15 شباط 2021 | 15:44

أخبار لبنان

الوَطَنُ المواطِنُ ورَفيقُ الحَريريِّ

د. مُصْطَفَى مَتْبولي


‏"لَيْسَ وَطَنًا مِنْ يَعيشُ أَبْنَاؤُهُ بَيْنَ مُنْتَصِرٍ وَ مَهْزومٍ" -  رَفيقِ الحَريري


شَكْلَ خِطابُ رَفيق الحَريري فِي الجامِعَةِ الأَمْريكيَّةِ فِي بَيْروتَ ( 13 تَمُّوزَ ‏‏1992 ) مَرْجِعًا اِساسيًّا شَرَحَ فِيه مُكَوِّناتِ رُؤِيتَهُ السّياسيَّةِ لِلْوَطَنِ والدَّوْلَةِ ‏والْمواطِنِ . وَتَتَضَمَّنُ وَثيقَةُ إِتْفَاقِ الطَّائِفِ أَيْضًا رُؤْيَةَ رَفيقِ الحَريري ‏السّياسيَّةِ لِلدَّوْلَةِ اللُّبْنانيَّةِ ، لِلْوَطَنِ والْمواطِنِ حَسْبَ مَا قَالَهُ الوَسيطُ ‏العَرَبيُّ الأَخْضَرُ اَلْابْراهيمي فِي مُقابَلَةٍ مَعَ جَريدَةِ المُسْتَقْبَلِ ( 17 / 6 / ‏‏1999 ) : " . . . إنَّ عَرّابِ القَضيَّةِ اللُّبْنانيَّةِ ، فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى ‏السُّعُودِيِّينَ كَانَ شَخْصًا اسْمُهُ رَفيقُ الحَريري. وَقَدْ سَاهَمَ مُساهَمَةٌ ‏أَساسيَّةٌ فِي إِعْدادِ وَثيقَةِ الطَّائِفِ لَا بَلْ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَتَبَها بِخَطِّ يَدِهِ " ‏

وَاسْتِنَادًا إِلَى هَذَيْنِ اَلْمَرْجِعينِ الأَساسيّينَ وَعَدَدٍ مِنْ التَّصْريحاتِ والْخِطاباتِ ‏فِي المُؤْتَمَرَاتِ الدّوَليَّةِ لِلرَّئِيسِ رَفيقِ الحَريري يُمْكِنُ اسْتِخْلاصُ الرَّكائِزِ ‏الأَساسيَّةِ لِمَفْهُومِ المواطِنِ اللُّبْنانيِّ فِي فِكْرِهِ السّياسيِّ .‏

لَا تَقْسيمَ وَلَا تَوْطينَ

سَاهَمَ اتِّفاقُ الطَّائِفِ بِإِنْهَاءِ الحَرْبِ الأَهْليَّةِ العَبَثيَّةِ وَمَا نَتَجَ عَنْهَا مِنْ تَفْكيكِ ‏أَوْصالِ الدَّوْلَةِ اللُّبْنانيَّةِ وَتَدْميرِ البُنَى التَّحْتيَّةِ وَ ضُمورِ المُؤَسَّساتِ الدُّسْتوريَّةِ ‏وَالحُكُومِيَّةِ وَ وَأْدِ مَفْهومِ المواطِنِ اللُّبْنانيِّ . وَ تَمَّ اقْرَارْهِذَا الْإِتْفَاقِ فِي ‏المَجْلِسِ النِّيَابِيِّ اللُّبْنانيِّ اَلَّذِي عُقِدَ فِي مَدينَةِ الطَّائِفِ فِي 22 / 10 / ‏‏1989 ، وَ صَدَّقَ عَلَيْهُ فِي جَلْسَتِهِ اَلْمُنْعَقِدَةِ فِي مَطارِ اَلْقْليعاتْ بِتَارِيخِ 5 / ‏‏11 / 1989 .‏

