كتب كمال دمج:
حال لبنان كحالِ الكَرمِ المثمِر، إنْ لم يستَطيعوا خَرقَ السياج لِنَهبِهِ، قَتَلوا الحارس وعاثوا فيه مُفسدين. هكذا كان قدر الرئيس الشهيد رفيق الحريري، جاء فأحيا لبنان بعد الحرب، وعملَ على حماية ما أنتج من خيرٍ فيه، محطِّماً بذلكَ مصالح كثيرين أرادوا خطَّ معالمها بدماء اللبنانيين.
لقد حارب رفيق الحريري بالدبلوماسية والعمل الفعلي لمنع المتسلطين من اجتياز حدود السيادة والحرية والإستقلال، ولم تُجدِ معه نفعاً أيُّ محاولات للتفاوض على لبنان، فلم يكن لديهم من سبيلٍ إلاَّ السِّحرَ والمُعجزات لإنهاء الحريرية الوطنية المدعومة داخلياً وخارجياً في كل خطوة تخطوها، لم يكن لديهم أداةً سوى القتل، وهكذا فعلوا.
ومِن غير أسفٍ عليهم، لم يحسبوا احتمالية انقلاب السحر على الساحر، فبدماء رفيق الحريري ورفاقه ارتَوَتْ ساحة الشهداء وأنبَتَتْ شعباً طيِّباً حضارياً مناضلاً موحَّداً بجميع أطيافه، مدافعاً عن أرضِهِ وحريته، فطرَدَ الإحتلال السوري من لبنان وبدأ يلملِمُ جراحَهُ للإنطلاق من جديد على الأُسُس الصلبة التي وضعتها الحريرية الوطنية، ولإعادة "الكَرمِ" إلى الحياة.
وكما ذكرنا آنفاً، لا حياة للبنان بعد كُلِّ ربيعٍ يشهَدُهُ، وهكذا، بعد ثورة الأرز كَرَّتْ سُبحَتُ الإغتيالات التي كانتْ تَكسِرُ كُلَّ غُصنٍ يُزهِر كاشفاً عن الحقيقة أو مواجهاً التسلط وانعدام الوطنية، هكذا سُحِبَ الوكيل وحضرَ الأصيل عبر أذرعه الذين يشكلون مكوناً أساسياً لبنانياً، يصعب طردهم كما السوري، لا وربما يكون مستحيل. فهكذا بدأتْ سياسة الإحتلال الثالث وفرض معالمه، إبتداءاً من ١٤ شباط، مروراً بـ ٧ أيار ٢٠٠٨ في مواجهة القرارات السيادية التي تضع حداً لمالكي السلاح الغير شرعي، وصولاً إلى فرض "الثلث المعطِّل" في الحكومات وممارسة التهديدات على كل من يعترض، حتَّى باتتْ الأكثرية النيابية أشبه بأقلية أمام بطش البارود والنار، دون أن ننسى الخيانات من بعض أهل البيت ورفاق الساحات، تماشياً مع المصالح والحسابات الشخصية التي ساهمتْ إلى حدٍّ بعيد في الإضعاف، لكننا كنا وسنبقى أقوياء.
نعم، لقد حَلَّ الإحتلال الإيراني في لبنان، وحلَّ معه الإنهيار والحصار وانعدام أدنى مقومات الحياة. لقد حلَّ فألغى الحدود الشرعية للبلاد ودمجها مع سوريا لاستخدامها في تهريب المقاتلين والذخيرة، ولاستنذاف موجودات المصرف المركزي عبر تهريب المواد المدعومة. لقد حلَّ الإحتلال فدعم الفساد والسمسرات مقابل تغطية السلاح، حتى وصلنا إلى انفجار مرفأ بيروت الذي قضى على آخر دور للبنان في المنطقة وجعله منعدم الحياة.
وبالرغم من قساوة الظروف التي عرضناها، وبالرغم من الكثير من التنازلات للحفاظ على صيغة لبنان، ما زلنا أقوياء، وما زال نبض ١٤ آذار حيٌّ في قلوب كلِّ السياديين الرافضين للسلاح الغير شرعي، والمناضلين كُلُّ على طريقته لمواجهته، وإنَّ أفضل المواجهات اليوم وأكثرها حكمة وصلابة، اصرار الرئيس سعد الحريري على حكومة مستقلة دون "ثلث معطل" لأحد، لإعادة إطلاق الدور وإعمار بيروت ووقف الإنهيار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.