9 تشرين الأول 2020 | 19:38

منوعات

"أبو جهاد".. مهندس الإنتفاضة و "مُرهق" جنرالات "إسرائيل"!

زياد سامي عيتاني*

تحل الذكرى ال 85 (10 تشرين الأول 1935) لميلاد الشهيد خليل الوزير أبو جهاد الرجل الثاني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وأحد مؤسسيها مع الرئيس الراحل ياسرعرفات، الذي ناضل إلى جانبه لأكثر من ثلاثين سنة، وتولى منصب نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.

عُرف أبوجهاد خلال مسيرته الكفاحية الحافلة بالإلتزام المطلق بفلسطين وبالنضال في سبيلها، متمسكا بالوحدة الوطنية وبالقرار الوطني المستقل وساعيا لتحقيق الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

إرتبط بعلاقات شخصية قوية مع المقاتلين والثوار، ونفذ عمليات فدائية منذ صباه، وخطط لعدد كبير من العمليات العسكرية المهمة والمتميزة ضد الإحتلال الإسرائيلي وقواته.

وتولى مسؤولية دعم وتوجيه الإنتفاضة  الشعبية الأولى منذ إنطلاقتها في تشرين الثاني /نوفمبر 1987 حتى لحظة إستشهاده في عملية إغتيال ضخمة نفذها جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد" يوم 16/4/1988 في تونس.



**

•البداية مع "الإخوان المسلمين":

بدأ نشاطه الوطني مبكراً في مدرسة "فلسطين الثانوية "بغزة  وإنتخب قائدا للحركة الطلابية فيها. 

أصبح وهو في السادسة عشرة اميناً لسر المكتب الطلابي في "الإخوان المسلمين" في غزة، وكان يشكل  بمبادراته المستقلة "خلايا " من رفاقه للعمل الوطني، وإختلف مع "الإخوان" وتركهم لأنه طالبهم بتبني شعار "فلسطين أولاً" قولاً وفعلاً، لكنهم رفضوا تبني وجهة نظره باعتماد الكفاح المسلح. ونفذ خلال هذه المرحلة عدداً من الهجمات على أهداف إسرائيلية في المناطق المحيطة بقطاع غزة.

**

•التعرف إلى ياسر عرفات:

 تعرف إلى ياسر عرفات في العام 1954 أثناء إحدى زيارات عرفات إلى غزة  كصحافي شاب، فقد كان  خليل الوزير مسؤلاً عن تحرير مجلة "فلسطيننا" الطلابية.

بدأت أول "حلقة" مسلحة شكلها خليل الوزير  في العام 1954 عملياتها العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية على خطوط الهدنة، وكان الفدائيون الذين ينظمهم "أبو جهاد"  يزرعون الألغام والمتفجرات على طريق دوريات الجيش الإسرائيلي.



**

•مشاركة أبو عمار في تأسس "فتح":

إلتقى ياسر عرفات مجدداً في الكويت وشارك معه في إجتماعات تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني خلال العامين 1957 و1958.

سافر مع ياسر عرفات إلى الجزائر في العام 1963، حيث تم تأسيس أول مكتب لحركة "فتح" ، وتولى جمال عرفات مسؤوليته ليعقبه أبو جهاد بعد ذلك في نهاية 1963.

نجح خلال توليه مسؤولية مكتب "فتح" في الجزائر في تعزيز العلاقات مع الحكومة الجزائرية، فحصل على موافقتها على قبول آلاف الطلاب الفلسطينيين في جامعات الجزائر، وعلى مئات البعثات الطلابية وعلى السماح بالتدريب العسكري لطلاب فلسطينين في الكلية الحربية الجزائرية، وعقد في الجزائر أول صفقة عسكرية للثورة.

خطط عملية نسف خط انابيب المياه (نفق عيلبون) ليلة الأول من كانون الثاني/يناير 1965 والتي اعتمدت تاريخا لانطلاقة الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية.

**

•الإعتقال مع "أبو عمار" في سوريا:

غادرالجزائر إلى دمشق في العام 1965حيث أقام مقرالقيادة العسكرية لقوات الثورة الفلسطينية ، وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين. 

 إعتقل هو وياسر عرفات وعشرة آخرين من مناضلي "فتح" في دمشق قي شباط 1966 بعد مقتل يوسف عرابي وهو بعثي  فلسطيني وكان ضابطاً في الجيش السوري، ومحمد حشمة وهو فلسطيني ينتمي الى حزب البعث (الجناح العراقي).

**

•الإنتقال إلى لبنان:

إنتقل مع رفاقه في العام 1971 إلى لبنان حيث إنخرط في قيادة عمليات إعادة البناء وتدريب المقاتلين والتحضير للعمليات الفدائية داخل الأرض المحتلة.

 بعد إغتيال إسرائيل لكمال عدوان في 1973 في بيروت تولى أبو جهاد مسؤولية القطاع الغربي الأرض المحتلة في" فتح"، وإستمر متحملا تلك المسؤولية حتى استشهاده.







**

•مخطط العمليات ضد الإسرائيليين:

 خلال توليه مسؤولية القطاع الغربي خطط لعدد كبير من العمليات الفدائية وأشرف على تنفيذها، ومنها عملية فندق (سافوي) في تل أبيب وعملية إنفجار الشاحنة المفخخة في القدس في العام 1975، عملية قتل البرت ليفي كبير خبراء المتفجرات الإسرائيليين ومساعده في نابلس عام 1976 ، عملية الساحل "الشاطىء" بقيادة دلال المغربي في العام 1978، عملية قصف ميناء إيلات عام 1979 ، قصف المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا عام 1981، أسر 8 جنود  إسرائيليين في لبنان ومبادلتهم بنحو 4500 أسير لبناني وفلسطيني في جنوب لبنان ونحو 100 من أسرى الأرض المحتلة، وعملية إقتحام و تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي  في صور  في العام 1982  وعملية مفاعل ديمونة عام 1988.



