11 أيلول 2020 | 16:37

فن

‏٣٩ عاماً على رحيله.. السنباطي من "بلبل المنصورة" إلى "ثنائي الشرق" ‏

‏(٢/٢)‏


زياد سامي عيتاني*‏

‏•رحلته مع أم كلثوم:‏

إرتبط الموسيقار رياض السنباطى بعلاقة صداقة خاصة جداً بكوكب الشرق أم كلثوم، شكلت ‏الخط الأساسى فى تجربته الفنية، وهى شراكة عمر، مكانة خاصة إنفرد بها السنباطى وإنتزع بها ‏عرش الراحل الكبير محمد القصبجي داخل مملكة أم كلثوم، فقد تعامل السنباطى فنياً مع درة الفن ‏فترة تزيد على 40 عاماً، ولحن لها رصيداً كبيراً من الأغانى التى حصد بها نجاحاً ساحقاً.‏

‏**‏

‏•الصدفة جمعتهما صغاراً:‏

‏ علاقة الكبيرين أم كلثوم والسنباطى بدأت مبكراً منذ الصغر، عندما كان عمره 13 عاماً، ‏وعمرها لم يتجاوز الـ 17، كما كان والد أم كلثوم الشيخ إبراهيم صديقا قديماً للمنشد محمد ‏السنباطي والد رياض.‏

وكانت الصدفة وحدها هي التى جمعت بين أم كلثوم والموسيقار الكبير رياض السنباطى عندما ‏كان رياض مع والده فى محطة سكة حديد قرية "درين"مركز نبروه، وكانت أم كلثوم ووالدها ‏وشقيقها وأولاد عمها يغنون فى أحد الأفراح هناك، وكان رياض هو ووالده يتبادلان الغناء في ‏فرح. وعندما إنتهى الفرحان فى وقت واحد متجهين إلى المحطة في إنتظار القطار، أشار ‏السنباطي الكبير لإبنه رياض وقال له: "أم كلثوم التى يتحدثون عنها"، فنظر رياض لأول مرة ‏فى حياته ليجد أم كلثوم، ولم يكن قد سمع لها، وإنما سمع عنها فقط...‏

‏**‏

‏•البداية مع "على بلد المحبوب":‏

ظل ذلك اللقاء العابر محفوراً فى ذهن رياض السنباطى، وبعدها بحوالى 15 عاماً قامت أم كلثوم ‏بالاتصال بالسنباطي ليتفقا على العمل سويا، فآبتسم الحظ لرياض السنباطي بآختيار أم كلثوم ‏لنفسها ملحناً، بعدما كان قد بدأ يلحن لبعض المطربين والمطربات، علماً وأنه حتى ذلك الوقت، ‏لم يكن قد لحن لأم كلثوم غير بضعة ملحنين أهمهم محمد القصبجى وزكريا أحمد وهم من فطاحل ‏الموسيقى، فكان السنباطى أصغرهم سناً، وحققت أول أغنية لحنها لها من كلمات أحمد رامي ‏نجاحاً كبيراً وهي أغتية "على بلد المحبوب"، التي قدمت عام 1935 ولاقت نجاحاً كبيراً، ‏لينضم السنباطي إلي جبهة الموسيقية الكلثومية التي كانت تضم القصبجي وزكريا أحمد. ‏

إلا أن السنباطي كان مميزاً عن الآخرين فيما قدمه من ألحان لأم كلثوم، إلى جانب تميزه فيما ‏فشل فيه الآخرون ألا وهي القصيدة العربية التي توج ملكاً على تلحينها، سواء كانت قصيدة دينية ‏أو وطنية أو عاطفية، ولذلك آثرته أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب "العبقري" .‏

ولا يعلم الكثير أن أم كلثوم تسببت في قطيعة فنية بين رياض السنباطي والفنان عبده السروجي، ‏بسبب أغنية "على بلد المحبوب" التي أعجبها نجاحها بعد أن شدا بها السروجي، فقررت تسجيلها ‏في أسطوانة بصوتها لينسى الناس السروجي ويتذكرون الست وهي تتغنى بها، وهو ما أغضب ‏الفنان السروجي من رياض السنباطي وجعله يقاطع ألحانه إلى الأبد.‏

‏**‏

‏•"ثنائي الشرق":‏

وبعد أغنية «على بلد المحبوب وديني»، لحن رياض لأم كلثوم «النوم يداعب عيون حبيبي»، ‏كلمات أحمد رامي، والتي أعجبت بها أم كلثوم وقدمته في حفلها الشهري على مسرح قاعة ‏ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وكان حفلاً مذاعاً، وإعتبر هذا اللحن من ‏المنعطفات في حياة أم كلثوم والسنباطي معاً. وظل رياض يمد أم كلثوم بألحانه وروائعه.‏

