اعتبر المحامي حسن شمس الدين ان " الموقف الذي أعلنه دولة الرئيس سعد الحريري حول موضوع قانون العفو ومن ثم موقف دولة الرئيس ايلي الفرزلي، شكّل مقاربة جديدة لهذه القضية فأخرج موضوع العفو العام من البازار السياسي والإستثمار المصلحي المباشر ومن تجاوزاته الفجة ومن هذا الصخب المتصاعد في حفلة البيع والشراء والمزايدة وتصنيف السجناء الذين سيشملهم القانون وفق الأهواء السياسية والزبائنية والطائفية على حساب الأسباب الموجبة الحقيقية والضرورية والغاية الأساس منه وكل ذلك على حساب منطق القانون والدولة ووالفصل بين السلطات ودائماً على حساب آليات العمل القضائي وانتظامه".
وقال شمس الدين في قراءة سياسية وقانونية لـ"طرح الرئيس سعد الحريري حول موضوع العفو خلال مقابلته الإعلامية الأخيرة ":" إن المقاربة الجديدة التي قدمها الرئيس الحريري تبدو ملتزمة بالقواعد العامة الأساسية لفكرة قيام الدولة بأن تكون دولة قانون ومؤسسات تهدف في جوهرها لتحقيق العدالة والإنتظام العام نقيضاً للإرتكابات الظالمة ومسارات الإنزلاق نحو الفوضى والعشوائية والإستنسابية. وإن ما يدفعنا للجزم بوجود مقاربة جديدة لموضوع العفو العام هو الرفض الصريح والواضح للطريقة التي تحكمت بمعظم العقول التي صاغت واقترحت، وللطريقة التي أنتجت هذا الكم من السجالات وبخاصة خلال وبعد الجلسة السابقة لمجلس النواب، والتي استمرت عبر العديد من البيانات والتصريحات والمواقف لتثبت وتظهر مجدداً حقيقة ما تضمنته أكثرية الإقتراحات المتعددة بهذا الخصوص من غايات واستباحات للقواعد القانونية وانتهاكات بحق القرارات والأحكام القضائية".
ورأى شمس الدين ان " محاولات بعض السياسيين توظيف مناسبة البحث بقانون للعفو العام بما يخدم مصالحهم ويعزز شعبيتهم عبّد السبل والطرقات نحو كل أنواع المزايدات بعيداً عن الغايات الأساسية التي كانت معلنة ومرجوة وبعيداً عن أي التزام بالسقوف والضوابط الوطنية وليتحول مادة انقسام طائفي عامودي حاد" وقال" بعضهم يريد قانون عفو يطلق سراح العملاء ويرفض شموله الإسلاميين وبعضهم يريده عفواً عاماً لكن عينه على إطلاق سراح تجار المخدرات... ومنهم من يرمي إلى ضمان عفو (ضمناً) يشمل جرائم هدر المال العام والسرقات والتعديات على الأملاك العامة.كما أن البعض ذهب إلى المطالبة بعفوٍ خاص لينتقي ما ومن يناسبه... ويقطع الطريق على آخرين ربما يستحقون العفو... وبعضهم ذهب إلى عفوٍ عام بظاهره لكنه محصور بفئة معينة ضمناً".
ولخص شمس الدين موقف الرئيس الحريري الأخير حول ما سمي بقانون عفو عام بأن "هناك أناس مظلومون هم من يجب أن يشملهم العفو حصراً... واننا لا نريد الإفراج عن تجار المخدرات ولا عن عملاء مرتكبين ولا عن المعتدين على الجيش وقوى الأمن ومؤسسات الدولة... وأي عفو لا يتحقق من خلاله رفع مظلومية ليس هو العفو المطلوب".
ورأى شمس الدين ان "الاقتراح العملي لتحقيق "رفع المظلومية" يكون كما حدده الرئيس الحريري من خلال أن هناك لجنة في القضاء مسؤولة عن تخفيض مدة المحكومية يفترض أن تصدر توجيهاً بهذا الخصوص وأن يسمع لها. الأمر الذي يعني إقصاءً للسياسة وأهوائها بما يضع تحقيق العدالة ورفع المظلومية والتقيد بالقوانين والإلتزام بآليات العمل القضائي في مسارها المؤسساتي الصحيح ومن ضمن آليات العمل القضائي نفسه وتحت سقف القرارات والأحكام القضائية وبما لا يخالف القانون والقواعد القانونية".
