اسعد حيدر
انتهت الاحتفالات في ايران بالذكرى ٤٢ بانتصار الثورة التي قادها الامام الخميني بمسيرة من الآليات بسبب "الكورونا" .بذلك غابت الجماهير المليونية عن شوارع طهران ، في زمن يعاني فيه الشعب الايراني من اثار الحصار الاميركي في يومياته المعيشية ،في حين أكدت المناورات والاستعراضات العسكرية غياب اثار الحصار الاقتصادي الاميركي عنها . بالعكس اثبتت ان ما ينقص هناك يتدفق بدون حساب هنا … وحدها الخطابات الرسمية ،سواء التي القاها القائد اية الله علي خامنئي او رئيس الجمهورية حسين روحاني او جنرالات الحرس الثوري والجيش تعاملت مع الوضع وكان ايران بخير وانها تنتظر ان يقرع الاميركيون باب الاعتذار وطلب الغفران تمهيدا لاستعادة مسارات الماضي بكل ما يتعلق بالاتفاق النووي ودون إضافات ولا تعديلات .
اصعب ما في البحث عن اساسات الجمهورية الاسلامية في ايران في جمهورية القائد اية الله علي خامنئي انه بعد ٤٢سنة اولا و٣٢ سنة على قيادة خامنئي ، ستكون النتيجة قاسية جدا ومؤلمة اكثر ،لانه ما اندثر وغاب هو اكثر بكثير مما بقي . يكفي ان تكون النظرة كما يقال على غرار "طيران فوق عِش الكوكو " حتى تكون الوقائع جلية … بداية في التصحر القاتل من العلماء الذين شكلوا الى جانب الامام الخميني ركيزة الثورة وأعمدتها ؟ اين آيات الله من احجام : حسين منتظري ، محمود طالقاني ، مرتضى مطهري ، محمد بهئشتي ورجل الدولة والثورة معا هاشمي رفسنجاني وغيرهم ؟ لم يعد في "الجمهورية الخامنئية "احد يمكن ان يقال عنه" مرجعا " ولذلك تبدو هذه الجمهورية يتيمة وفاقدة لما قامت عليه بانتظار ان تصبح "عسكرة " النظام هي الحل وتلوينها بعمامة من حجم حجة الاسلام ابراهيم رئيسي …وما ذلك الا لان خامنئي عمل على إفقار العلماء في قم وبذلك افقد غنى المذهب الشيعي في تعددية مراجعه واستقلاليتهم . ويبدو انه لو بقي الجنرال قاسم سليماني حيّا لكان البديل الكامل ليكون "القائد" (الرهبر) بما أضافه الى موقعه العسكري من التزام ديني وعلمي وذلك بانه يمكن لمدني ان يكون هو القائد او ما تم التعرف عليه "المرشد" وذلك حسب فتوى لأية الله حسين منتظري .
غياب "البازار" والطبقة التي قامت معه عن الحركة والفعل في الحياة السياسية بعد ان كان عمود الثورة الناشط والفاعل والمؤثر ، وما تراجعه هذا سوى نتيجة لعملية مدروسة نتيجتها حرمان اي حركة معارضة من اندفاع شعبي يحول شوارع المدن وليس فقط طهران الى امواج شعبية تفرض التغيير … ولا شك ان إمساك "الحرس الثوري " بمفاصل الحياة الاقتصادية وقطاعاتها من النفط والغاز مرورا بكل المشاريع التي تزيد قيمتها عن عشرة ملايين دولار الى جانب ذلك وضع يده على معظم المرافئ والمطارات والاتصالات تحت شعار المحافظة على الأمن الوطني كما حصل عندما سحب تكليف شركة تركية من العمل في مطار الامام الخميني الجديد وتولت "شركته "خاتم الأنبياء " العمل وإنجازه ، قد دفع بهذا التوجه خطوات واسعة نحو "العسكرة" الكاملة للنظام .
العمود الثالث للنظام وهو لعبة التعددية السياسية بين فريقين: المحافظين المتشددين والاصلاحيين التي رغم الكثير من سلبياتها وأبرزها انها من قلب البيت الواحد منذ إلغاء الحياة الحزبية تكاد تنتهي بعد هيمنة المتشددين واستبعاد الاصلاحيين والاهم هيمنة "الحرس الثوري "شبه الكاملة على مجلس الشورى وما انتخاب العميد محمد قاليباف رئيسا له من جهة وتكاثر عدد الجنرالات المرشحين للانتخابات الرئاسية ولو بالإعلان الخطابي والعملي سوى خطوة الى الامام في تاكيد هذا المسار …
الخطاب السياسي لتحرير فلسطين ودعم العرب ودولهم ايضا لم يتغير لا بل ازداد تنوعاً وتشددا لكن اين هذه الخطابات من الخطاب الاول للأمام الخميني وخصوصا عندما استقبل ابو عمار الزائر الاول لإيران الثورة ؟ من اليوم، وايران خامنئي _سليماني التي توسعت وهي في سوريا ( التي نصح هاشمي رفسنجاني سليماني بالا يذهب. لنجدة الاسد وكانت النتيجة سقوط نصف مليون سوري ضحايا كما كشفت ابنته فائزة رفسنجاني ) والعراق الممزق والمنهوب ثروة وحضاريا واليمن الفجيعة الذي يراد ويريد الجميع الهيمنة عبره على باب المندب ولبنان المعلق على حبل التفاهم الاميركي الايراني ، ليبتعد تحرير فلسطين اكثر فاكثر خصوصا مع موجة التطبيع التي من اسبابها الخوف من الجار الايراني …
يبقى العداء مع الولايات المتحدة الاميركية الذي بدأ منذ اليوم الاول وما زال مستمرا ومتوالدا حتى اليوم . وما الازمة الحالية التي تضع المواجهة بينهما على "حافة السكين" سوى لتأكيد ثورويتها باسم المحافظة على قدراتها النووية . هذا العداء كان دائما السلاح الفعال في تصفية التيارات والقوى المختلفة مع القوة المتشددة او الخامنئية وحاليا مع زحف الحرس الثوري الى السلطة كاملة، وذلك منذ إسقاط الرئيس ابو الحسن بني صدر حتى اليوم … وما التشدد الخطابي حاليا سوى جزء من المفاوضات غير الرسمية بين طهران وواشنطن …
سقوط الشعار التاريخي للثورة " لا شرقية ولا غربية"لمصلحة العلاقات الاستراتيجية مع روسيا اولا ومع الصين ثانيا ، رغم ان هذه العلاقات سيكون الطرف الايراني مقيدا بحاجته للقوتين السياسية والعسكرية والاقتصادية . تكفي متابعة يوميات المواجهة في سوريا والميزان التجاري والاقتصادي للتأكد من هذا … ستبقى ايران الطرف الضعيف كما كانت في علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية سابقا …
من الطبيعي جدا ان "تشيخ " ثورة بعد اربعين سنة خصوصا في هذا الزمن وتحولاته وحاجة الكل للكل. ولذلك فان التغيير قادم في ايران ، يبقى ان لا يحمل هذا التغيير تصعيدا عسكريا من الحرس الثوري باتجاه الدول العربية المحيطة بايران يزيد من خراب المنطقة وتقدم القوى الخارجية الاقوى والمؤهلة نحو الاختراق والتسلط وهي :اميركا وروسيا وتركيا وإسرائيل…
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.