وَأَصْبَحَتْ وَثيقَةُ الطَّائِفِ مُقَدِّمَةً لِلدُّسْتُورِ اللُّبْنانيِّ بِمُوجِبِ الْقَانُونِ ‏الدُّسْتوريِّ الصّادِرِ فِي 21 / 9 / 1990 " تَحْتَ اسْمِ " الْمُبَادَىءِ العامَّةِ ‏وَالإِصْلَاحَاتِ " اَلَّتِي أَكَّدَتْ عَلَى أَنَّ لُبْنَانَ هوَ " وَطَنُ سَيِّدٍ حُرٍّ مُسْتَقِلٍّ ، ‏وَطَنٌ نِهائيٌّ لِجَمِيعِ أَبْنَائِهِ ، واحِدٌ ارْضًا وَشَعْبًا وَمُؤَسَّساتُ وَعَرَبيُّ الهويَّةِ ‏وَالْإِنْتِمَاءُ " والدَّوْلَةُ اللُّبْنانيَّةُ هِيَ " جُمْهوريَّةٌ ديمُقْراطيَّةٌ بَرْلَمانيَّةٌ . . . وَأَرْضُ ‏لُبْنَانَ أَرْضٌ واحِدَةٌ لِكُلِّ اللُّبْنَانِيِّينَ . فَلِكُلِّ لُبْنانيٍّ الحَقُّ فِي الإِقامَةِ عَلَى أَيِّ ‏جُزْءٍ مِنْهَا والتَّمَتُّعُ بِهِ فِي ظِلِّ سيادَةِ الْقَانُونِ ، فَلَا فَرْزَ لِلشَّعْبِ عَلَى أَساسِ ‏أَيِّ اِنْتِماءٍ كَانَ ، وَلَا تَجْزِئَةَ وَلَا تَقْسيمُ وَلَا تَوْطينٌ " . بِالِاضَافَةِ إِلَى أَنَّ الدَّوْلَةَ ‏اللُّبْنانيَّةَ تَلْتَزِمُ بِتَطْبِيقِ " المُساواةِ فِي الحُقوقِ والْواجِباتِ بَيْنَ جَميعِ ‏المُوَاطِنِينَ دُونَ تَمايُزٍ أوْ تَفْضيلٍ . . . و تَحْتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ العامَّةَ لِلْمُوَاطِنِ وَفِي ‏طَلِيعَتِهَا حُرّيَّةُ الرَّأْيِ وَالمُعْتَقَدِ " .‏

وَثيقَةُ الطَّائِفِ ، مُقَدِّمَةُ الدُّسْتورِ و صِفَةُ القُدْسيَّةِ

و حَوْلَ هَذَا المَوْضوعِ كَتَبَ العَلامَةُ الدُّسْتوريُّ الدُّكْتور اِدمونَ ربّاط مَا يَلِي : ‏‏" أنّ وَضْعُ هَذِهِ الْمُبَادَىءِ العامَّةِ فِي مُقَدِّمَةِ الدُّسْتورِ اللُّبْنانيِّ غايَتُهُ إِضْفاءُ ‏صِفَةِ القُدْسيَّةِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهَا فِي حَقيقَتِها المَوْضوعيَّةِ انَّما هِيَ بِمَثَابَةِ ‏الإِعْلانِ الدُّسْتوريِّ لِما يَسْتَنِدُ إِلَيْهُ لُبْنَانُ مِنْ الأَرْكَانِ الثّابِتَةِ وَمَا يُؤْمِنُ بِهِ ‏الشَّعْبُ اللُّبْنانيُّ مِنْ العَقيدَةِ القَوْميَّةِ . وَهِيَ الخاصّيَّةُ اَلَّتِي تَتَّضِحُ صَرَاحَةً ‏فِي كُلِّ بَنْدٍ مِنْ بُنودِ هَذِهِ " المُقَدِّمَةِ " – الاعِّلانِ ، اَلَّذِي تَنْطَوِي كُلُّ كَلِمَةٍ ‏مِنْهُ عَلَى حَلٍّ لِإِشْكالٍ نَفْسِي وَسياسيٍّ ، طَالَمَا تَسَبَّبَ ، مُنْذُ تَأْسيسِ ‏دَوْلَةِ لُبْنَانَ الكَبيرِ ، عَامَ 1920 ، بِاَلْمُناظَراتِ المُتَضارِبَةِ وَاَلْعَنيفَةِ ، بَيْنَ ‏القَائِلِينَ اَنْ ثَمَّةَ " قَوْميَّةٌ لُبْنانيَّةٌ " وَبَيْنَ العَدَدِ الضَّخْمِ مِنْ أَنْصارِ " الأُمَّةِ ‏العَرَبيَّةِ " . ( اِدمون ربّاط ، مُقَدِّمَةُ الدُّسْتورِ اللُّبْنانيِّ ، بَيْروتُ ، دَارُ اَلنَّهارِ ‏لِلنَّشْرِ ، 2004 ص ص 35 - 36 ) .‏

