16 تشرين الأول 2020 | 12:21

فن

عمر الحريري..ودع جمهوره على المسرح ورحل!


زياد سامي عيتاني*

تحل اليوم (16تشرين الأول 2011) ذكرى رحيل الفنان الراقي والأنيق عمر الحريري، الذي قضى حياته الفنية يؤمن بأن الفن رسالة سامية، وموهبة يتفرد بها أصحابها.

كان رغم تمايزه وتفوقه قمة في التواضع، حيث لم يسع يوماً لا إلى الألقاب، ولا إلى أدوار البطولة المطلقة، ولا تصدر إسمه على "أفيشات" الأفلام والمسرحيات أو "تيترات" المسلسلات، حيث كان يحرص دوماً في البحث عن الأدوار الصادقة، بغض النظر عن حجمها ومساحتها، حتى يمتع بأدائه وإبداعه جمهوره الذي أحبه وقدره، إذ إستطاع أن يعيش في وجدان محبي السينما والدراما والمسرح، وأن يخلد إسمه في ذاكرة الفن العربي في زمن مجده وتألقه.

فالممثل عمر الحريري يعتبر واحداً من أهم نجوم الوسط الفني في مصر، فهو له تاريخ فني كبير، وقد شارك في عدد كبير من الأعمال الفنية الرائعة التي كانت محط إعجاب الكثيرين من الجمهور، سواء داخل مصر أو خارجها، وهو ما جعلة يحظى بجمهور كبير جداً في العالم العربي.

فالمرح والطيبة والبساطة والعفوية والإتقان والإجادة كلها صفات ميزت الفنان الراحل عمر الحريري، الذي غيبه الموت عن عمر يناهز 86 عامًا.

*



•يوسف وهبي يطلقه بعد تخرجه:

عشق الحريري الفن منذ نعومة أظافره، سمح المسرح المدرسي للطفل الصغير بأن يعلن موهبته جيدا، فشارك في عدد كبير من العروض، وأسس وعمره 11 عاما فرقة مسرحية أشاد نجوم كبار وقتها بالعروض والأفكار التي تقدمها داخل المدرسة.

وكان عمر الحريري يتردد بصحبة والده الذي كان عاشقاً للمسرح الراقي على الفرق المسرحية الشهيرة مثل الريحاني وعلي الكسار ويوسف وهبي، وكان أول ظهور سينمائي له في مرحلة الطفولة مع العبقري نجيب الريحاني في فيلم “سلامة في خير” عام 1937 في مشهد النشيد الشهير “يا مرحبا.”

وشغفه للفن دفعه لأن يدرس في المعهد العالي للتمثيل والتخرج في أول دفعة من المعهد مع النجم شكري سرحان عام 1947، وقدمه لجمهور المسرح والسينما الفنان الراحل يوسف وهبي من خلال عدة أعمال مسرحية ثم في فيلم “الأفوكاتو مديحة” أمام مديحة يسري ويوسف وهبي عام 1950.

**



•السينما:

بعد المشاركة في عدد من الأعمال المسرحية إنتقل "الحريري" لعالم السينما عام 1950 في أول أفلامه "الأفوكاتو مديحة" إلى جانب مديحة يسري ويوسف وهبي، لتتوالى بعد ذلك الأفلام التي لعب فيها أدوارا مختلفة، منها "موعد مع الحياة" عام 1953، و"الآنسة حنفي" عام 1954، و"أغلى من عينيه" عام 1955، و"موعد مع المجهول" عام 1959، و"الناصر صلاح الدين" عام 1963، و"المذنبون" عام 1976، و"القاضي والجلاد" عام 1978، و"خيوط العنكبوت" عام 1985.

ربما لم يكوّن ثنائي رومانسي على شاشة السينما، لكنه تألق مع سيدة الشاشة فاتن حمامة في أدوار الأخ والصديق كما رأيناه في “سيدة القصر”، و”نهر الحب”، و”موعد مع الحياة”، وتظل من أشهر أعماله “الناصر صلاح الدين” و”الوسادة الخالية”، و”الخائنة”، و”معالي الوزير” مع أحمد زكي.

يرى نقاد السينما المصرية أن عمر الحريري تألق أساساً في الأعمال التلفزيونية والمسرح وبدرجة أقل في السينما، على الرغم من تقديمه عشرات الأفلام بمشاركة أغلبية نجوم الشاشة المصريين في الخمسينات والستينات .

