راشد فايد – النهار
قفا نحك
"نُفخَت" الروح في المبادرة الفرنسية، مرتين، حتى اليوم: الأولى يوم فاجأ سعد الحريري الرأي العام، قبل أسابيع، وأشهًر استعداده لتشكيل حكومة وفق مواصفات المبادرة الفرنسية. أما الثانية فكانت نهاية الأسبوع الفائت، وتكرست الأحد في عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وفيها حرَص على ان يقول علنا خلاصة ما قاله لرئيس الجمهورية في اجتماعهما الأخير: لا لحكومة محاصصات، ونعم لحكومة غير سياسية وغير حزبية، وجوهها من المجتمع المدني "بفضل كفاياتهم وانجازاتهم" على ان يتم تشكيلها في اطار الشراكة والمداورة، وعلى ان تتفرغ لمشروع الاصلاحات، وتضع في اولوياتها اعادة بناء المرفأ وبيروت، و"معرفة من قتل أبناءها، ومن أتى بالمتفجرات، ومن يمتلكها ومن سمح بتخزينها، وغطى عنابرها، وسحب كميات منها بشكل دوري". وتوج البطريرك موقفه بالقول: لم أجد سببا واحدا يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوما واحدا. وكان يمكنه ان يضيف: لا يمكن عاقلا ان يصدق ان المناوشات السياسية، بين "ثلث معطل" ووحدة المعايير، هي ما يترك ولادة الحكومة المنتظرة قيد الحمل لثلاثة أشهر، وقد تزيد.
للتذكير، يقول ناظر الخارجية الاميركية الشهير هنري كيسنجر في مذكراته، انه يوم أبلغ في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، باندلاع حرب تشرين، وتخطي الجيش المصري خط بارليف، وما يمثله ذلك من هزيمة لاسرائيل، تستدعي مدها بمزيد من الدعم العسكري، قال لمحادثيه: "دعوا الأولاد يلعبون"، وبعد أيام وفرت الادارة الاميركية مظلة جوية لاسرائيل وكشفت "الدفرسوار" الشهير، وتدخلت الى جانبها.
"حزب الله" في لبنان اليوم، يترك "الاولاد" يلعبون، من العم الى الصهر، والى الشريك، ولا يعلن موقفا مما يجري، لان مطر هذه "الغيمة" السوداء، التي تهدد الوطن والدولة، سيصب عنده، كما يتوقع، وعند وليه الفقيه.
وإلا، من هو الطرف المستفيد من تغطية الأزمات المتنوعة، الصحية، والأمنية والتدميرية، بأزمة ولادة حكومة، لم يبق طرف، اقليمي ودولي، لم ينصح بتشكيلها سريعا، بلا سياسيين، بعيدا عن المحاصصات، وتنظيرات أصحاب العقد الطائفية؟
عادة ما يستفيد من الفوضى العامة الطرف الأكثر تنظيما، والأوسع قدرة والأوفر امكانات، وعادة، ايضا، ما يستطيع، بفضل كل ذلك، ان يؤجج الموقف، أو ان "يبرّده" وفق مواقيته، ومصالح شركائه، أو موجهيه، كما حدث يوم اُشعلت حرب تموز 2006 لاستجرار الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، وفي 7 أيار 2008 لقضم الدولة والوطن، وما تلا ذلك من هيمنة، لا تخفى، على تفاصيل الحياة اليومية للبنانيين، ومن صورها، السيطرة على المعابر البرية والبحرية والجوية، من وراء الستارة، ومن قدام كل ستارة.
ما فعله البطريرك بتحركه هو أنه مزق الغشاوة التي أرادها البعض لتمديد الأزمة متعددة الأوجه، ووضع الجميع في مواجهة الحقيقة: من يريد إنقاذ الوطن والدولة أمامه طريق واحدة، تمتد من مبادرة ماكرون، إلى موقف سعد الحريري، فتحرك البطريرك المنقذ. دون ذلك، إهدار للبلد وأهله.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.