29 تشرين الأول 2020 | 21:43

ثقافة

في الذكرى الستين لرحيله... ألبير كامو بين التمرد والعبث والتسامح

في الذكرى الستين لرحيله... ألبير كامو بين التمرد والعبث والتسامح

ستون عاماً على موت الكاتب والمفكر الفرنسي ألبير كامو في حادث سيارة، وهو في ريعان ‏شبابه وعطائه ومنجزاته، لحظة تراجيدية وراءهازمن من الإبداع والحرية والتجديد، وتجاوز ‏الأنظمة الفكرية التوتاليتارية وخصوصاً السوفياتية في تلك المرحلة.‏

عرف كامو كل ما في زمنه من أحداث وظواهر، من الحرب الإسبانية والحرب العالمية الثانية، ‏والحرب الجزائرية، والمجد (جائزة نوبل عام 1967) والسجالات الأكثر حيوية وقسوة ‏خصوصاً مع الفيلسوف جان بول سارتر.‏

بعد نحو مئة عام من مولده (1913) في موندوف (ليست بعيدة عن مدينة عنابة الجزائرية) من ‏أب فرنسي وأم أمية وتكاد تكون طرشاء وعمياء، وتعمل خادمة في المنازل بعدما هجرها ‏زوجها.‏

يعني، عاش فقراً شديداً، ومصاعب في طلب التعليم، والثقافة، والتي أجتازها كلها بشغفٍ نادرٍ أو ‏بقوةٍ غامضة تدفعه في خطواته وتحركاته. جزائري! نعم! فهناك وُلد. جزائري بالبيئة، فرنسي ‏بالهوية.‏

بعد ستين عاماً من رحيله، ليس فقط أن نتاجه ما زال مقروءاً في كل العالم بل أن حضوره ‏المتوهج مازال يبرق في الذاكرة الجماعية.‏

ولكن بما أن كامو متعدد، أديب، مسرحي، صحافي، فيلسوف، فنان، فكان لكل قارئ ذائقته، أي ‏لكل "طرف منه" فبالنسبة إلى بعضهم هو الكاتب الكبير الذي برزت حساسيته الفنية في جملته ‏الأولى التي كتبها في مؤلفه "أعراس" ومنها "في الربيعفيبازا" مسكون بالآلهة، والآلهة تكلم ‏الشمس، ورائحة زهرة الافسنت، البحر والسماء الزرقاء العارية، الحطام المغطى بالأزهار ‏والضوء. أما بالنسبة إلى بعضهم الآخر فهو المفكر، الداعي إلى التسامح، والسلام، وفي ظل ‏الحرب الباردة "الأيديولوجية" بين اليسار واليمين، واجه الفكر السياسي المطلق، الأيديولوجي ‏والشموليـة وإدانته كل أشكال البربرية والقمع من حيثما وردت...‏

وهناك كامو الصحافي، وريشتهُ تجمع بين الوضوح والموهبة والدقة والابتكار. وفيها دان فظاعة ‏قصف هيروشيما وناكا زاكي بقنبلتين ذريتين، وطالب بإلغاء حكم الإعدام.‏

أما كاتب هذه السطور، فيعرف كامو المفكر الحر، غير الأيديولوجي، وكل فلسفة جاهزة، وهنا ‏مشكلته مع سارتر. الذي، كما هو معروف، انطلق من فكرة "المعيش" في تناول الواقع، ‏والظواهر الاجتماعية، وبنى معمارية فلسفته الوجودية التي تأثر بهوسرل وهايدغر. لكنه عاد إلى ‏تبني "المفهومية" التجريدية (الأيديولوجية)، وهنا نقطة الخلاف مع كامو.‏

فكامو جافى كل فكر أيديولوجي مقولب، "جوهري"، يأتي من العقلانية "المحددة" ليتعامل مع ‏فكرة التاريخ، الذي رفض تلقيها "كنظام مطلق"، أو خدمتها بعيون مغمضة.‏

