كتبت هدى علاء الدين:
وضع الرئيس سعد الحريري النقاط على الحروف بكل شفافية بكلام صريح وجريء من قصر بعبدا، ذاك القصر المهووس بإطلاق بيانات باطلة واستدعاءات متلفزة غير مسبوقة والشاهد على مغالطات دستورية وافتراءات بالجملة وأكاذيب وأضاليل شوهّت الحقائق وأضاعت بوصلة التشكيل ووضعتها رهينة سياسة التعطيل والعرقلة والمماطلة.
"....الرئيس المكلف ليس من واجبه تعبئة الأوراق من أحد وليس من واجب رئيس الجمهورية أن يُشكل الحكومة، فالدستور نصّ بوضوحٍ على أن الرئيس المكلّف هو من يشكل الحكومة ويضع الأسماء ويتناقش مع رئيس الجمهورية بالتشكيلة.. وعلى هذا الأساس أبلغت فخامته بكل احترام اعتبار رسالته وكأنها لم تكن وأرجعتها له وأبلغته بأني سأحتفظ بنسخة منها للتاريخ...."
بهذه الكلمات التي حملت في طياتها احتراماً واضحاً لاتفاق الطائف ورفضاً قاطعاً لفرض أعراف باطلة تخالف بنود الدستور، يقاتل الرئيس سعد الحريري اليوم في معركة مفصلية منذ أكثر من مئة يوم عمل خلالها مراراً وتكراراً على تذليل العقبات التي تؤخر ولادة الحكومة، لكن إصرار الطرف المعطّل على مواجهته ومحاربته عبر سياسة المكابرة والهروب إلى الأمام واستخدام الغطاء الطائفي والاعتبارات الحزبية الضيقة والتمسك بالثلث المعطل، شكّلت جميعها أدوات للتعطيل من أجل الإقصاء والإلغاء.
من يتابع عن كسب مسار التكليف والتشكيل، يعلم تماماً أن ليس لدى الرئيس الحريري غايات ملغومة أو أهداف مشبوهة، وإن كان هناك من يدّعي أنه يرتهن الـتأليف ويحتكر التشكيل عليه أن يدرك تماماً أنّ غاية الحريري واضحة وساطعة تكمن في حماية ما تبقى من نظام شُنّ بحقه أبشع الجرائم السياسية ودستور انتهكت مواده بشتى الوسائل بحجة الصلاحيات والميثاقية وازدواجية المعايير وأزمة الوجود، وانتشال اقتصاد منهار أمعن في خنق اللبنانيين. فالحريري الذي رشّح نفسه في 8 تشرين الأول 2020 كمرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، لم يطرح شروطه الخاصة للتأليف إنما تبنى مبادرة فرنسية وافق عليها الجميع في قصر الصنوبر، تبين اليوم أن الضرورة والأمر الواقع حينها ألزمتهم بشجاعة مزيفة وإقدام مترددّ على تبنيها، فصحّ بهم القول "مجبرٌ أخاك لا بطل".
بالأمس ردّ الرئيس المكلّف الصاع صاعين، ووضع لعبة الرسائل والكرّ والفرّ التي تشوبها المراوغة المستمرة في عهدة الرأي العام بعدما كشف تشكيلته المقدمة منذ أكثر من أشهر ثلا تاركاً الحكم له. وللمرة الثامنة عشر، أصرّ على تمسكّه بتشكيلة متكاملة لحكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار والشروع باعادة اعمار ما دمره إنفجار المرفأ في بيروت، ورفض ثلثاً معطلاً يضرب الدستور ويعرقل عمل الحكومة ويتحكم بخياراتها.
ظنوا أنهم أصحاب الضربة القاضية، واعتقدوا أن سياسة الإحراج من أجل الإخراج قد تحقق مبتغاهم. لكن واقع الحال أظهر أنهم لا يريدون سعد الحريري لتأليف الحكومة، بل جُلّ اهتمامهم تحويل الرئاسة الاولى إلى موقع للمقايضة والتوريث. مشكلتهم مع سعد الحريري ليست مشكلة حكومية إنما وجودية، يخشون من نجاحه على أنفسهم ويخافون من إفشاله على مصيرهم.
لا يأتمن الرئيس سعد الحريري اليوم هذه الزمرة المعطلة على وقف الانهيار الاقتصادي وعلى إنقاذ وطنٍ بناه والده حجراً وبشراً، فكان لقاء الثامن عشر في نصف ساعة كفيلاً لقطع شك التشكيل بيقين التعطيل، خرج بعدها قائلاً "لا"... من عرين القصر المتهاوي ومشى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.