17 تشرين الأول 2020 | 13:40

فن

يوسف وهبي من إبن "الباشا" المتمرد الى عميد المسرح العربي!


زياد سامي عيتاني:



تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكبير يوسف وهبى عملاق المسرح وأحد أعمدة الفن ورواده، الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 1982، بعد أن  أعطى الكثير للفن فى كل مجالاته تمثيلاً وتأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً مسرحياً وسينمائياً، وقضى عمره عاشقاً للفن حتى آخر لحظات حياته.

ورسخ يوسف وهبى الفن للناس كقيمة وقامة وميثاق شرف ومنبر يجسد فيه أسمى المعانى حتى أن مسرحه إعتبر منبراً للمواعظ والعبر، خصوصاً وأن مسرحياته ساهمت في العديد من الحلول الإجتماعية، حتى لقبها العديد من النقاد والجمهور بلقب مبعوث العناية الإلهية.

وهو صاحب أشهر عبارة في تاريخ الفن "ما الدنيا إلا مسرح كبير".

وقد تمرد الفتى الأرستقراطي يوسف عبدالله وهبي على تقاليد العائلة، واتجه إلى احتراف التشخيص، ليصبح عميد المسرح العربي، ورائد التمثيل التراجيدي في القرن العشرين، وفي سنوات الصبا جرفه تيار التمرد إلى أبواب المسارح، وأضواء الليل في ملاهي شارع عماد الدين، وتفتحت حواسه على أنغام التخت الشرقي، والإسكتشات التمثيلية في سيرك الحاج سليمان، ودارت آلة الزمن بعشرات المشاهد، لصبي يقف على ترعة همام، ومصارع السيرك، ودقات المسرح، وأصداء التصفيق، وانحناء مؤسس مسرح "رمسيس" لتحية الجمهور...

**



•البداية "مونولوجيستاً" ومصارعاً في "سيرك":

كانت بداية علاقته بالتمثيل عندما شاهد فرقة الفنان اللبنانى سليم القرداحي، وبدأ هوايته بإلقاء "المونولوجات" وأداء التمثيليات بالنادى الأهلي والمدرسة، لكن والده وعائلته أرادت إبعاده عن هذا المجال الذي رأت فيه عاراً على العائلة، حيث كان ينظر إلى الممثل "المشخصاتي" على أنه شخص لا يعتد به ولا بشهادته أمام المحاكم وقتها، لكن الشاب أصر على موقفه، ولكي يتخلص من ملاحقة عائلته قام الشاب بتغيير إسمه إلى "رمسيس"، وإلتحق بالعمل فى "السيرك"، حيث عمل مصارعاً فى (سيرك الحاج سليمان) وتدرب على يد بطل الشرق فى المصارعة آنذاك المصارع عبد الحليم المصري.

**



•الهرب إلى إيطاليا:

ومع إصرار يوسف وهبى على موقفه فى العمل بالفن، طرده والده، فهرب الشاب إلى إيطاليا بإغراء من صديقه القديم محمد كريم بعد الحرب العالمية الأولى، حيث درس التمثيل، وتتلمذ على يد الممثل الإيطالي "كيانتوني"، وعاد إلى مصر سنة 1921، بعد أن وصله خبر وفاة والده الباشا، والذى ترك له ولأخوته ثروة كبيرة، فيأخذ ميراثه وقدره «عشرة آلاف جنيه ذهبية»، ليبدأ مرحلة جديدة في مشواره الفني.

**



•إنشاء فرقة "رمسيس":

عندما عاد يوسف وهبي إلى القاهرة بعد أن أكمل دراساته المسرحية، وبعدما حصل على الميراث الذي تركه له والده كان والده قام بإنشاء فرقة مسرحية أطلق عليها فرقة "رمسيس"، وقرر أن يقدم بها شيئاً مختلفاً عن ما يقدمه مشاهير المسرح في ذلك الوقت علي الكسار ونجيب الريحاني، حيث عكف على قراءة عشرات النصوص المسرحية التي سيقوم بتمثيلها.

وكانت أولى أعماله مسرحية “المجنون” والتى عرضت على مسرح “راديو” عام 1923، وتوالت أعماله المسرحية الواحدة تلو الأخرى، أحياناً تقابل النجاح وأحياناً تقابل الفشل، وتميزت أعماله بالكثرة في الموسم الواحد،

وكانت معظم مسرحياته في بدايات حياته مترجمة عن أعمال عالمية لشكسبير وموليير وإبسن، وكان معظمها يحمل الطابع الميلودرامي.