وَقَدْ أَكَّدَ الرَّئيسُ رَفيقُ الحَريري مِرَارًا و تَكْرَارًا بِأنّ اتِّفاقَ الطَّائِفِ كَانَ نُقْطَةَ ‏الْإِنْطِلَاقِ لِعَمَلِيَّةِ إِحْياءِ الوَحْدَةِ الوَطَنيَّةِ بَيْنَ " المُوَاطِنِينَ " اللُّبْنَانِيِّينَ اَلَّتِي ‏هِيَ المَمَرُّ الوَحيدُ وَاَلْإِلْزاميُّ مِنْ أَجْلِ خَلاصِ لُبْنَانَ مِنْ مِحْنَتِهِ اَلْكيانيَّةِ ‏وَدَيْمومَةِ لُبْنَانَ الوَطَنِ والدَّوْلَةِ وَمُؤَسَّسَاتِهَا الدُّسْتوريَّةِ . وَلَكِنَّ رَفيقَ ‏الحَريري اعْتَبَرَ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ بِأنّ مَفْهومَ " مواطِنٌ لُبْنانيٌّ " هوَ مَفْهومٌ ‏مُلْتَبِسٌ والتَّأْويلاتِ حَوْلَ مَعانيه كَثيرَهُ لِأَنَّهُ يَتَدَثَّرُ بِلِباسٍ كَهْنُوتِيٍّ اَوْ بِجِلْبابٍ ‏دينيٍّ وَفْقَ المَصالِحِ الدُّنْيَويَّةِ لِلْفُرْقَاءِ السِّيَاسِيِّينَ اللُّبْنَانِيِّينَ تَارَةً وَ يَتَمَتْرَسُ ‏اللُّبْنانيُّ خَلْفَ مِظَلَّةِ الدَّوْلَةِ فِي حَالِ كَانَ لَدَيْهُ مَصْلَحَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ اَوْ حِزْبيَّةٌ اَوْ ‏فِئَوِيَّةٌ تَارَةً اخْرَى .‏

المواطِنُ: لَا ظالِمٌ وَلَا مَظْلومٌ

وَحَسبَ الرَّئيسِ رَفيق الحَريري كَانَ الهَدَفُ الرَّئيسيُّ لِإِتْفَاقِ الطَّائِفِ هوَ ‏القَضاءُ عَلَى هَذِهِ الظَّواهِرِ السّياسيَّةِ وَالْإِجْتِمَاعِيَّةِ المُتَجَذِّرَةِ فِي المُجْتَمَعِ ‏اللُّبْنانيِّ وَإِعادَةِ تَكْوينِ مَفْهومِ المواطِنِ . والشَّرْطُ الأَساسيُّ لِإِعَادَةِ الْإِعْتِبَارِ ‏إِلَى المواطَنَةِ هوَ اعْطَاءُ المواطِنِ اللُّبْنانيِّ حُقوقِهِ الاِّساسيَّةِ وَحِمايَتُها ( ‏حُرّيَّةُ المُعْتَقَدِ والتَّعْبيرِ والْمُساواةِ والْعَدالَةِ القَضائيَّةِ والِاجْتِماعيَّةِ والتَّعَلُّمِ ‏والطَبابَةُ ) وَهِيَ رَكائِزُ بِناءِ الدَّوْلَةِ الدّيمُقْراطيَّةِ فِي لُبْنَانَ وَالَّتِي هِيَ وَحْدَهَا ‏تَمْنَحُ المواطِنَ اللُّبْنانيَّ الشُّعورَ بِأَنَّهُ إِنْسانٌ غَيْرُ مَقْهورٍ وَ مَظْلومٌ لِأَنَّهُ يَعيشُ ‏فِي ظِلِّ فَيْءِ دَوْلَةِ الْقَانُونِ والْمُؤَسَّساتِ . وَفِي هَذَا الصَّدَدِ قَالَ رَفيقُ ‏الحَريري فِي خِطابِهِ فِي الجامِعَةِ الِامْرِيكِيَّةِ - بَيْروتَ بِتَارِيخِ 13 تَمُّوزَ 1992 : ‏‏" لَمْ يَأْتِ اتِّفاقُ الطَّائِفِ ليَرْفَعَ الظُّلْمَ والاجِّحافَ عَنْ فِئَةٍ مِنْ اللُّبْنَانِيِّينَ ، ‏وَيَضَعُ فِئَةً أُخْرَى فِي مَوْقِعِ المَظْلومِ والْمَحْرومِ ، فَلَا تَأْخُذُ النَّشْوَةُ أَحَدًا وَكَأَنَّهُ ‏مُنْتَصِرٌ ، وَلَا يَشْعُرُ آخَرُ بِالْإِحْبَاطِ وَكَأَنَّهُ مَهْزومٌ ، فَلَيْسَ وَطَنًا مِنْ يَعيشُ أَبْنَاؤُهُ ‏بَيْنَ مُنْتَصِرٍ وَمَهْزومٍ . "‏