واشار شمس الدين الى أن "موقف الرئيس الحريري هذا اوصد الباب من اليوم وصاعداً على كل بحث بقانون "عفوٍ عام" ومهد لمعالجات واجتهادات عملية وعلمية وقانونية يمكن من خلالها إسدال الستارة عن كل المساوئ والإنزلاقات والإنحرافات التي سيطرت على المشهد السابق وتؤسس لآفاق جديدة تصيب مكامن الظلم وتحقق العدالة المستدامة بكل أبعادها القانونية والإنسانية".
وقال " أما وأننا وقد أصبحنا أمام مقاربة جديدة للموضوع برمته وإذا كانت المظالم بمعظمها ناتجة عن خلل في التدابير والقرارات والإجراءات وعن خلل في بعض النصوص القانونية والآليات الإجرائية وبأغلبها مرتبط بأصول المحاكمات فلما لا نستفيد من ذلك لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي والمفيد، ونحول الإنسدادات إلى فرصة باتجاه المزيد من تحقيق العدالة ورفع الظلم أو تقليصه لأبعد حدود".
وحدد شمس الدين "الآلية القضائية التي اقترحها الرئيس الحريري بـ"العودة أو اللجوء لأداة قضائية قائمة أصلاً والتي يرعاها قانون تنفيذ العقوبات (رقم 463 تاريخ 17/9/2002 وتعديلاته)" فقال" وبالمناسبة فإن هذه اللجنة تعمل بوتيرة عالية جداً وفق الآلية والشروط المحددة لها قانوناً بإشراف وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى ومن أبرز تلك الشروط للنظر في تخفيض العقوبة أن يكون المحكوم قد نفذ جزءً من محكوميته وأن يكون حسن السيرة ولا يوجد لديه سوابق جرمية متعددة من ذات الفعل".
واضاف" مما لا شك فيه أن المزيد من تفعيل هذه الآلية من شأنه أن يساهم في معالجة الكثير من الحالات ويحقق الكثير في الغايات المنشودة خاصة إذا ما أقدمت السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية على اتخاذ جملة من التدابير والقرارات الإجرائية الملحة والتعديلات القانونية الضرورية بما في ذلك إتماماً لبعض التعديلات على آليات العمل القضائي المعتمدة والتي نحددها بالتالي:
* في معالجة معضلة اكتظاظ السجون" : من خلال خطة متكاملة تنطلق من مبدأ أن هذه المعضلة هي في الأساس من مسؤولية السلطة التنفيذية التي يتوجب عليها حصراً إيجاد حل لها على قاعدة أن الموقوفين هم من حيث المبدأ أشخاص ارتكبوا جرائم ويفترض أن يحاسبوا عليها خاصة في بلد يحتاج إلى التشدد والحزم في التصدي للجرائم ومظاهر الفلتان المستشري. وإن السياسات التي اعتمدتها السلطة التنفيذية حتى اليوم في معالجة هذه المعضلة جنحت وبشكل دائم لاستبدال المعالجة بإلقاء مسؤولية الإكتظاظ في السجون على الجسم القضائي والضغط عليه من هذا الجانب توخياً لحلول من خارج القانون ولتحقيق غايات تتنافى مع منطق الثواب والعقاب والعدالة" .
ورأى شمس الدين أن "الحجر الأساس العملي في معالجة معضلة السجون يكون وعلى مراحل بإنشاء سجون في المحافظات للجرائم البسيطة والغير خطرة توفر إلى حد بعيد على الأهالي عبء الإنتقال وتبقى السجون المركزية للمجرمين الخطرين والجرائم الكبيرة،علماً أن هذا الحل يخفف الأعباء عن الأجهزة الأمنية المولجة حراسة السجون وسوق الموقوفين من وإلى المحاكم وذلك بدل توزيع السجناء على مراكز المخافر المتفرقة وفصائل الدرك وغيرها ويساهم في تعطيلها عن ممارسة مهامها الرئيسية".
* ضرورة لتعديل بعض القوانين ، ومن أهم القوانين التي ثبت تضمنها الكثير من الظلامة :
- قانون المخدرات ولا سيما (المواد 126 و 127 منه) والذي يساوي في العقوبة بين مروج بسيط وتاجر كبير وأيضاً يساوي في العقوبة بين من يستخدم مواد مخدرة بسيطة (كالحشيشة التي سمح بتداولها في الكثير من البلدان) وأيضاً بعض الأدوية البسيطة وغير الخطرة وتحتوي على كميات مخدرة غير خطرة والتي تباع في الصيدليات وغيرها وبين من يستخدم مواد خطرة كالهيرويين والكوكايين وغيرها من المخدرات الصناعية وحبوب الهلوسة.
