاجتماعية.




كذلك لقب بـ “مهندس الكوميديا المصرية”، وهو رائد مدرسة الكوميديا العربية، والوريث الفني لإبداع نجيب الريحاني، حيث صال وجال على خشبة المسرح، وقدم مجموعة كبيرة من المسرحيات الكوميدية والاجتماعية ناقش من خلالها مشاكل موجودة فى المجتمع...

بمناسبة ذكرى ميلاده (٦ أيلول ١٩٢٤)، نسلط الضوء على مسيرته الفنية الزاخرة، وهو مهندس الضحك الراقي وصاحب مدرسة خاصة فى الكوميديا، تخرج منها الكثيرون، وترسخت أعماله على مر الأجيال...





•البدايات:

عشق فؤاد المهندس الفن منذ طفولته، وتأثر بنجيب الريحاني، وحرص على متابعة كل أعماله المسرحية والسينمائية، حيث كان يتسلل من المنزل ليلاً سيراً على الأقدام من دون أن يشعر به أحد، ليجلس فى كواليس مسرح الريحاني».

وبدأت موهبة المهندس تتفتح في المدرسة الإبتدائية "مدرسة فاروق الأول"، فكان وقتها شغوفاً بتقليد الفنانين والمدرسين.





فبداية المهندس التمثيلية بدأت من مسرح المدرسة خلال حفلات آخر السنة، وصودف يوماً أنه كان مشتركاً بالتمثيل فى حفلة مدرسية، حضرتها والدته، ولم يكن يعلم بحضورها، كما لم تكن تعلم أنه مشارك في تلك الحفلة. وما إن صعد على الخشبة حتى فوجئت به الأم يقف بين الممثلين فصاحت به قائلة: «انزل يا ولد»، فترك المسرح ونزل.

إلتحق بكلية التجارة نزولاً عند رغبة والدته التي عارضت دخوله مجال التمثيل، وحينما إلتحق بالكلية، بحث عن فريق التمثيل بالجامعة وإنضم إليه، وسرعان ما أصبح عضواً رئيساً ومؤثراً فيه.

لكن الصدفة خبأت له لقاءاً، في ذلك الحين، مع نجمه المفضل نجيب الريحاني، إذ كان المهندس يحضر عرض مسرحية «الدنيا على كفّ عفريت» عام 1948، عندما إعترف لصاحبها بعشقه للتمثيل.

هذا الإعتراف شكّل إنطلاقته في عالم الفن. لكن موت الريحاني بعد عام، حرم التلميذ من أستاذه ومن وراثة فرقته، بينما قام شريك الريحاني بديع خيري بدفع إبنه عادل ليحلّ محل الريحاني كنجم للفرقة المسرحية.





•الإنطلاقة من خلال المدبولي:

وكانت الخمسينيات من القرن الماضي فترة الممارسة الفعلية والإحتراف، حينما إلتقى مع عبد المنعم مدبولي، وإنضم لفرقة «ساعة لقلبك»، ثم لفرقة «المسرح الحر».

وشارك "الأستاذ" في العديد من العروض المسرحية، التي كان مدبولي يتولى إخراجها، ومنها «الناس اللي تحت» و«المغناطيس» و«حسبة برما» و«خايف أتجوز»، ولفت إليه الأنظار، وكانت هذه المرحلة من أهم المراحل الفنية في مشواره، حيث تبلورت شخصيته ككوميديان وفنان مسرحي.





•الشهرة:

بدأت شهرته الحقيقية تظهر عندما تحمس له الراحل سيد بدير الذي كان يستعد للعب البطولة في مسرحية “السكرتير الفني”، أمام فنانة شابة وجميلة دخلت حديثا لعالم الفن اسمها “شويكار كوب”، على أن يؤدي المهندس أحد الأدوار في هذه المسرحية، وأسند البدير بطولة المسرحية لفؤاد المهندس وكانت شخصية “ياقوت أفندي” هي أحد أحلامه فهي تشبه أدوار أستاذه الراحل الريحاني.

وقدم المهندس بعدها مجموعة من أهم مسرحياته منها “أنا وهو وهي” عام 1963 و”أنا فين وإنت فين” عام 1968 ، “سيدتي الجميلة” و”حواء الساعة 12″ و”إنها حقا عائلة محترمة” و”سك على بناتك” و”علشان خاطر عيونك”.





•التأثر بشابلن وجورشو والريحاني:

تأثر فؤاد المهندس بثلاثة أعلام كوميدية كونت شخصيته المرحة، أولها الكوميدي الهولندي “جروشو ماركس” الذي كان يقلده في حركاته، و”شارلي شابلن” الذي كان يقلده في إرتداء القبعة العريضة والبنطلون الممزق والحذاء الضخم، ويحمل العصا الشهيرة التي كانت لا تفارقه أما آخرهم والأكثر تأثيرا في شخصيته هو الأستاذ نجيب الريحاني الذي إقترب منه وتعرف إليه ليتعلم منه وذلك خلال المرحلة الجامعية.





