30 كانون الثاني 2021 | 08:28

أخبار لبنان

من طرابلس الى بعبدا: حرائق بقايا الدولة

كتبت "النهار" تقول: لعل الاسوأ من دخان الحرائق الذي غطى سماء طرابلس في الساعات ‏الأخيرة كان حريق بقايا الدولة المتفحمة التي سقطت بكل معايير السقوط المسؤوليات السلطوية ‏السياسية والأمنية والعسكرية بما يشمل العهد والحكومة والجيش والأجهزة الأمنية كافة. الاختبار ‏المخيف الذي تصاعد دخانه من المبنى الأثري التاريخي لبلدية طرابلس وسرايا طرابلس ‏وعشرات المباني والممتلكات العامة والخاصة التي امعن الشغب فيها حرقا، اسفر كخلاصة مثبتة ‏لا تحتاج الى دلائل وقرائن الى انكشاف مخز للتواطؤ التوظيفي التآمري الذي تورط فيه بعض ‏السلطة مع الرعاع الذين شنوا هجمات الشغب والعنف من جهة، والقصور والتقصير الأمني ‏والعسكري الفاضح في احتواء الشغب والحد من موجات العبث المنهجي الذي تعرضت له المدينة ‏ليل الخميس قبل ان يبدأ الجيش مساء امس تنفيذ سلوكيات متشددة من جهة أخرى. بذلك لم يكن ‏غريبا اطلاقا ان تتصاعد صرخات الاحتجاج والاتهامات من القوى الطرابلسية أولا، والسياسية ‏والدينية عموما ثانيا، حيال القصور الأمني والعسكري بعد صدمة حرائق طرابلس التي تفرج ‏عليها حماة المدينة الأمنيون والعسكريون طويلا منتصف ليل الخميس قبل ان تخمد النيران.‏

واذا كانت صدمة حرائق طرابلس رسمت ملامح فجيعة حقيقية فان الصدمة السياسية الموازية ‏التي واكبتها والتي لا تقل سؤا تمثلت في الهجوم الجديد الذي شنه رئيس الجمهورية ميشال عون ‏على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ولم يوفر تهمة لم يوجهها اليه من عدم التعاون معه ‏وعدم الاعتراف بشراكة التاليف الى منع مشاركة المسيحيين كالآخرين في تسمية وزرائهم. ‏واختار عون لهجومه توقيتا مريبا للغاية تزامن مع احتدامات طرابلس الامر الذي شكل للمراقبين ‏اثباتا متقدما حيال توظيف الحدث الأمني المتدحرج للضرب بقوة على هدف بات مكشوفا للعهد ‏وهو اسقاط تكليف الحريري بالضربة القاضية بعد فشل حمله على الاعتذار. وقد لفت الأوساط ‏المعنية في هذا السياق ان وتيرة الهجمات المنسقة على الحريري تصاعدت بسرعة في الآونة ‏الأخيرة بتوزيع منسق مدروس بين الرئيس عون والقصر ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب ‏جبران باسيل بما يكشف اندفاع العهد الى اسقاط كل الجسور المحتملة التي يمكن ان تمر فوقها ‏وساطات داخلية او خارجية لحمله على وقف تعطيل تشكيل الحكومة وتاليا فهو يدفع بقوة الى ‏تعميم مناخ وحالة عدائية مع الحريري علها تشكل الضربة القاضية لتجربة تعايش جديدة في ‏الحكومة العتيدة. ولكن مجريات السجال الذي حصل امس أظهرت تمسكا حاسما لدى الحريري ‏على مواجهة عون انطلاقا من خطوته الدستورية التي تمثلت في تقديم تشكيلته الحكومية والتي ‏عطلها العهد. وفي ما يعكس عمق الانفجار السياسي الذي تسبب به هجوم عون على الحريري ‏عبر صحيفة "الاخبار" امس جاء في رد الحريري "المؤسف والمؤلم جداً أن يصدر الكلام ‏المنقول عن فخامة رئيس الجمهورية، فيما البلاد تواجه سيلاً من الأزمات الصحية والأمنية ‏والسياسية وتشهد العاصمة الثانية طرابلس هجمة منظمة تثير الريبة في أكثر من اتجاه " مضيفا ‏‏"يبدو ان البلاد في وادٍ من المعاناة والأزمات والعهد القوي في وادٍ سحيق آخر من اللامبالاة ‏والإنكار والتجني على الآخرين " .‏

اما قصر بعبدا فرد على الحريري معتبرا ان "الرئيس المكلف مصمّم على التفرّد بتشكيل الحكومة ‏رافضاً الاخذ بملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي تجسّد الشراكة في تأليف ‏الحكومة، وفي ايّ حال، لن تكون هناك حكومة تناقض الشراكة والميثاقية والعيش المشترك ‏الحقيقي، المبني على التوازن الوطني وحماية مرتكزاته".‏

ماكرون مجددا

اما المفارقة اللافتة التي واكبت هذا الفصل الجديد من الانهيارات السياسية فتمثلت في اطلالة ‏جديدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الواقع اللبناني اذ اكد أنّه سيزور لبنان قائلاً: ‏‏"سأقوم بزيارة ثالثة للبنان بعد التحقق من أمور أساسية".‏

