1 كانون الأول 2020 | 10:42

إقتصاد

أكثر من نصف سكان لبنان فقراء

أكثر من نصف سكان لبنان فقراء

حلّل تقرير جديد للبنك الدولي الأسباب الجذرية للأزمات الاجتماعية والاقتصادية القائمة في ‏لبنان، ودعا إلى تشكيل حكومة ذات توجه إصلاحي لتنفيذ برنامج إصلاح شامل على وجه ‏السرعة‎.‎

وبعد مرور عام على نشوب الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، أدى الافتقار المقصود إلى ‏إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل، وفقاً لما ‏جاء في تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الذي صدر اليوم‎.‎

وقال التقرير إنّ لبنان يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث ‏باتت هجرة العقول تٌمثل خياراً يائساً على نحو متزايد. ويتركز عبء التعديل الجاري في القطاع ‏المالي بشكل خاص على صغار المودعين الذين يفتقرون إلى مصادر أخرى للادخار، والقوى ‏العاملة المحلية التي تحصل على مستحقاتها بالليرة اللبنانية، والشركات الصغيرة‎.‎

ويناقش عدد خريف 2020 من تقرير المرصد اللبناني الصادر بعنوان “الكساد المتعمد” ‏التطورات الاقتصادية في لبنان، محلّلاً مختلف عناصر الأزمة، ويعرض لمحة عامة عن ‏التوقعات الاقتصادية للبلاد والمخاطر المحتملة. وعلى مدى أكثر من عام، يتعرض الاقتصاد ‏الكلي في لبنان لأزمات متفاقمة، بدءاً بأزمة اقتصادية ومالية، تلتها أزمة فيروس كورونا وأخيراً ‏الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت. ومن بين الأزمات الثلاث، كان للأزمة الاقتصادية الأثر ‏السلبي الأكبر والأطول أمداً. ومن المتوقع أن يتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ‏بشكل حاد إلى -19.2% عام 2020، بعد انكماشه -6.7% عام 2019. وقد أدى انهيار العملة ‏إلى معدلات تضخم تجاوزت حد الـ100%. ويعمل التضخم بمثابة ضريبة تنازلية شديدة، تؤثر ‏على الفقراء والمحرومين بشكل غير متناسب، وكذلك الأشخاص ذوي الدخل الثابت مثل ‏المتقاعدين. وأدى التوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الوافدة إلى استنفاد احتياطي ‏العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان‎.‎

وفعلياً، وفق التقرير البنك الدولي، لا يزال تحويل الودائع بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانيّة ‏والاقتطاع من الودائع في الدولار الأميركي جارياً على الرغم من إلتزام مصرف لبنان والبنوك ‏التجارية بحماية الودائع‎.‎

ومن المرجح أن تستمر معدلات الفقر في التفاقم، لتغطي أكثر من نصف السكان. ومما لا شك ‏فيه أن انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بالقيمة الحقيقية وارتفاع التضخم ‏سيؤديان إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر وسيؤثران على السكان من خلال قنوات مختلفة مثل ‏فقدان فرص العمل المنتجة، وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية، وتوقف التحويلات الدولية. ومن ‏المرجح أن تغتنم اليد العاملة عالية المهارة الفرص المحتملة في الخارج، مما يشكل خسارة ‏اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد‎.‎

وفي معرض التعقيب على التقرير، قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في ‏البنك الدولي، إنّ “غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على ‏تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل”، مضيفاً أنّه “يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تنفّذ ‏على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ ‏تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، فضلاً عن اتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي ‏للتحديات الهيكلية. وهذا أمر لا بد منه لاستعادة ثقة اللبنانيين، ولا سيما الشباب، الذين برهنوا مرّة ‏تلو المرة عن قدرتهم على الصمود في وجه المصاعب، ولكنهم يعانون حالياً من العبء ‏التراجعي للتعديلات المالية‎”.‎

