14 كانون الثاني 2021 | 10:34

ثقافة

ندوة في اللبنانية تناقش مفهوم "الهوية السارية والسائلة وما بينهما" ‏

بحضور عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية مارلين حيدر ورئيس مركز الأبحاث ‏في المعهد حسين أبو رضا، افتتح مختبر الأنثروبولوجيا باكورة نشاطاته العلمية برئاسة منسقة ‏المختبر لبنى طربيه بندوة علمية للباحث علي الديري حول "الهوية السارية"، بمشاركة حشد من ‏أساتذة وباحثين وطلاّب من مختلف الاختصاصات الأكاديمية والبحثية.‏

قدّمت الندوة وأدارتها ليلى شمس الدين مسؤولة الإعلام في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية، ‏وعضو مختبر الأنثروبولوجيا في المركز، واستهلتها بالترحيب بالحضور ومن ثمّ بالتقديم لكل ‏من المتحدثين والمتداخلين في الندوة التي نظّمت عبر منصة ‏CRSS-UL - MS Teams‏ ‏من قِبل سحر مصطفى مسؤولة المعلوماتية في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية.‏

مارلين حيدر

رحّبت عميدة معهد العلوم الاجتماعية مارلين حيدر بالضيف الباحث الدكتور علي الديري ‏وبالحضور، وأثنت على جهود وسعي وحرص رئيس مركز الأبحاث البروفسور أبو رضا، ‏ومنسقة مختبر الأنثروبولوجيا البروفسورة طربيه لتقديم الموضوعات المهمّة والهادفة من خلال ‏الأنشطة العلمية والثقافية المميّزة. ‏

وأكّدت حيدر، أنّ مختبر الأنثروبولوجيا يناقش اليوم موضوعاً بغاية الأهمية، وهو موضوع ‏الهوية الذي يُستحضر على بساط البحث، ونستشعر بأهمية هذا الطرح خصوصاً عند خطر ‏فقداننا لها، وعند اهتزاز علاقتنا بها. واعتبرت البروفسورة حيدر أنّ الحديث مع متخصّصين ‏بهذا المجال لا شك يُشكّل غنّى معرفي، متمنية للجميع التوفيق في مسارهم ونشاطاتهم.‏

حسين أبو رضا

من جهته، أشار أبو رضا إلى أنّ الرؤى المعرفية وأهدافها الواسعة التي تقوم عليها رسالة مركز ‏الأبحاث، بحاجة لدراسات معمّقة لمختلف الظواهر الاجتماعية داخل المجتمع اللبناني، تبدأ من ‏الهوية الفردية والانتماء الوطني، وتُقارب مدى التفاعل بين أفراد المجتمع واندماجهم فيه. معتبراً ‏أنّ هذه الدراسات يجب أن تكون علمية مرتكزة على النظريات الاجتماعية التي تراكمت عبر ‏التاريخ، وضمن البنى والنظم الاجتماعية داخل الحقل المجتمعي. وتعتبر الأنثروبولوجيا من ‏العلوم الأساسية والمهمّة في دراسة المجتمعات من خلال أبعادها التنموية، والثقافية، والسياسية، ‏والتربوية، والحضرية، والعادات ونظم القرابة وغيرها ومن مفاهيم التضامن والاندماج والتفاعل ‏والهوية. ‏

ولفت رئيس مركز الأبحاث أنّه ومنذ بواكير الفكر الفلسفي، ارتبط مفهوم الهوية بأمور ومجالات ‏متعدّدة، ضمن أشكال متنوّعة يمكن تضمينها في مسارين، الأول: جوهراني يستند إلى الإيمان ‏بحقائق جوهرية، وبماهيات ساكنة وأصيلة في آن. والثاني: وجودي يرفض الاعتراف بوجود ‏اختلافات نوعية مسبقة ودائمة بين الأفراد. بل يرفض الاعتراف بتبدّل وتحوّل هذه الاختلافات ‏على مدى التاريخ الجماعي والفردي.‏