وفي حديثٍ له عبر قناة "العربية" قال ماكرون:" النظام اللبناني بمأزق بسبب الحلف الشيطاني ‏بين الفساد والترهيب"، مضيفاً:" عاطفتي مع الشعب اللبناني أما قادته فلا يستحقون" .وشدد على ‏ان خارطة الطريق الفرنسية للبنان لا تزال مطروحة على الطاولة ولا حلول أخرى متاحة.‏

بعد ليل الحرائق

ومساء امس استعادت طرابلس بعض الهدوء النسبي عقب الأيام العاصفة "والنارية" التي شهدتها ‏سابقا اذ برزت استعدادات حازمة للجيش وقوى الامن الداخلي حالت دون تجدد اعمال الشغب ‏وافتعال الحرائق ومنعت مجموعات المتظاهرين من بلوغ السرايا والتجمع في ساحة النور . ‏وبعدما حال الخلاف بين الرئيس عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب على انعقاد ‏المجلس الاعلى للدفاع ومجلس الامن المركزي ، عقد امس وزير الداخلية والبلديات في حكومة ‏تصريف الاعمال محمد فهمي في مكتبه في الوزارة اجتماعاً أمنياً، شارك فيه القادة العسكريون ‏والأمنيون شدّد فهمي على ضرورة تعزيز التنسيق بين الأجهزة الامنية كافة .‏

وفي المعطيات التي سربت عن الاجتماع ان المعلومات الأمنية اكدت ان مجموعات الثوار لم تكن ‏وراء رمي القنابل اليدوية على السرايا في طرابلس وتوافرت صور لمن قاموا بذلك وهم ليسوا ‏لبنانيين لديهم إنتماءات معينة . كما اعلن الجيش توقيف ثلاثة أشخاص بينهم سوري، كانوا ‏موجودين داخل مبنى بلدية طرابلس في ساحة التل يشتبه بمشاركتهم في أعمال التخريب وإضرام ‏النيران في مبنى البلدية . كما أوقف الجيش في شارع المائتين والتبانة شخصين على خلفية ‏مشاركتهما في أعمال الشغب والتعدي على الأملاك العامة والخاصة وإعاقة عناصر الدفاع ‏المدني والإطفاء من الوصول إلى مبنى البلدية.‏

وفيما عقد اجتماع في دار الفتوى في طرابلس اكد ان "ما حصل هو مؤامرة على المدينة ولا ‏يمت إلى مطالب الناس المحقة بصلة" ، رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري انه" يجب التوقف ‏مليا أمام الحرائق التي أشعلت ليل أمس بشكل مدروس وممنهج و مخطط له، للمباني الرسمية ‏والمرافق العامة والمؤسسات البلدية والتربوية والقضائية فهي مدانة ومستنكرة ولا تمت لابناء ‏طرابلس بصلة لا من قريب ولا بعيد".‏

وجاء الموقف الأبرز من تطورات طرابلس في بيان لرؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ‏ونجيب ميقاتي وسعد الحريري وتمام سلام اذ شددوا على أن "طرابلس التي طال أمد إهمالها ‏وتهميشها ليست ولن تكون بؤرة لأصحاب المشاريع المجرمة والفاسدة. ولن تكون مغلولة الأيدي ‏حيال استهداف عنفي مجرم، ظاهره اجتماعي وباطنه سياسي فاقع يعطل تأليف الحكومة ‏ويسترهن طرابلس من ضمن استرهان الدولة لتفريغها من مقوماتها ولتقزيم دورها وإسقاطها".‏

ولفتوا الى "اقدام أولئك المخربين على الاعتداء وإشعال النيران في المؤسسات الرسمية والبلدية ‏على مرأى من أعين وحدات الجيش. ويأتي فوق ذلك كله من أقدم على منع أجهزة الإطفاء ‏وعطل أعمال الاغاثة والإنقاذ بشكل مريب وإجرامي لتظل النيران مشتعلة في المبنى التاريخي ‏لبلدية طرابلس. علما أن أغلب من ارتكب تلك الأعمال المستنكرة معروف ومرصود من الأجهزة ‏المخابراتية والأمنية المختصة، بالأسماء والهوية".‏

اطلاق لبنانيين

وفي بقعة ضوء وسط هذا الصخب المقلق، اعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ان ‏الموقوفين اللبنانيين في الإمارات سيفرج عنهم بعد ساعات. واكد أنه على تواصل مع مسؤولين ‏إماراتيين منذ زهاء سنتين "لحل هذه الملفات". وردا على سؤال بشأن عدد الموقوفين، قال إن ‏العدد "وصل إلى 30?، قبل أن يكشف أن "نصفهم سيعود خلال ساعات".‏

وليلا اعلنت "ال بي سي اي" انها حصلت على لائحة اسماء الموقوفين في الامارات، الذين اعلن ‏اللواء عباس ابراهيم عن عودتهم خلال الساعات القليلة المقبلة الى لبنان، وهم: زيد الضيقة، محمد ‏الدر، نادر خليل، محمد حسيني، حسين زريق، ماهر الزين، زاهر خليل، زاهر الزين، حسن ‏زريق، علي مخدر ،حسن مرتضى.‏



النهار

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

30 كانون الثاني 2021 08:28