تَوْقيفُ العَدِّ

وَاسْتِنَادًا إِلَى هَذِهِ الرُّؤْيَةِ اَلْحَريريَّةِ لِمَفْهُومِ كَلِمَةِ " مواطِنٍ " أَكَّدَ " اتِّفاقُ ‏الطَّائِفِ " بِأَنَّ " المُساواةَ فِي الحُقوقِ والْواجِباتِ بَيْنَ جَميعِ المُوَاطِنِينَ دُونَ ‏تَمايُزٍ أَوْ تَفْضيلٍ " هِيَ أَساسُ بِناءِ الدَّوْلَةِ اللُّبْنانيَّةِ وَلَكِنَّها فِي الوَقْتِ عَيْنُهُ ‏أَخَذَ بِعَيْنِ الْإِعْتِبَارِ الخُصوصيَّةِ اللُّبْنانيَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي " الْمُبَادَىءِ العامَّةِ ‏وَالِاصْلَاحَاتِ " لِلْوَثِيقَةِ فِي المادَّةِ 2 ( الإِصْلاحاتُ السّياسيَّةِ ) الفِقْرَةُ 5 " ‏إِلَى أَنْ يَضَعَ مَجْلِسُ النّوّابِ قَانُونَ انْتِخابٍ خارِجَ القَيْدِ الطّائِفيِّ توَزِّعُ المَقَاعِدَ ‏النّيابيَّةَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَ المَسِيحِيِّينَ وَالمُسْلِمِينَ وَنِسْبيًّا بَيْنَ طَوائِفِ كُلٍّ مِنْ ‏الفِئَتَيْنِ وَنِسْبيًّا بَيْنَ المَناطِقِ " .‏

وَهَذِهِ النَّظْرَةُ الوَطَنيَّةُ والميْثاقيَّةُ لِلْمُوَاطَنَةِ تَرْجَمَهَا الرَّئيسُ رَفيقُ الحَريري ‏بِإيجازٍ فِي جُمْلَتِهِ الشَّهيرَةِ بِأَنَّ اتِّفاقَ الطَّائِفِ " وَقْفَ العَدِّ " ايْ أَنَّ تَعْدادِ ‏عَدَدِ اللُّبْنَانِيِّينَ وَفْقَ المِعْيارِ الطّائِفيِّ والْمَذْهَبيِّ قَدْ انْتَهَى وَأَصْبَحَ مِنْ ‏الْمَاضِي . وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ المُساواةَ فِي الحُقوقِ والْواجِباتِ بَيْنَ المُوَاطِنِينَ ‏اللُّبْنَانِيِّينَ المَسِيحِيِّينَ وَالمُسْلِمِينَ هِيَ المِدْماكُ الأَساسيُّ لِإِحْيَاءِ الدَّوْلَةِ ‏اللُّبْنانيَّةِ وَمُؤَسَّسَاتِهَا الدُّسْتوريَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ والشَّرْطِ الأَساسيِّ لِإِسْتِمْرَارِ ‏وُجودِ لُبْنَانَ الوَطَنِ والْكيانِ .‏

