12 أيلول 2020 | 19:29

فن

بليغ حمدي "إبن النيل"‏‎ ..‎ ‏ صاحب الجملة الموسيقية الخالدة

زياد سامي عيتاني‎*‎


‎"‎عايز إبقى مزيكاتي" جملة كررها بليغ حمدي ، وهو في عمر السابعة قبل أن تتحول لواقع، ‏فيصبح بالفعل من أهم الموسيقيين ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي، حتى وصفه ‏الشاعر كامل الشناوي بأمل مصر في الموسيقى، وهو اللقب الذي صاحبه بعد ذلك، إضافة إلى ‏ألقاب "ملك الموسيقى" وإبن النيل" و"درويش عصره"، حيث إستطاع أن يكون قدوة في عالم ‏التلحين، وكوّن ثنائياً مع عدد كبير من نجوم الفن والغناء في العالم العربي‎...‎

في ذكرى رحيله (١٢ أيلول ١٩٩٣) نستعرض بعضاً من محطات مسيرته الحافلة بالموسيقى ‏والألحان والإبداع الفني‎.‎

‎**‎

‎•‎أتقن عزف العود منذ التاسعة‎:‎

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1931، ولد بليغ بن عبد الحميد حمدي مرسي في حي ‏شبرا في مصر، وكان والده يعمل أستاذاً للفيزياء في جامعة القاهرة "فؤاد الأول" سابقاً‎.‎

‎ ‎وكان بليغ حمدي في عمر السابعة مهتماً بالموسيقى فأتقن العزف على العود وهو في الـ 9 ‏سنوات، وعندما بلغ الـ 12 عاماً قرر أن يدرس أصول الموسيقى، فحاول أن يلتحق بمعهد فؤاد ‏الأول للموسيقى، لكنه لم يتمكن لسنه الصغير، فإلتحق وقتها بمدرسة شبرا الثانوية، ولكنه بدأ ‏يدرس أصول الموسيقى في مدرسة عبد الحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، وتعلّم الموشحات العربية ‏من خلال درويش الحريري، وبعد الثانوية إلتحق بكلية الحقوق، وحقّق حلمه بالإلتحاق بمعهد ‏فؤاد الأول للموسيقى، والذي سميّ لاحقاً بمعهد الموسيقى العربية‎.‎

‎**‎

‎•‎البداية الفنية‎:‎

تعرف بليغ حمدي على مستشار الإذاعة المصرية محمد حسن الشجاعي، والذي أقنعه كي يحترف ‏الغناء، وبالفعل سجّل بليغ أربع أغنيات وقتها، ووضع لحن أغنيتين للفنانة فايدة كامل، هما "ليه ‏لأ" و"ليه فاتني ليه"، ليقدّم بعدها "ما تحبنيش بالشكل دا" للفنانة فايزة أحمد ، وفي هذا الوقت ‏توطدت علاقته بالموسيقار الكبير في تلك الأثناء محمد فوزي ، والذي أعطاه فرصة كبيرة من ‏خلال شركته "مصر فون"، وقدّم أول ألحانه ل عبد الحليم حافظ ولحّن أغنية "تخونوه‎".‎

‎**‎

‎•‎مجدد أم كلثوم‎:‎

شعرت كوكب الشرق "أم كلثوم" مع بداية السبعينات بأنها تخسر مكانتها شيئاً فشيئاً نتيجة ‏إستمرارها في غناء النمط نفسه الذي تعودت عليه برفقة السنباطي، وكان الشباب ينجذب بشكل ‏أكبر لجيل جديد من المغنين في مقدمتهم عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي، حينها أتى ‏التعاون الذي منح "الست" سنوات وسنوات أخرى من العطاء‎. ‎

وتكفل المطرب والملحن المصري محمد فوزي بإهداء السيدة أم كلثوم فكرة التعاون مع بليغ حمدي، ‏الشاب العبقري، وهكذا بدأت مرحلة بليغ والست بأغنية "حب إيه" في عام 1960، لتتبعها أغنية ‏‏"أنساك" في العام التالي‎.‎