•الثنائي مع شويكار:

ومع بداية 1964، كوّن أشهر المهندس وأنجح ثنائي عرفته السينما المصرية مع شويكار، منذ تقاسما بطولة فيلم «أنا وهو وهي» المأخوذ عن مسرحيتهما الشهيرة التي حملت الاسم نفسه. فعندما إلتقى بشويكار، كان الوحيد الذي رأى فيها موهبة كوميدية تختفي وراء فتنتها وشعرها الأشقر، فقدّمها في مسرحية “السكرتير الفني”، مكرساً مشوارهما المسرحي الذي أضاءته “أنا وهو وهي” و“حواء الساعة 12” و“سيدتي الجميلة” المأخوذة عن رائعة برنارد شو.

وقدما بعد ذلك 26 فيلماً حتى منتصف السبعينيات، منها «اقتلني من فضلك» و«أخطر رجل في العالم» و«الراجل ده هيجنني» و«مطاردة غرامية» و«أرض النفاق» و«شنبو في المصيدة» و«ربع دستة أشرار»، وحصل على جائزة الدولة التقديرية، وتوفي عن 82 عاماً في 16 سبتمبر 2006.





•طلب يد شويكار على المسرح:

المهندس وشويكار لم تقتصر ثنائيتهما فنياً فقط، بل إمتدت إلى ثنائية عاطفية، حيث طلب المهندس يدها وهما على خشبة المسرح أثناء عرض مسرحية "أنا وهو وهي"، طلب يدها في مشهد قد يكون المشهد الوحيد الذي خرج فيه عن النص، فلم تصدق وقالت له: "يا بايخ أخيراً قلتها" تعبيراً عن إنتظارها الطويل في الإرتباط به...



•السينما لتمويل المسرح:

من يرصد حياة المهندس يرى أنه فنان مسرحي في الدرجة الأولى. فهو رأى دوماً أنّ السينما وسيلة لجمع المال من أجل إنتـاج المسرحيات. وكان هذا رأي الريحاني أيضاً. لكن لحسن حظ "التلميذ" أنه لحق بعصر التلفزيون فسجّل مسرحياته، بينما لم يبق لنا من الريحاني سوى أفلامه الثمانية.


•الدخول المتأخر للدراما:

دخل الفنان الكبير مجال الدراما متأخراً، حيث تردد فى إطلالته على جمهور الشاشة الفضية كثيراً، لأنه كان يرى أن الدراما تقلل من حماس الجمهور للسينما والمسرح، لكنه لم يفكر كثيراً وبدأ نشاطه الدرامى نهاية سبعينيات، وإختار إطلالته بعناية.

فدخل الدراما من باب المسلسلات القصيرة عام 1977 بمسلسل من 7 حلقات بعنوان: «الدنيا لما بتلف» مع شويكار وحسن مصطفى، التى سبق وقدمها المهندس فى الستينيات على المسرح بعنوان «السكرتير الفنى» من إخراج عبد المنعم مدبولى. يدور المسلسل حول مدرس الابتدائى الذى يعانى من ضيق الحال ويرفض التخلى عنها، لكنه يجد نفسه يتخلى عنها بضغوط.

 ومن أهم مسلسلاته الدرامية مسلسل «أزواج لكن غرباء»، عام 1986 مع الفنانة سناء جميل والمخرج حمادة عبد الوهاب. و«أحلام العنكبوت» عام 1992.

وقدم «المهندس» دورا مهما فى مسلسل «عيون»، مع الفنانة سناء جميل ويونس شلبى وشرين، حيث تدور أحداث القصة حول محام ناجح، ويعانى من مشكلة المشى أثناء النوم. 

وقدم المهندس مع الفنان عبد المنعم مدبولى، ثنائيا فنيا ناجحا، من خلال المسلسل التليفزيونى «توتة توتة»، وحققا نجاحًا كبيرًا نظرا للعلاقة الوطيدة التى تجمع بين «مدبولى» و«المهندس عبر تاريخهما المسرحى والسينمائى».





•"كلمتين وبس":

إن الملايين كانوا ينتظرون فؤاد المهندس كل صباح، من خلال برنامجه الإذاعي «كلمتين وبس»، الذي كان يكتبه الكاتب الساخر أحمد رجب كان يكتبه للإذاعة المصرية. لكن الجمهور ظلّ على مدى عشرين عاماً ينسبها الى فؤاد المهندس الذي إقتصر دوره على قراءة الفقرة، من شدة تفاعله الأدائي الصادق والعفوي في تقديم البرنامج.





•أعماله للأطفال:

وحرص عبر مشواره الفني الطويل على تقديم أعمال كثيرة للأطفال، كان من أشهرها “فوازير عمو فؤاد” التي كانت تعرض في شهر رمضان ولاقت نجاحاً كبيراً، وكان يحرص على متابعتها كل الأطفال العرب، ولم يكتف بالفوازير، بل حرص علي تقديم عمل مسرحي لهم من خلال “هالة حبيبتي” وأوضحت المسرحية سوء المعاملة التي يلقاها الأطفال في الملاجئ، وشاركته بطولتها دلال عبدالعزيز والطفلة رانيا.





تزيد مسيرة فؤاد المهندس على النصف قرن وهي ثرية ومتميزة قدم خلالها أكثر من خمسة وستين فيلماً وأكثر من عشرين مسرحية، إضافة إلى عشرات المسلسلات التليفزيونية والإذاعية التي إستمر في تقديمها لسنوات طويلة، لتغني المكتبة الفنية العربية بأرقى الأعمال، التي ما تزال تعرض وتشاهد بشغف حتى يومنا...


إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 أيلول 2020 17:40