الدَّوْلَةُ و المواطِن

إِنَّ عَلاقَةَ المواطِنِ بِالدَّوْلَةِ حَسْبَ الرُّؤْيَةِ السّياسيَّةِ لرَفيق الحَريري تَلْزَمُهُ ‏بِالْإِنْتِمَاءِ والْوَلاءِ إِلَى الوَطَنِ واحْتِرامِ القَوانينِ المَرْعِيَّةِ الإِجْراءِ فِي الدَّوْلَةِ ‏اللُّبْنانيَّةِ . وَلَكِنْ فِي نَفْسِ الوَقْتِ يَجِبُ عَلَى الدَّوْلَةِ تَأْمينُ الحُقوقِ ‏الأَساسيَّةِ لِلْمُوَاطِنِ . وَهَذَا مَا سَعَى إِلَى تَحْقيقِهِ الرَّئيسُ رَفيق الحَريري ‏مِنْ خِلالِ إِيجَادِ تَوازُنٍ فِي العَلاقَةِ السّياسيَّةِ بَيْنَ الدَّوْلَةِ والْمواطِنِ اَلَّذِي ‏يَجِبُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِحُقُوقِهِ اَلسّياسيَّةِ وَالمَدَنِيَّةِ وَالْإِجْتِمَاعِيَّةِ وَالْإِقْتِصَادِيَّةِ فِي ‏كَنَفِ دَوْلَةِ الْقَانُونِ والْمُؤَسَّساتِ الدُّسْتوريَّةِ . لَمْ يَغِبْ ابَّدا عَنْ المَواقِفِ ‏السّياسيَّةِ لِلرَّئِيسِ رَفيقِ الحَريريِّ مَسْؤوليَّةَ الدَّوْلَةِ ازَاءَ المواطِنِ لِأَنَّهُ اِعْتَبَرَ ‏بِأَنَّ مِنْ واجِبِها الدَّوْلَةَ الحَديثَةَ " تَأْمينَ العَمَلِ لِلْمُوَاطِنِينَ ، عَلَى أَساسِ ‏الفُرَصِ المُتَكافِئَةِ ، وَتَأْمينِ التَّحْصِيلِ العِلْميِّ لِيُصْبِحَ فِي مُتَنَاوَلِ الجَميعِ ‏والْحِفاظِ عَلَى الصِّحَّةِ العامَّةِ ، وَرَفعَ مُسْتَوَى المَعِيشَةِ عَنْ طَريقِ زيادَةِ ‏الدَّخْلِ الوَطَنيِّ وَبِصُورَةٍ عامَّةٍ التَّحَسُّبُ لِلْمُسْتَقْبَلِ واتِّخاذِ أَسْبابِ الحيطَةِ ‏لِتَجْنِيبِ المُجْتَمَعِ وَطْأَةَ الازِّماتِ المُمْكِنَةِ . وَعَلَى هَذَا الاِساسِ ، فَإِنَّ ‏الحُكومَةَ مُصَمَّمَةٌ ، بَعْدَ اَنْ أَضْحَتْ بِهُمومِها وَأَعْبائِها تُثْقِلُ كاهِلَ المُوَاطِنِينَ ، ‏عَلَى اعْتِمادِ نِظامٍ صِحّيٍّ حَديثٍ ، دَقيقِ الرِّقابَةِ ، وَدَعْمِ الرِّعايَةِ الاوَليَّةِ ‏وَتَعْزيزِ الوِقايَةِ والنُّهوضِ بِالْخدْمَاتِ الِاسْتِشْفائيَّةِ الحُكوميَّةِ وَالخَاصَّةِ . " ( ‏البَيانُ الوِزاريُّ اَلَّذِي اَلْقّاهَ فِي مَجْلِسِ النّوّابِ لِنَيْلِ الثِّقَةِ لِحُكُومَتِهِ الثّالِثَةِ 7 ‏تِشْرينَ الثَّانِي 1996 ) .‏