كما تناول أبو رضا المقاربات الحديثة لمفهوم الهوية في خضم النكبات السياسية والاقتصادية ‏والاجتماعية، معتبراً أنّنا نعيش اليوم لحظات مفصلية، ولّدت أنماطاً جديدة من تحوّلات اجتماعية ‏واخلاقية، ومسّت الرابط الاجتماعي والأصالة والهوية. الأمر الذي ألحّ على الانثروبولوجيين ‏العمل على تفسيرها بالاعتماد على براديغمات جديدة متجاوزين تناقضات الرأسمالية وديناميتها ‏الخاصة والنظريات الاجتماعية المتصارعة. وبالتالي أصبح مفهوم الهوية محط تساؤل من خلال ‏الحداثة وتأثيراتها على الأفراد وانتماءاتهم الثقافية والأيديولوجية والاجتماعية.‏

واعتبر رئيس مركز الأبحاث أنّ أهمية هذه الدعوة وهذه الندوة ترتكز على إماطة اللثام حول ‏بعض الأفكار المتعلّقة بالهوية السارية. شاكراً الضيف الديري ومنسقة مختبر الأنثروبولوجيا ‏والزملاء في المختبر كما الحضور على جهودهم ومشاركتهم، آملاً الاستفادة في هذا اللقاء وفي ‏اللقاءات والنشاطات الأخرى.‏

لبنى طربيه

أشارت منسقة مختبر الأنثروبولوجيا أنّ "لقاءنا اليوم هو انطلاق لعمل مختبر الأنثروبولوجيا لهذا ‏العام، ونحن نسعى الى تفعيل العمل البحثي عبر تشجيع الاتجاهات البحثية المختلفة للأساتذة ‏وتبنّي مشاريعهم مقدّمين الدعم بحدود ما تتيحه لنا إمكانيات المختبر".‏

وأكّدت بروفسورة طربيه، على السعي لدعم التطوّر المعرفي للباحثين والطلاب من خلال مختبر ‏الأنثروبولوجيا، عبر استضافة باحثين من العالم العربي وغيره، من الذين ينجزون أبحاث ‏ودراسات انثروبولوجية تستهدف العالم العربي بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، بهدف المساهمة ‏في التشارك المعرفي كما إلى إرساء ثقافة التبادل العلمي بين الباحثين بهدف دعم الإنتاج ‏المعرفي.‏

واعتبرت طربيه أنّ للطلاّب أيضاً وطبعاً نصيبهم الوافر في خطة عمل المختبر، حيث نهدف إلى ‏تحفيزهم من خلال إشراكهم في الأعمال البحثية التي يقوم بها أساتذة المختبر، والتي سنستهلها ‏قريباً بعمل بحثي حول ذاكرة المدينة. وتوقّعت منسقة المختبر تحوّل مختبر الأنثروبولوجيا إلى ‏خلية فاعلة تستطيع رفد الطلاب بالمعرفة والتقنيات المرتبطة بالأنثروبولوجيا.‏

واختتمت طربيه كلمتها بشكر الباحث الدكتور الديري على طرحه لموضوع الهوية، مقاربة كيفية ‏تشكّل الهوية ذات المركّب المعقّد، الذي شكّل ولا زال مرتكزاً لاهتمام الفلاسفة، معتبرة أنّ ‏الإشكالية الأساسية في المقاربات الأنثروبولوجية للهوية كمنت في مقاربتها للهوية كمصدر للّحمة ‏الاجتماعية، أو حتى كمصدر للنزاعات. ‏