بعد ذاك، لحن السنباطي لأم كلثوم في البدايات: «لما انتي ناوية تهاجريني»، «أمال دموعك ‏كانت ليه»، وفي فيلم «نشيد الأمل» عام 1936، لحن لها «افرح يا قلبي»، «يا شباب النيل»، ‏‏«قضيت حياتي»، فاستقر سريعًا في مكانته ضمن طليعة الموسيقيين العرب آنذاك مع القصبجي ‏وعبد الوهاب وزكريا أحمد.‏

وبدأت منذئذ شراكة عمر بين السنباطي وأم كلثوم دامت 40 عامًا لم يتخللها سوى اختصام دام ‏أقل من سنتين، بدايةً من 1960 وحتى ربيع 1961، لأسباب نسبها السنباطي إلى تدقيقه الشديد ‏في الكلمات التي يختار تلحينها لها.‏

على كل حال، إنفردت ألحان السنباطي بصوت أم كلثوم حقبة امتدت 12 عامًا، إنكب خلالها ‏بصوغ ملامح أسلوبه الخاص في التلحين غير متأثر بمن سبقوه.‏

وبدأت هذه المرحلة بواحد من أكبر ألحانه «رباعيات الخيام» عام 1949، وفي نفس العام غنت ‏له أم كلثوم قصيدة «النيل»، وأيضًا «ياللي كان يشجيك أنيني».‏

وتوالت الكلثوميات الكبيرة بعد ذلك: «يا ظالمني»، «جددت حبك ليه»، «أغار من نسمة ‏الجنوب»، «ذكريات»، «أروح لمين»، «أنا لن أعود إليك»، «شمس الأصيل»، «دليلي ‏احتار»، «عودت عيني»، «لسه فاكر».‏

وهكذا استطاع السنباطي أن يُثبِّت المزاج الذي وضع مواصفاته لحفلات أم كلثوم، فلازمها حتى ‏الممات، بما في ذلك أعمالها الأخرى.‏

وفي عام 1961 لحن لأم كلثوم «الحب كده»، وفي العام ذاته غنت أم كلثوم سنباطية كبيرة هي ‏‏«حيرت قلبي معاك». في الأعوام التالية وحتى آخر ألحانه لها، غنت أم كلثوم من تلحين ‏السنباطي أغنيات عديدة أبرزها: «حسيبك للزمن»، «ليلي ونهاري»، «أراك عصي الدمع»، ثم ‏‏«الأطلال» عام 1966، «أقبل الليل»، «من أجل عينيك عشقت الهوى»، وكانت آخر ما غنت ‏له أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل» عام 1972.‏

وصف النقاد أغنية "الأطلال" التي غنتها أم كلثوم عام 1966 بأنها "تاج الأغنية العربية، وأروع ‏أغنية عربية في القرن العشرين، ومن أروع ما لحن السنباطي"‏

وغنت أم كلثوم أغنيات دينية أخرى للسنباطي، مثل «رابعة العدوية»، «على عيني بكت ‏عيني»، «عرفت الهوى»، «يا صحبة الراح»، «تائب تجري دموعي ندمًا»، «حديث ‏الروح».‏

كما لحن السنباطي الكثير من أغنيات أم كلثوم السياسية والوطنية، حتى بلغت 33 أغنية، أشهرها: ‏‏«قصيدة النيل»، «مصر تتحدث عن نفسها»، «وقف الخلق ينظرون»، «مصر التي في ‏خاطري»، «نشيد بغداد»، «منصورة يا ثورة أحرار»، «قصة السد»، «ثوار»، «راجعين ‏بقوة السلاح»، «حق بلادك».‏

وبعد حادث المنشية عام 1954 غنت أم كلثوم لجمال عبد الناصر من تلحين السنباطي «يا جمال ‏يا مثال الوطنية»، وعندما تنحى غنت من تلحينه أيضًا «قم واسمعها من أعماقي» تناشده فيها ‏البقاء في الحكم، كما غنت في موت عبد الناصر قصيدة نزار قباني «رسالة إلى عبد الناصر»، ‏ولم تغن بعد موته أي أغنية سياسية أو وطنية.‏

وقد وصل مجموع ما غنت أم كلثوم من أنغام السنباطي نحو 96 أغنية، 21 قصيدة، 24 ‏مونولوجًا، 13 طقطوقة، 33 أغنية وطنية، 15 أغنية سينمائية.‏

‏**‏

تاريخ طويل يحمله السنباطي، حيث أن عدد مؤلفاته الغنائية بالمئات في الأوبرا العربية ‏والأوبريت والاسكتش والديالوج والمونولوج والأغنية السينمائية والدينية والقصيدة والطقطوقة ‏والمواليا، وعدد مؤلفاته الموسيقية 38 قطعة، وتعامل مع ما يزيد على 120 شاعراً من نجوم ‏الكلمة، كما زينت ألحانه أشهر الأصوات الغنائية في تاريخ الوطن العربي...‏

‏-إنتهى.‏

‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏










يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 أيلول 2020 16:37