كذلك عمل وهبي على تشجيع المسرحية المؤلفة مصرياً التي كانت بداية للإهتمام بالكتاب المسرحيين من المصريين.

**



•توعية الجمهور وإنشاء مسجد في المسرح:

عمد يوسف وهبي بجانب تمثيله الأدوار الرئيسة في مسرحياته إلى التأليف والإخراج، وكان يهدف من وراء أعماله إلى نشر الوعي الإجتماعي ونقد عيوب المجتمع، حيث قدم موضوعات هادفة ومناقشة القضايا الجادة مثل الزواج من أجنبيات، وأطفال الشوارع، ومحاربة الإستعمار والفساد.

كذلك قدم الروايات التى تحض على الفضيلة والأخلاق والقيم وتبث روح وتعاليم الدين الإسلامى الحنيف، ولكي يؤكد على هذه النظرية أنشأ مسجداً في قلب المسرح وعين فيه إماماً ومؤذناً ويعطل فيه البروفات أثناء أوقات الصلاة.

كما أنه منع التدخين فى قاعات العرض، وعود أفراد فرقته على إحترام مواعيد رفع الستار، والإلتزام بالنص، وتنفيذ تعليمات المخرج.

**



•مخصص شهري فاروق وتأسيس المسرح القومي:

كانت فرقته التى كونها تضم عمالقة وأساتذة الفن ورواده، حيث

شارك يوسف وهبي في الفرقة حسين رياض وأحمد علام وفتوح نشاطي ومختار عثمان وعزيز عيد وزينب صدقي وأمينة رزق وفاطمة رشدي وعلوية جميل، وقدموا روايات مؤلفة ومعربة ومقتبسة من الأدب العالمي، مما جعل مسرحه معهداً للفن، وصار مؤسسه من ألمع أساتذة المسرح العربي.

وكانت فرقته تجوب بلدان العالم بأسره عربياً ودولياً فكان سفيراً لمصر لأنحاء العالم، مما جعل الملك فاروق يخصص لفرقته مخصصا شهريًا قدره ١٠٠٠ جنيه مصري، إضافة إلى تكليفه عام 1933 بتشكيل فرقة المسرح القومي.

قام يوسف وهبي بتمثيل 302 من المسرحيات العالمية، وأخرج منها 185 مسرحية، وقام بتأليف 60 مسرحية أبرزها: "راسبوتين"، "ابن الفلاح"، "بنت المدارس أولاد الشوارع"، و"بيومي أفندي".

**



•الأزهر يمنعه من تجسيد دور النبي محمد:

في ذروة تألقه، تعرض لأزمة كادت أن تعصف بنجاحه الفني، حيث نشرت إحدى المجلات الإيرانية سنة 1928 أن شركة سينماتوغراف الفرنسية جاءت إلى مصر، وإتفقت مع عميد المسرح العربي على تمثيل فيلم النبي محمد، وإشترطت أن ينتقل مع بعض أفراد فرقته إلى باريس، وأن الفيلم من إنتاج تركي، وحضر المنتج إلى القاهرة وبصحبته المخرج توجو مزراحي، وبعد المقابلة أخذ وهبي يستعد لأداء دوره وصنع لنفسه صوراً فوتوغرافية للشكل الذي سيظهر عليه في الفيلم، وهي صورة لا تختلف عن صورة راسبوتين، لتفتح عليه أبواب جهنم من كل صوب وحدب، وشنت حملة شرسة ضده، وأرسل شيخ الأزهر خطاباً إلى وزارة الداخلية في اليوم التالي مباشرة يطالبها فيه بالتحقيق في الأمر ومنع هذا "المشخصاتي" من القيام بالدور حتى لو إقتضى الأمر منعه من السفر بالقوة وإيداع السجن، كما طالب أن تخاطب حكومة باريس بواسطة السفارة المصرية هناك لمصادرة هذه الرواية، وإستدعت الداخلية يوسف وهبي وحققت معه وأرسلت رداً للأزهر تقول فيه إن يوسف وهبي سيعتذر في الصحف عن قبوله هذا الدور .

**

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

17 تشرين الأول 2020 13:40