من هنا تأتي نظرية العبث عند كامو، العبث عنده يُعايَش، يعني أنه ليس "مفهوماً" ‏concept‏ ‏بل مسالة حساسية، شعور بالعبث، يعيش العبث من دون تفكيره كمجاز مفهومي، إنه شغف وألم ‏في الفكر، وكأن ظاهرة منتشرة، لكن خصوصية في تلك المرحلة من النصف الأول من القرن ‏العشرين جهد كامو في كتاباته لوصف العبث تحت شكل مطهر (منقى) متحرر من كل مفهومية ‏قد تؤدي إلى الانتحار (في كتابه الإنسان المتمرد) العبث هو المنحى الأكثر عمومية حول ‏‏"النيهيلية" (الترجمة القاموسية العربية الكلبية" أي السلبية المطلقة، وتجاوزها: العبث بهذا المعنى ‏تجسيد للنيهيلية، لكن كامو يوضح: ليس هناك نيهيلية سلبية وأخرى إيجابية، وهنا يلتقي ويتقاطع ‏مع دوستويفسكي (صاحب الجريمة والعقاب، والإخوة كارمازوف) وخصوصاً نيتشه، ‏فإشكاليتهما قريبة من إشكاليته، وكلتاهما في (الإنسان المتمرد). وهذا نجده أيضاً في رواية ‏‏"الغريب" ومسرحية "كاليغولا".‏

أما المسألة الأخرى التي أثارت جدلاً كبيراً، ونقد من بعض المثقفين في الحرب الجزائرية... ‏أولاً، لطالما صرح كامو بارتباطه بمسقط رأسه الجزائر، كتب: "منح العدالة للشعب العربي ‏الجزائري وتحريره من النظام الاستعماري" هذا يدل على تمسكه بفكرة العدالة، حتى ولو انحرف ‏‏(كما يقول عديدون) عن تأييده المقاومة الجزائرية المسلحة التي تطالب بخروج الاستعمار ‏الفرنسي من أراضيها. هنا، رأي كامو مظلل، أو حتى "عبثي" من ناحية يؤيد تحرر الجزائر، ‏ومن ناحية أخرى يطالب بنظام واحد لأمتين، أي ما يشبه الكونفدرالية، وقد هاجمته أوساط ‏المقاومة واتهمته بالخيانة، هنا العدالة الناقصة المبررة، وهنا بالذات اختلف مع سارتر وسيمون ‏دوبوفوار وسواهما من المثقفين الذين طالبوا فرنسا بالخروج من الجزائر، ومنح الاستقلال ‏لشعبها، والمفارقة أن سارتر الفرنسي يؤيد تحرر الجزائر، والجزائري كامو يريد اتحاداً ‏فدرالياً... لابدّ أن يكون قناعاً جديداً للاستعمار.‏

ولا ننسى روايته الكبرى "الطاعون" (يتكلم فيها عن حرب الجزائر) والتي مع سواها، مهدت ‏لمنحه جائزة نوبل، ولا أنسى كتابه الرائع "السقوط" الذي أحببته أكثر من كل كتبه، إضافة إلى ‏قصصه الطويلة نسبياً، أو المتوسطة.‏

لكن كامو اشتغل في المسرح، ومثل على خشبته، وشارك فرقة مسرحية في نشاطاتها وكتب ‏العادلون" و "كاليغولا" و "قضية مهمة" (عن دينو بوزاتي)، "المسكونون" (عن دوستويفسكي).‏

لكن كتاباته المسرحية مليئة بالأفكار المباشرةوالوعظية، وبالحوارات الذهنية، خصوصاً ‏‏"العادلون" برغم أن أهم مسرحياته هي "كاليغولا".‏

فإذا كان كامو انتصر فكرياً، وفلسفياً، على سارتر، فإن سارتر سجل انتصاراً عليه في المسرح ‏بأعماله "خلف الأبواب الموصدة" و"الذباب"...‏





ب.ش


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

29 تشرين الأول 2020 21:43