لقد اختلفت السلطات في ما بينها حول تقييم الأزمة وتشخيصها وحلولها. وكانت النتيجة عدداً ‏كبيراً من التدابير غير المنسّقة وغير الشاملة وغير الكافية في مجال السياسات العامة، وهو الأمر ‏الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وأخفقت الحكومة في وضع سياسة للمالية ‏العامة تتسق مع إطار متوسط الأجل للاقتصاد الكلي ذي مصداقية. ودعا القطاع المصرفي إلى ‏إنقاذ القطاع المالي من قبل القطاع العام وهو ما لا يتفق مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي ‏دافعي الضرائب. كما فشلت السلطات النقدية في معالجة أزمة أسعار الصرف وارتفاع التضخم. ‏ولم تتخذ الحكومة بعد التدابير اللازمة للتخفيف من حدة الفقر عبر معالجة الآثار الاجتماعية ‏للأزمات على الأسر الفقيرة والمحرومة من خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي‎.‎

وكما يظهر تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني، في الفترة التي سبقت الأزمة الاقتصادية، كانت ‏أساسيات الاقتصاد الكلي في لبنان ضعيفة مقارنة بمجموعات مختارة من الأزمات العالمية. لذا ‏يتوقع أن تكون عملية التعديل أكثر صعوبة، حتى مع وضع تدابير مثلى على صعيد السياسات ‏العامة. بعد مرور عام على الأزمة الاقتصادية، لم يتم بعد إقرار هذه السياسات، ناهيك عن ‏تنفيذها. ونتيجة ذلك، من المرجح أن تكون الأزمة الاقتصادية في لبنان أعمق وأطول من معظم ‏الأزمات الاقتصادية‎.‎

ويتطلب إعادة البناء على نحو أفضل أن يعطي لبنان الأولوية لبناء مؤسسات أفضل، وحوكمة ‏رشيدة، وبيئة أعمال أفضل، إلى جانب إعادة البناء المادي‎.‎

ومع ذلك، ونظراً لحالة الإعسار التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطيات كافية من النقد ‏الأجنبي، فإن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة ‏الإعمار الشاملين. وسيتوقف مدى وسرعة تعبئة المعونات والاستثمارات على ما إذا كان بإمكان ‏السلطات والبرلمان العمل سريعا على إصلاحات المالية العامة وإدارة الحكم والإصلاحات المالية ‏والاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها. إذ أنه بدون تلك الإصلاحات، لا يمكن أن يتحقق تعاف ‏مستدام ولا إعادة إعمار، وسيواصل الوضع الاجتماعي والاقتصادي دهوره‎.‎

ويطرح القسم الخاص بالتقرير أجندة إصلاحية شاملة للمناقشة. وتهدف الأجندة المقترحة إلى ‏معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية ويمكن أن تمهد الطريق لاقتصاد أكثر إنصافا وكفاءة ‏وقدرة على التكيف. وبذلك، تضع الأجندة إصلاحات الحوكمة والمساءلة في مركز الصدارة، إلى ‏جانب تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي في إطار سعيها إلى إعادة بناء الثقة. وتتضمن أجندة ‏الإصلاح المقترحة خمس ركائز: 1) برنامج لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي؛ 2) حزمة ‏إصلاحات الحكم والمساءلة؛ 3) مجموعة إصلاحات تطوير البنية التحتية؛ 4) أجندة إصلاح ‏للفرص الاقتصادية؛ 5) حزمة إصلاحات لتنمية رأس المال البشري. ولأجندة الإصلاح شرط ‏مسبق واحد هو التزام صانعي السياسات اللبنانيين بإعادة بناء اقتصاد أكثر إنتاجية وإنصافاً ‏ومرونة‎.‎

ويُعنى قسم التركيز الخاص هذا بإثراء نقاش مفتوح بين الشعب اللبناني وبينه وبين حكومته. ‏ويهدف إلى الإسهام في النقاش الذي ينبغي أن يجري على طريق الخروج من الأزمة الجارية، ‏وتسلسل الإصلاحات، والرؤية الإنمائية الطويلة الأجل، وكلها أمور مترابطة. وكلها تتطلب ‏تمويلاً. ومع ذلك، وقبل أن يتم أي تمويل للانتعاش الاقتصادي، يجب على لبنان استعادة الثقة ‏بين الحكومة والمواطنين، وبين الحكومة والمستثمرين، وبين الحكومة والمانحين‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 كانون الأول 2020 10:42