علي الديري

اعتبر الديري أنّ مقاربته لموضوع الهوية ينطلق من مفهوم الهوية السردية، أو الهوية القصصية ‏عند المفكّر والفيلسوف الفرنسي بول ريكور، ملخّصاً ما كتبه ريكور عن أنّ الهوية هي محاولة ‏للتعريف عن الإنسان نفسه، أو تعريف لجماعته، وبالتالي عن تعريف وجوده في هذا العالم. ‏مشيراً إلى أن هذا المصطلح لفت انتباهنا إلى أنّ هذا الإنسان يستعين بالسرد، بالقصّة وبالحكاية، ‏فهو يضع دائماً تعريفه إلى نفسه في شكل حكاية. فإذا ما استطعنا أن نحلّل هذا السرد، ونحلّل ‏حبكة هذه القصص فسنفهم هوية هذا الإنسان، سنرى كيف ينظر إلى هذا العالم، وكيف يُفسّر ‏وجوده فيه، وكيف يُفسّر علاقته بالكون، وكيف يُفسّر علاقته بالإنسان الآخر، وبالجماعات ‏الأخرى وبالتاريخ الذي يعيشه، وبالتالي أمدّتنا هذه الفلسفة بمفتاح مهم جداً لنفهم البشر ‏والجماعات.‏

تابع الديري أطروحته حول موضوع الهوية، متناولاً الهوية السارية عند ابن عربي، الذي وجد ‏في عصره الاحتدام الطائفي والتكفير على أشده، مستعرضاً طرح ابن عربي الذي دعا من خلاله ‏العلماء إلى فهم جديد للدائرة الإنسانية التي تشمل كل البشر من خلال ما سمي بوحدة الوجود في ‏تأويل الأسماء الإلهية تأويلاً يتسع للجميع. نظرية ابن عربي في الأسماء الإلهية أراد من خلالها ‏أن يستبدل القتل والحرب والتكفير والتخندق، بالقبول والاتساع والوسع. وبالتالي فهوية الإنسان ‏لا بدّ وأن تكون متغيّرة ومتحوّلة ومنبسطة ومتّسعة وغير منقبضة في آن ليتحقّق وجود الإنسان ‏الفاعل. فالهوية المتحقّقة مختلفة لأنّ تجلياتها متغيّرة، وهي تتجلّى بحسب طاقة الإنسان، وبحسب ‏ما يملكه الإنسان. فالإنسان هو من ينزلها، وليست هي من تنزل عليه، لذلك عليك أن تسأل ‏حولها، تقلّبها، تغيّرها، تأوّلها ومن ثمّ تنتج هويتك التي تريد. ‏

المرتكز الثالث الذي تناوله الديري تمحور حول مفهوم الهوية السائلة عند عالم الاجتماع البولندي ‏باومان، الذي كتب عن السيلان في عصر ما بعد الحداثة، العصر الذي شهد تحوّلاً من الأشياء ‏المتصلّبة إلى السائلة. تحوّل انعكس على هوية الإنسان التي تخضع إلى تغيّرات لا حد فيها، ‏وبالتالي لا نستطيع أن نقدّم نموذجاً واحداً نعمّمه للهوية بحسب الديري الذي أشار إلى أن مفهوم ‏الهوية السائلة لدى باومان "نابعة من طبيعة التغيّر الموجود، وأن هذه الأنواع من الهوية تشترك ‏في منطقة واحدة وهي بناء مفهوم للإنسان، لتعريف ذاته ونفسه بشكل منفتح ومنبسط وغير ‏عنيف". وختم الديري مداخلته عن الهوية السائلة والمتجدّدة والمتغيّرة التي نشكّلها كما نريد ‏بحسب باومان، معتبراً أنّنا نستطيع أن نجمع بين كل هذه المجاميع لننتج هوية تسع الجميع. ‏

وعن اختبار هذا المفهوم في مختبر الأنثروبولوجيا، ذكر الديري، أنّ هذا المفهوم هو غير منجز ‏وغير منتهٍ، معتبراً أنّ هذا اللقاء هو بمثابة تجريب لهذه الفكرة وطرحها مع كوكبة متخصّصة في ‏هذا المجال. ‏

اختتم اللقاء بمشاركة للأساتذة والحضور من خلال أسئلة قيّمة أغنت الندوة، وأضاءت على خبايا ‏الأنماط المتناولة في مفهوم الهوية.‏




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

14 كانون الثاني 2021 10:34