اَلدّيمُقْراطيَّةُ : حاجَةٌ لِلْمُوَاطِن

وحَسبَ رَفيق الحَريري إِنَّ الحُقوقَ الاِّساسيَّةَ لِلْمُوَاطِنِ اللُّبْنانيِّ لَا يُمْكِنُ ‏الوُصولُ اَليها إِلَّا فِي كَنَفِ دَوْلَةٍ ديمُقْراطيَّةٍ تُحافِظُ عَلَى حِمايَةِ حُرّيّاتِهِ ‏الشَّخْصيَّةِ لِأَنَّ تَحْقيقَ ذَلِكَ يعْتَبِرُ حَجَرَ الزّاويَةِ وَ الغايَةَ الَاسْمَى لِنِظامِها ‏السّياسيِّ . وَفِي هَذَا الصَّدَدِ اَكَد الرَّئيس الحَريري بِأَنَّ " الدّيمُقْراطيَّةَ هِيَ ‏حاجَةٌ وَلَيْسَتْ خِيَارًا . . . وَالَالْتِزَامُ بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ بِمَفْهُومِهَا الواسِعِ وَبِمَا ‏تَحْمِلُهُ مِنْ وَعَدٍ بِاطِّلاقِ وَتَحْريرِ إِمْكاناتِ الاُّنسانِ وَطاقاتِهِ . . . وَيَجِبُ اَنْ تَتِمُّ ‏تَرْجَمَتُها بِالْأَفْعَالِ ، فَلَا نَقولُ شَيْئًا وَنَفْعَلُ شَيْئًا آخَرَ. كَمَا أَنَّ المُناداةَ ‏بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ لِأَغْراضٍ دِعائيَّةٍ يُقْصَدُ مِنْهَا تَجْميلُ واقِعٍ سَيَءٍ لَيْسَتْ مَا ‏نَصْبُو إِلَيْه. إِنَّ مَا نَتَطَلَّعُ اَليه هوَ ديمُقْراطيَّةٌ حَقيقيَّةٌ تُلَبِّي طُموحاتِ الاُّنسانِ ‏‏. " ( خِطابُ الرَّئيسِ رَفيقٍ الحَريريِّ حَوْلَ مُسْتَقْبَلِ العالَمِ العَرَبيِّ ‏وَإِسْتِشْرَافِهِ فِي المُنْتَدَى الاسْتِراتيجيِّ العَرَبيِّ ، دُبَيَّ ، 14 كَانُونَ الأَوَّلِ ‏‏2004) .‏

وَ اَخيرًا ، إِنَّ القاعِدَةَ الأَساسيَّةَ لِمَفْهُومِ المواطِنِ فِي الفِكْرِ السّياسيِّ ‏لِلرَّئِيسِ رَفيق الحَريري تَحَدَّثَ عَنْهَا فِي خِطابِهِ فِي الجامِعَةِ الأَمْريكيَّةِ فِي ‏بَيْروتَ 13 / 7 / 1992 وَالَّتِي تَرْتَكِزُ عَلَى بِناءِ دَوْلَةِ الْقَانُونِ والْمُؤَسَّساتِ ‏اَلَّتِي تَأْخُذُ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ حُقوقَ المواطِنِ وَواجِباتِهِ وَأَحْلامَهُ وَهَواجِسَهُ ‏وَآمالَهُ وَآلامَهُ مِمَّا يُحَفِّزُهُ عَلَى تَعْزيزِ وَلَائِهِ لِلْوَطَنِ وَيَدْفَعُهُ إِلَى المُشارَكَةِ ‏الفَعّالَةِ فِي نُهوضِهِ وَازْدِهَارِهِ لَانَ لُبْنَانَ " لَا يَقومُ ، وَ لَا يُبْنَى ، وَ لَا يَسْتَقيمُ ‏أَمْرُهُ اَلَا بِمُشارَكَةِ أَبْنَائِهِ ، كُلُّ أَبْنَائِهِ ، فِي مَسيرَةِ الوِفاقِ الوَطَنيِّ ، وَكُلُّ منْ ‏يَعْمَلُ عَلَى خَلْقِ الشِّقاقِ بَيْنَ اللُّبْنَانِيِّينَ ، مُدّانٍ فِي شَرَفِ انْتِسابِهِ إِلَى ‏هَذَا الوَطَن ".‏



يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

15 شباط 2021 15:44