كتبت نوال مدللي (*)
يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة في الثامن من أذار " في أوضاع استثنائية جراء جائحة كورونا، وتحتفل الامم المتحدة بهذا اليوم افتراضيا" حيث أقرت هيئة الامم المتحدة للمراة عنوان المؤتمرلهذه السنة بعنوان «المرأة في القيادة: تحقيق مستقبل متساوٍ في عالم COVID-19» " أشادة بالجهود الهائلة التي تبذلها النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، في تشكيل مستقبل أكثر مساواة والتعافي من جائحة كورونا. الى جانب اولويات مثل المشاركة الكاملة والفعالة للمرأة واتخاذ القرار في الحياة العامة، وكذلك القضاء على العنف، وتحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين .
يعترف العالم ان النساء وقفن في الخطوط الامامية في مكافحة كورونا، سواء في مجال الرعاية الطبية او المنظمات المجتمعية ، حيث أظهرت القيادات النسائية والمنظمات النسائية مهاراتهن ومعارفهن وشبكاتهن للقيادة الفعالة في جهود الاستجابة لـ COVID-19 والتعافي منه.
وكان لبنان وضع خطة لمكافحة الكورونا ولم تتضمن هذه الخطة تدابير حماية للنساء والفتيات خلال الاقفال العام ، وتولى المجتمع المدني والمنظمات المعنية بحماية النساء رصد الحالات وتقديم الحماية ، ونتج عن هذه الافقال ارتفاع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل ملحوظ وصل الى نسبة 100% في بعض الاماكن حسب عدد الشكاوى التي تلقتها قوى الامن الداخلي عبر الخط الساخن 1745 المخصص لشكاوى العنف الاسري .
إن إجراءات الإغلاق المتصلة بجائحة فيروس كورونا المستجد أدت بالفعل إلى تفاقم حوادث العنف القائم على النوع الإجتماعي . فمستويات العنف ضد المرأة المرتفعة أصلا في لبنان قد تضاعفت بفعل الحجر الصحي والعزلة الاجتماعية، وكذلك بسبب فقدان الوظائف والدخل الذي يفاقم الضغوط التي يتعرض لها الأفراد والأسر، بل المجتمع ككل. وهذا حد من قدرة المرأة على كيفية التصرف في حال لم يتوفر لها وسائل اتصال مع جهات تعنى بمواضيع العنف أو على الحصول على خدمات الطوارئ التي قد تنقذ حياتها في بعض الحالات، وتزيد من خطر تعرّضها للعنف بسبب تفاقم الضغوط الاقتصادية والنفسية داخل المنزل.فأصبحت المرأة بين جائحتين الكورونا والعنف المنزلي. وقالت الأمم المتحدة إنّها غير قادرة في هذه المرحلة على تحديد عدد النساء أو الفتيات اللواتي يتعرّضن لعنف أسري في العالم نتيجة الحجر المنزليّ، لكنّها أشارت إلى أنّ واحدةً من كلّ ثلاث نساء تتعرّض للعنف خلال حياتها.
وبالرغم من كل الجهود التي تقوم بها المنظمات النسوية لوقف الاجحاف بحقوق المراة ، لا زالت المراة اللبنانية تعاني من أشكال في التمييز ضدها في الكثير من المجالات ، ومع استمرار جائحة كورونا في كل العالم ومنها لبنان،وبينما تعمل الدولة على مكافحة الكوفيد 19 ، عليها منع العنف ضد النساء و يجب حماية النساء والفتيات في العزلة المنزلية من خلال إيجاد طرق آمنة للنساء للحماية.
وفي تقرير للبنك الدولي أن الجائحة أسهمت في زيادة حدة وتواتر العنف القائم على النوع الاجتماعي . وتظهر الأبحاث الأولية أنه منذ أوائل عام 2020، اتخذت الحكومات والمنظمات المعنية بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين إجراءات جديدة بما في ذلك تعيين خطوط ساخنة، وتوفير المساعدة النفسية، وإتاحة ملاجئ لحماية النساء من العنف. وقامت بعض الحكومات أيضاً بخطوات لإتاحة الوصول إلى العدالة بعديد من السبل، من بينها إعلان أن بعض القضايا الأسرية عاجلة خلال الإغلاق والسماح بعقد جلسات عن بعد للمحاكم كي تستمع لمسائل أسرية.