**



•ليبيا تحرمه نجومية السبعينات:

إبتعد عمر الحريري عن الحياة الفنية في مصر عام 1968 بعدما قصد ليبيا للعمل على تأسيس المسرح القومي الليبي، الأمر الذي حرمه من أن يكون واحداً من نجوم السبعينات في السينما المصرية . وبعد عودته من ليبيا تركزت إبداعاته الفنية في إطار أدوار أداها في المسلسلات الدرامية التلفزيونية، فقدم عدداً كبيراً من المسلسلات التي لعب فيها أدواراً مؤثرة .

**



•المسرح والعلاقة مع "الزعيم":

المسرح هو العشق الأول للراحل عم الحريري، فشارك مع عدة أجيال منهم جيل العملاقة مثل يوسف وهبي، وبعد عودته إلى مصر من ليبيا، شارك عادل إمام في ثلاث مسرحيات، تعتبر من أهم مسرحيات الزعيم وهي: “شاهد ماشفش حاجة”، و”الواد سيد الشغال”، و”الزعيم”.

وتردد عادل إمام كثيراً قبل أن يعرض على الحريري مشاركته أولى بطولاته المسرحية “شاهد ما شفش حاجة”، وذلك وفقاً لما رواه الزعيم بنفسه في برنامج إذاعي جمع بينه وبين الحريري، لأن إمكانيات الحريري من وجهة نظره تفوق ذلك، لكن بالصدفة تحدثت  إبنه الحريري مع عادل إمام والتي أبدت إعجابها بأعماله وساعدته حتى يتواصل مع الحريري الذي قبل الدور بترحاب وكان سببا أساسياً في نجاح أولى مسرحيات الزعيم .

أما الحريري فقد وصف عادل إمام بـ”إبنه” الذي يراه ممثلاً شاملاً، لا يقف عند حدود الكوميديا، ولكنه لديه كاريزما على المسرح...

**



•الدراما:

مع بداية التلفزيون إختار العمل في الشاشة الصغيرة وكان من الرواد الذين أثروا التلفزيون بأعمال مهم ومتنوعة منها: أوراق الورد" أمام الفنانة وردة الجزائرية، و"أحلام الفتى الطائر" بطولة عادل إمام، و"شيخ العرب همام" مع الفنان يحيى الفخراني، و“ساكن قصادي”. كما تألق في المسلسلات التاريخية مثل “عمر بن عبد العزيز” مع الراحل نور الشريف، ومسلسل “القضاء في الإسلام”.

كذلك شارك النجمة شيريهان في “ألف ليلة وليلة” لعامين متتاليين.

**



•السرطان لم يمنعه من تقديم الدور الأخير:

رحلته مع المرض في عام 2008 أصيب عمر الحريري بذبحة صدرية تم نقله على إثرها إلى مستشفى دار الفؤاد، وقام فريق الأطباء المعالج له بتركيب دعامتين له بالقلب، ورغم مرضه فإنه كان يصر على العمل، حيث شارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، والطريف أن الفنان الراحل كان يستعد ليحكي مذكراته على شاشة التلفزيون المصري وتقاضى شيكاً مقابل ذلك، ولكن قامت ثورة 25 يناير ولم يتمكن من صرف الشيك، كما تم إيقاف تسجيل الحلقات!

إنتقل للعيش مع إبنته عام 2008، وكان يأخذ مسكنات للمرض وبقي لا يعلم بمرضه لمدة 4 سنوات، إلى أن وافته المنية في الـ16 من تشرين الأول عام 2011، في مستشفى الجلاء العسكري، وذلك بعد تعرضه لحالة من الأعياء الشديد علي خشبة المسرح وهو يقدم عملاً مسرحياً للأطفال تحت رعاية وزارة الثقافة، بعنوان (حديقة الأذكياء)،

وإستمر عرض هذه المسرحية لمدة أسبوع واحد فقط، حيث لم يمهله القدر لإكمال عرضها، فمنذ أربعة أيام أصيب بوعكة صحية نقل على إثرها إلى مستشفى الجلاء العسكري، وهناك اكتشف الأطباء إصابته بمرض السرطان، وأن المرض انتشر في جميع أنحاء جسده ويبدو أن جسده المريض لم يتحمل الأدوية ففارق الحياة.

وبذلك يكون حقق عمر الشريف حلمه بأن تنتهي حياته وهو على خشبة المسرح...

**

إعلامي وباحث في التراث الشعبي.





يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

16 تشرين الأول 2020 12:21