31 كانون الثاني 2021 | 12:11

منوعات

هذا ما فعلته هذه "الجائحة الجانحة" ببيروت!



في عتمة الليل المتوحشة، أجالس وحيداً برد الشتاء القارس، وبرد المشاعر القاتلة، وسط الحنين للذكريات، التي أصبحنا نخشى أن تبقى مجرد يوميات مضت!

ليل مظلم وظالم، ثقيل طويل لا ينتهي، حتى القمر لم يعد يجرؤ من إحتضان السماء المكفهرّة...

ليل ليس له أسحار، وظلماته لا تتخللها أنوار، سامرته الهموم، وعانقته الغموم، يتوسد ذراع الهم، ويفترش مهاد الغم...

أقف حزيناً خلف زجاج نافذتي المحكم الإغلاق، تماشياً مع مقتضيات العزلة - الحصار، التي فرضها إحتجازنا اللاطوعي في منازلنا المحاصرة من الوباء الجائح...

يسرح بصري نحو مدينتي المظلمة، الموحشة، الصامتة، والخالية من كل شيء، سوى الموت الزاحف، الذي يسرق الأحبة واحداً تلو الآخر!!!

مدينتي؛ خائفة مضطربة، ترتجف من الوجع والذعر، يكتنفها الهلع والخوف الساكن في قلوب ناسها دون إستئذان وبلا رحمة...

بيروتنا أشبه بمدينة أشباح، تذكرنا بالأطلال وتثير في نفوسنا الشجن، كأنها منسية منذ زمن طويل، وقعت يوماً على غفلة من الفجر، وإختبأت في مكان لا تراه الشمس...

باتت شوارعها ومساكنها الخالية تصرخ بأوجاع سكانها، تعرق من شدة الشوق إلى أحبة مضوا، ولم تبقَ منهم سوى خطوات...

حتى بحرها لا ماء فيه، بل دموع معتقة تقاطرت من وجوه متعبة، متروك للأمواج العاتية التي تلاطم صخوره المهزومة، التي تحولت إلى مقابر لا زهر عليها ولا صلوات!!!

أين القمر البادر؟ أين النجوم المتلألئة؟ أين الأضواء الساطعة؟ أين الأجواء الصاخبة؟ أين السهر؟ أين الفرح؟ أين شغب الفنانين والشعراء والمبدعين أمام مقاهي الرصيف؟ أين المطاعم والملاهي؟ أين الشوارع المزدحمة؟ أين ليل بيروت الذي لا يعرف التعب؟ أين النفوس البريئة والوجوه الأليفة؟ أين؟ وألف أين؟؟؟

ماذا فعلت بك هذه الجانحة المجرمة يا بيروت؟! كيف تمكنت من هزيمتك؟! وأنت مدينة تضج بالحياة، دون تعب ولا إستسلام...

هل من يعاقبك؟ أم أنتِ من يعاقبنا؟ فأدرتِ وجهك إلى جهة لا نعرفها؟ هل قررتِ الرحيل عنا؟

لماذا كلّ هذا الجفاء، وهذا الإنتقام الموجع؟!

لا نصدق أنك يا بيروت تكرهيننا، ترفضيننا، تلفظيننا... وأنتِ الحضن الدافئ والقلب الرحب والملاذ الآمن... وأنت المنديل الأبيض الذي يجفف الدمع السائل... وأنت الحلم الجميل الذي نبحث عنه...

بيروت.. التي أحببناك؛ أيتها المدينة الصابرة، المنتهكة، المخطوفة، المفجوعة، المتصدعة.. إعذرينا إن شئت، ونحن نعلم أننا لا نستحقك، لا نستحق وجعك، لا نستحق تضحياتك، بعدما حوّلنا حبّك إلى موت، ومجدك إلى تفجير، وجمالك إلى دمار وأشلاء وركام!!!

بيروتنا؛ ثقي أننا لن نتخلى عنك، لن نغادرك إلى المجهول، لن نقبل أن نصبح أيتاماً...

بيروت.. ستبقين قصيدة يعجز الشعراء على كتابتها.. وأغنية يستحيل على مطرب أن ينشدها.. ولوحة يفشل أيّ رسام أن يقلدها...

بيروت.. يا دمعة لا تجف، ويا سيلاً جارفاً من دماء لا تروي يباسَ ضمائر المفسدين الجائرين المتصحرة والمتصخرة:

كم نحتاج أن تسامحيننا.. أن تضمينا مجدداً إلى صدرك، أن تعيدي تنشئتنا وطنياً وأخلاقياً، أن تعلميننا الوفاء لكي نحافظ عليك، وأن لا تتركينا أيتاماً ومشردين وبائسين يائسين، وسط هذا الظلام الدامس والبرد القارس...

بيروت: إمنحينا الفرصة الأخيرة لأن نعد إلى آدميتنا بعد دمويتنا، عسى أن نتعامل معك أكثر إنسانية وبشرية...

المصدر: زياد سامي عيتاني

تصوير : حسام شبارو




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

31 كانون الثاني 2021 12:11