- القانون المتعلق بالسرقة المشددة (المادة 640 عقوبات) والتي ترفع العقوبة إلى السجن المؤبد عند توافر ظروف معينة بحيث يجب أن يصبح تطبيقها جوازياً للقاضي وليس إلزامياً بمعنى أن يكون للقاضي الحق بإعفاء المحكوم عليه من تطبيق هذه المادة في حال ثبت لديه بأن الجرم المرتكب تافه وغير خطر وضرره بسيط".
* ضرورة تعديل بعض قوانين أصول المحاكمات الجزائية: الواضح أن القوانين التي تعمل عليها المحاكم سواء في مرحلة الملاحقة أو المحاكمة أمام محاكم الأساس أو في طريقة إصدار الأحكام هي قوانين قديمة بجوهرها لا تراعي العصر وقد تجاوزتها معظم دول العالم. علماً أن التعديلات في المراحل السابقة لم تقدم أي بعد تحديثي أساسي يتناسب مع روح التطور.
ورأى ان من أهم الإشكاليات التي يجب التصدي لها ومعالجتها وإتمام التعديلات الضرورية بشأنها: إجراءات التبليغ ، وإجراءات المحاكمة ولا سيما عندما تكون الملاحقة حاصلة لأكثر من شخص في ذات الملف مع ما يشمله ذلك من تعارض في المصالح بين من يريد الإسراع في إصدار الحكم وبين من يريد استغلال الإجراءات لإطالة أمد القضية تهيئة لتوفر شروط إخلاء السبيل وأيضاً عندما تكون الملاحقة حاصلة في ملف واحد لأشخاص موقوفين وآخرين فارين أو غير موقوفين لا يمكن والحالة هذه السير في الدعوى دون إتمام إجراءات تبليغ معقدة أصلاً. هنا نلاحظ أنه وفي كل قضية تشمل 4 أو 5 أشخاص أو أكثر يستحيل صدور حكم بها قبل مرور عدة سنوات، علما أن أي تعديل سنكون بصدده يجب أن يتجه نحو مبدأ المحاكمات الفردية وأن لا يكون الجمع بين شخصين أو أكثر في محاكمة واحدة إلا في حالات إستثنائية (أسوة بكثير من البلدان). ومن هذا القبيل وعندما يكون هناك عدد من الملاحقات لشخص واحد في ملفات متشابهة كتجارة المخدرات أو السلب يفترض والحالة هذه أن تتم هذه الملاحقات جميعها في إطار قضية واحدة وأمام محكمة واحدة بدلاً من تعدد الملفات والمحاكم مع ما يستتبع ذلك من أعباء وهدر لوقت المحاكم والأجهزة الأمنية المكلفة بالسّوق والشهود وغير ذلك". وتبقى الملاحظة بأن القوانين اللبنانية بشكل عام هي الأكثر تساهلاً بين مثيلاتها في العالم وخاصة بالإستناد لنص (المادة 205 عقوبات - الإدغام والجمع) التي تفرض على القاضي بالمحصلة جمع العقوبات على المحكوم عليه بمعنى أن الشخص المدان بجرائم متعددة وملفات لا تحصى ينفذ عقوبة واحدة هي الأعلى ويمكن في أقصى الحالات أن يضاف إليها ما يوازي نصفها فقط هذا كله إلى جانب أن السنة السجنية في لبنان هي تسعة أشهر بدلاً من إثني عشر شهراً.
وخلص المحامي شمس الدين للقول " ان فكرة البحث بقانون للعفو العام قد سحبت من التداول وطويت صفحتها وبأن تحقيق الغايات الأساسية من الخوض بهذا المسار إن لجهة رفع الظلم عن المظلومين وتقليص المخاطر ذات الإرتباط بالسلامة الصحية وفقاً للمستجدات الطارئة ومحاصرة الإستغلال المقيت لبعض الآليات البالية المعتمدة وغير المجدية ووجوب اختصارها، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مقاربات جديدة يبدو أن بشائرها قد أطلت ويمكن الإنطلاق منها لبناء الكثير توخياً لتحقيق العدالة بأقصى أبعادها وبما يعزز مبدأ الفصل بين السلطات ويحصن الإستقلالية القضائية ويحمي قراراتها ويبعدها عن أهواء التوظيف السياسي ويحمي القوانين من الإستباحات والإنكسار ويحافظ على هيبة الدولة كمرجعية باعتبارها يجب أن تكون دولة قانون ومؤسسات".
رأفت نعيم
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.