**

•الخروج من بيروت:

بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، توجه بعد ذلك إلى سورية  للإقامة فيها ، وواصل التردد على لبنان حيث كانت تتواجد وحدات من قوات الثورة الفلسطينية، إلى أن قررت السلطات السورية منعه من دخول الأراضي السورية ولبنان في صيف 1983 في الفترة التي كان المنشقون يحاولون خلالها السيطرة على حركة "فتح".

لينتقل بعد ذلك مع ياسر عرفات إلى تونس، حيث عُيّن، سنة 1984، رئيساً للجانب  الفلسطيني في اللجنة الفلسطينية-الأردنية المشتركة لدعم صمود الأرض المحتلة.

وفي العام 1986 إنتقل خليل الوزير إلى بغداد، بعد فشل خطة العمل المشترك الفلسطينية - الأردنية التي كان عرفات والملك حسين قد إتفقا بشأنها في شباط/ فبراير 1985.

من مقره الجديد في بغداد واصل "أبو جهاد" عمله كنائب للقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية  ، وكمسؤول عن الكفاح المسلح داخل الأرض المحتلة ،وقاد وفد "فتح" في جلسات الحوار الوطني ، التي جرت في عدة عواصم ، ونجح في التوصل إلى اتفاق أتاح عقد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني "دورة الوحدة الوطنية " في الجزائر في العام 1987.



**

•مهندس الإنتفاضة الأولى:

كان خليل الوزير أحد أبرز  مهندسي الإنتفاضة الشعبية الأولى التي إندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وشارك في توجيهها ودعمها حتى ساعة إستشهاده.

ففور إندلاع الإنتفاضة الشعبية في الأرضي المحتلة تولى مسؤولية دعمها وإسنادها وتنسيق فعالياتها بالتشاور مع القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة "السرية" في الأرض المحتلة، حيث كان فعلاً وعملاً عقل الإنتفاضة وجنرالها الذي إستطاع أن يقيم شبكات وقنوات وإتصالات منتظمة كالدورة الدموية، وليؤسس لدستور الإنتفاضة والمقاومة الشعبية في 24 نقطة قبل استشهاده...



**

•الإغتيال على يد "الموساد":

لم تكن سلطات الإحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في إندلاع الإنتفاضة وتوجيهها، حيث قد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الإنتفاضة. وقد كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأراضي المحتلة عن طريق جنيف، ليضلل عملية التنصت الإسرائيلي وقد إعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الإنتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في المنفى....

كان أبو جهاد يتردد على تونس حيث مقر المنظمة ومقرإقامة أسرته باستمرار ويمكث فيها بضعة ايام فقط، لكنه مكث 15 يوماً في الزيارة الأخيرة له في ربيع 1988، وكأنه ينتظر قدره أن يلتحق بقافلة شهداء الثورة الفلسطينية، فقد قامت وحدة "سييرت متكال" العسكرية الإسرائيلية التابعة "للموساد"، بقيادة المقدم موشيه بوغي يعلون، الذي أصبح لاحقاً رئيس الأركان ثم وزير الدفاع، بإغتياله في منزله في حي سيدي بو سعيد في تونس في 16 نيسان/ أبريل 1988، إذ، إغتالته فرقة "كوماندوس" إسرائيلية حين فاجأته وهو يعمل في منزله، مطلقة عليه نحو 70 طلقة فآستشهد فوراً.

وقد شاركت في  عملية إغتياله طائرتان عاموديتان و4 سفن حربية وغواصتين وزوارق مطاطية،

لإنزال نحو 20 عنصراً من وحدة الإغتيالات الإسرائيلية، على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة في تونس.

وبعد مجيئه إلى بيته كانت إتصالات عملاء "الموساد" على الأرض تنقل الأخبار، فتوجهت هذه القوة الكبيرة إلى منزله فقتلوا الحراس، وتوجهوا إلى غرفته، فسمع ضجة في المنزل خلال إنشغاله في خط كلماته الأخيرة على ورق كعادته، وكان يوجهها لقادة الانتفاضة، فذهب وهو يرفع مسدسه ليستطلع الأمر، فإذا بسبعين رصاصة تخترق جسده، ويصبح في لحظات في عداد الشهداء ليتوج أميراً لشهداء فلسطين.

سقط أبو جهاد شهيداً وهو واقفاً بعد أن أطلق الرصاص من مسدسه في معركة غير متكافئة، لكنه أبى إلا أن يموت واقفاً كالأشجار.

تذكر زوجته إنتصار الوزير "أم جهاد" أن آخر كلمات خطها بيده هي: "لا صوت يعلو فوق صوت الإنتفاضة)...



**

يعتبر الشهيد أبو جهاد عقل الثورة، ورمزٌ من رموز الوطنية، وثورة البندقية، وعنوان المقاومة، وحكاية الإنطلاقة، ومعنى الإنتفاضة، ورمز الإستشهاد والبطولة، إلى أن تحولت إلى أيقونة وطن تُستلْهَم منها العزة، والشموخ، والقوة...

**

*إعلامي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

9 تشرين الأول 2020 19:38