إذن، يعد الفنان محمد فوزي هو أول من قدم بليغ حمدي لأم كلثوم عندما طلبت منه أن يلحّن لها إلا ‏أنه إعتذر بطريقة مهذبة، ثم قال لها: "عندي ليكي حتة ملحن يجنن مصر حتغني ألحانه أكثر من ‏‏60 سنة أدام‎".‎

كان أول لقاء بين أم كلثوم وبليغ حمدي في منزل طبيبها زكي سويدان، ووقتها لحّن وعزف بليغ ‏وهو يجلس على الأرض، وسط ذهول الموجودين، فجلست أم كلثوم بجواره وطلبت منه بعد أن ‏انتهى من أول كوبليه، أن يكمّل اللحن فأوضح لها بأنه لم يكمله فأعطته الوقت كي ينتهي منه، ‏ليتعاونا سوياً لأول مرة في عام 1960، من خلال أغنية "حب إيه"، والتي حققت نجاحاً ساحقاً‎.‎

وبعد ذلك قدّم لها 11 أغنية هي "انساك" و"ظلمنا الحب" و"كل ليلة وكل يوم" و"سيرة الحب" ‏و"بعيد عنك" و"فات المعاد" و"أنا فدائيون" و"ألف ليلة وليلة" و"الحب كله" و"حكم علينا الهوى"، ‏وهي آخر أغنية قدمتها أم كلثوم في عام 1973‏‎.‎

‎**‎

‎•‎تألق العندليب بألحان بليغ‎:‎

‎ ‎تعاون عبد الحليم حافظ في بدايته مع صديقه الملحن محمد الموجي، لكن تعاونه مع بليغ جاء ‏ليسطر معه حليم مرحلة شهدت أوج عطائه، إذ في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات كان حليم ‏ملء السمع والبصر ليس فقط بإعتباره مغنياً، ولكن بوصفه نجما سينمائيا. وفي هذه المرحلة ‏صنع بليغ مجموعة من أكثر أغاني حليم شعبية، منها "تخونوه" من فيلم الوسادة الخالية، ‏و"خسارة" من فيلم فتى أحلامي‎. ‎

واستمر التعاون عقب ذلك حتى وفاة حليم، حيث تنوع بين مجموعة من أبرز أغاني حليم ‏الدرامية على شاكلة "أعز الناس" و"أحضان الحبايب"، وأغانيه التي حاول فيها استلهام اللون ‏الشعبي على شاكلة "على حسب وداد قلبي"، وبالطبع لا يفوت بليغ تأليف مقدمات موسيقية يطلب ‏تكرارها الجمهور في "زي الهوى" و"حبيبتي من تكون‎". ‎

فكانت علاقته بعبد الحليم وطيدة حتى أنه أقام عزاء عبد الحليم حافظ في منزله، ورفض أن يغني ‏أحد أياً من الألحان التي قدمها لعبد الحليم، وآخرها لحن "الحب أحلى من حلاوته مفيش". وإن ‏كانت أيضاً علاقتهما مرت ببعض فترات الخلاف، وقال بليغ حمدي عنه "الإرهاب الفني" ‏وتحدث عن زعل عبد الحليم منه، إذ قدم ألحاناً لفنانين أخرين، ولكن سرعان ما إنتهى الخلاف‎.‎

‎**‎

‎•‎ثنائي فني مع وردة‎:‎

وردة وبليغ حمدي، من أشهر الثنائيات الفنية والإنسانية، جمعت بينهما قصة حب قوية توجت ‏بالزواج وبعشرات الألحان الخالدة، واللافت أن أغنية «تخونوه» التي قدمها عبدالحليم حافظ، ‏كانت بداية لقصة الحب بينهما، حيث أعجبت وردة باللحن المليء بالشجن، وأصرت على لقاء ‏ملحنها، وبعد اللقاء بدأت قصة حبهما، وبعد فترة قابل بليغ والدها وطلب الزواج منها، لكن الوالد ‏رفض طلبه بشدة لأنه فنان، وكان يرسم لإبنته مستقبلاً آخر، وبالفعل زوجها من ضابط جزائري ‏رفض عملها في الغناء‎.‎