أقر لبنان قانون " حماية النساء وسائر افراد الاسرة من العنف الاسري " في العام 2014 ,واقر مجلس النواب مؤخرا في 2020 تعديلات اساسية في القانون ، ولا تزال إجراءات الحماية القانونية من العنف الأُسري غير كافية بالرغم من تعاون القضاة والقوى الامنية ولكن العنف ضد المرأة لم يتوقف وخاصة خلال الاقفال العام .
الرئيس سعد الحريري أكد في البيان الوزاري لحكوماته المتعاقبة على " التزام الحكومة تنفيذ التعهدات التي التزم بها لبنان في الاتفاقات الدولية التي انضم إليها والتوصيات التي وافق عليها، لا سيما اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة. واعتماد خطة عمل لمكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة، بما في ذلك اقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري، وعلى وضع سياسات وتشريعات لمكافحة الاتجار بالنساء والأطفال بهدف الاستغلال الجنسي والعمل القسري. "
ووافقت حكومة الرئيس الحريري في 2017 على إقتراح تعديل القانون الرقم 293/2014 "قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وألغى مجلس النواب المادة 522 من قانون العقوبات والتي كانت تعفي المغتصب من العقوبة في حال تزوج الضحية بعد موافقة الحكومة، وكذلك الحكومة اللبنانية أقرت خطة العمل الوطنية الأولى الخاصة بلبنان لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن في العام 2019، توفر الخطة مجموعة من الأدوات والموارد التي ترمي إلى المضي قدماً في مشاركة منهجيّة للمرأة في المحادثات حول قضايا السلام والأمن وهي تعزز في الوقت نفسه حماية النساء ووجودهن في المراكز القيادية، وتصحيح القوانين المجحفة بحقها، ولحمايتها من العنف الذي قد تتعرض له.
وفي كانون الاول 2020 تم اقرار قانون تجريم التحرش الجنسي لا سيما في مكان العمل، هو الأول من نوعه في لبنان.
ولكن الخلل في مظاهر العنف ضد المراة يعود الى اسباب كثيرة منها : ان لبنان لم يف بالتزاماته القانونية الدولية لحماية النساء والفتيات من العنف ووقف التمييز ضدهن. ولم يحرز أيّ تقدّم في تطبيق عدد من التوصيات لاتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة ، بما فيها وضع قانون موحّد للأحوال الشخصية يؤمّن المعاملة المتساوية لجميع المواطنين/ات، وتعديل قانون الجنسية التمييزيّ للسماح للمرأة اللبنانية المتزوّجة من رجل غير لبناني بمنح الجنسية لأولادها.لم يتّخذ لبنان أيّ خطوات لإصدار قانون مدنيّ اختياريّ أو لإصلاح قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الطوائف وهذه القوانين تميز بحقوق المرأة في الزواج والطلاق وحضانة الاطفال والأرث.
وينبع هذا الخلل أيضا من عدم المساواة بين الرجل والمرأة والمواقف والمعتقدات التمييزية والقوالب النمطية الجنسانية والأعراف الاجتماعية التي تتسامح مع العنف وسوء المعاملة وتديمهما والهياكل المجتمعية التي تكرر عدم المساواة والتمييز.
إذا أردنا القضاء على العنف ضد النساء والفتيات، فنحن بحاجة إلى تطوير نُهُج إستراتيجية طويلة المدى تعالج هذه الأسباب الكامنة. وعلى الدولة اللبنانية وضع تدابير وسياسات تهدف الى المعالجة الجذرية لهذا العنف الممارس ضد النساء من خلال تنفيذ لبنان لتعهداته والنزاماته بالمواثيق الدولية االخاصة بحقوق النساء والتي صادق عليها.
(*) عضوة في المكتب السياسي لـ"تيار المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.