وفي مطلع السبعينيات تبدلت حياة وردة بعدما سافر بليغ للجزائر ليلحن أغنية عيد الاستقلال ‏الجزائري، ليلعب القدر لعبته وتخوض معارك عديدة للعودة للفن، خاصة بعدما أقنعها بليغ بألا ‏تحرم جمهورها من صوتها، وأن تتجه لمصر لتبدأ رحلتها الفنية، وفي 1972 تزوجا، واستمر ‏زواجهما ستة أعوام فقط، قدم لها بليغ خلالها ألحاناً من أفضل ما غنت، ويعتبر المؤرخون ما ‏قدمه خلال هذه السنوات الست بمثابة التاريخ الحقيقي لوردة‎.‎

وتعتبر وردة أكثر من لحن لها بليغ في مسيرته، وبالمقابل من أهم ما غنت وردة هو لبليغ حمدي‎.‎

‎**‎

‎•‎الزوج من وردة عمد نجوى فؤاد‎:‎

يذكر في هذا الإطار أن بليغ قام بالزواج من وردة في منزل الفنانة نجوي فؤاد التي كانت تقوم ‏في نفس الوقت بعقد قرانها، فطلب بليغ من وردة الزواج منه، وتم عقد القران في نفس الوقت‎.‎

وقيل أن مقدمة أغنيات "بعيد عنك" و"الحب كله"، و"سيرة الحب"، و"أنساك" لأم كلثوم كانت ‏رسائل غير مباشرة من بليغ لوردة، وعلمت أم كلثوم بالأمر فقالت له مازحه: "أنت بتشتغلني ‏كوبري للبنت اللي بتحبها‎".‎

‎**‎

‎•‎ألحانه لكبار المطربين‎:‎

كما غنى الكثير من الفنانين والفنانات من ألحانه، ومنهم صباح و شادية و محمد رشدي وفايزة ‏أحمد، و محمد عبده و طلال مداح ، كما تعاون مع الفنانة الراحلة ذكرى و محرم فؤاد و فهد بلان ‏ولطيفة و سميرة سعيد وهاني شاكر ومحمد منير وأصالة وعلي الحجار ومحمد الحلو، وغيرهم‎...‎

‎**‎

‎•‎بليغ حمدي وميادة الحناوي‎:‎

بعد إنفصاله الزوجي والفني تبنى بليغ المطربة ميادة الحناوي، الذي تمكن من إطلاقها كنجمة في ‏زمنها، حتى أطلق عليها لقب "مطربة الجيل"، فقدم لها عشرات الأغاني الناجحة مع عدد من ‏الشعراء الكبار. وكان عطاء العشر سنين الأخيرة لبليغ حمدي موجه بشكل حصري تقريباً ‏للمطربة ميادة، حيث غنت من كلماته وألحانه "الحب اللي كان" و"أنا بعشقك" الأغنيتين الغنيتين ‏عن التعريف‎. ‎

وقد إعتبر النقاد وقتها تبني بليغ لميادة وكتابة رتلحين هتين الأغنيتان كان بمثابة ردّ على وردة ‏بأنه قادر على إيجاد بديل فني لها، خصوصاً وأن الألحان التي قدمها لميادة متطابقة مع روحية ‏ونفس ألحانه لوردة‎!‎

‎**‎

‎ ‎إذا ما أردنا تلخيص مسيرة بليغ الطويلة والمتشعبة، فلن نجد خيراً من الجملة التي تعنون ‏لمسيرته: "الجملة الموسيقية الخالدة"، وذلك كان موهوباً وبشدة في خلق الجمل الموسيقية الخالدة، ‏يصنعها عشرات المرات، ولا يبدو أن بحره ينضب‎...‎

‎**‎

‎*‎إعلامي وباحث في التراث الشعبي‎.‎











يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

12 أيلول 2020 19:29