23 آذار 2021 | 12:27

هايد بارك

عفوًا يا "فخامة" الرئيس - خالد صالح

عفوًا يا

كتب خالد صالح: 

كان لافتًا جدًا وفجًّا الأسلوب المتبع من قبل جوقةِ المستشارين المُحيطة برئيس الجمهورية، للتواصل مع "دولة" الرئيس المكلف في استعادة لزمن البريد الأول من خلال "الحمام الزاجل" ..

وكان لافتًا وفجًّا أيضًا المضمون الذي احتوته المراسلة الرئاسية، الفاقدة لأدنى مقوّمات التعاطي بين المقامات، بضعة كلمات وتصديرُ أوامر واستخفافٌ ساخرٌ بمن أعطاه الدستور موقع "رأس السلطة التنفيذية"، ضاربًا عرض الحائطِ كلّ الأعرافِ والقيم الأخلاقية، بأسلوب "الصهر" الديماغوجي الفظ "من المستحسن تعبئته"..

لم تعد المسألة محصورة فقط في تشكيل حكومة في أدقّ الظروف وأخطرها من عمر هذا الوطن، بل تعدّت إلى نهجٍ يُرادُ له أن يتحوّل إلى قاعدة ثابتة، نهجٌ يتأتى من أيديولوجية "الأنا" الطاغية على الفكر والممارسة "ومن بعدنا الطوفان"، ليُسقط كل الدعائم التي دفعنا أثمانًا باهظة لتشييدها نحو "قيامة" لبنان الأبدية ..

أسقطت رئاسة الجمهورية عن سابق تصوّر وتصميم مفاهيم التخاطب المبني على الإحترام، إذ أنها رأت في موقعها اختصارًا لكل المواقع، وركنت الدستور على الرف لتقرأ في كتاب الأنانية - متناسية عن عمد أن "شاغل" موقع الرئاسة هو الوحيد الذي يُقسم على الدستور - لتمارس أسلوبًا سمجًا لا سابقة له في محاولة لكسر "هيبة" أيّ موقع آخر في البلاد، وكأن هذا الوطن مزرعة تتحكم بها وبنظامها وتركيبتها ..

منذ أن بلغ الرئيس ميشال عون "الكرسي" الأوّل وضعَ نَصبَ عينيه تمزيق الدستور ورقة ورقة، والطعن بمواده مادة مادة، وتجاوز صلاحياته المنصوص عليها في محاولة يائسة لاستعادة هيمنة "النظام الرئاسي" البائد، متجاهلًا ما دفعه لبنان من خسائر بشرية ومادية للوصول إلى الصيغة القائمة لرسم الخطوط المبنية على الإقرار بالشراكة الوطنية، معتمدًا على "فلاسفة" القصر الذين لا همّ لهم سوى البحث بين مفاصل الحروف على ثغرة يمكنهم التعويل عليها لزرع بدع وتقاليد وأعراف لا تمت لحياتنا السياسية بصلة ..

إذ كيف يسير البلد في درب جلجلة الانقاذ وهو كـ "العربة بحصانين" أحدهما في المقدمة والثاني في مؤخرتها؟، وكيف يمكن المواءَمة بين مشروعين، أولهما محصور بحلم رئاسي بات مستحيلًا وثانيهما مكرّس لإخراج البلد من نفقه المظلم؟، وهل التعدّي اللفظي يُفسح المجال للمعالجات الهادئة، أم أنها آخر الأساليب المبتكرة في "غرف" صوغ الشائعات والأخبار، والآن وسائل التخاطب؟ ..

عفوًا "فخامة" الرئيس، مقامك مُصان بحكم الدستور، لكن هذا لا يعطيكم الحق في "هتك" المقامات الأخرى، عفوا "فخامة" الرئيس، فأنت رمز الدولة ورمز وحدة الوطن ولست رئيسًا لحزب أو لتيار، ولا تبعة عليك إلا عندما تخرق الدستور، فهل الأسلوب المتبع في أساسيات التخاطب مبني على احترام الدستور؟ ..

عفوًا "فخامة" الرئيس، مقام رئاسة الحكومة، فعليًا أو تصريفًا للأعمال أو تكليفا، مُصانٌ أيضًا بحكم الدستور، ويُمثل كما تُمثل، سياسيًا ودستوريًا وطائفيًا، ولا يجوز على الإطلاق التعاطي معه بهذه الدرجة من الاستخفاف، بناءً لنصيحة أفتاها "جهابذة" التفسير والتعليل، ولا يحقّ لك تجاوز اللياقات والاستقواء بموقعك للتعرض لهذا الموقع بهذا الإسفاف المباشر ..

عفوًا يا فخامة الرئيس، لقب الـ"دولة" ليس منّة من أحد، بغضّ النظر عمّن يشغله، فهو أسلوب احترام من الواجب عليك اتباعه، حتى وإن كانت الكيمياء مفقودة بينك وبين الرئيس المكلف، وحتى لو كانت هناك عقد جمّة في طريق تأليف الحكومة، فهذا لا يُجيز لك الخروج عن نمط التخاطب، معتقدًا أن هذا الأمر سيودي إلى "إحراجه" فـ "إخراجه" ..

لن تستقيم الأمور ولن نستعيد نمط حياتنا بكل أشكالها، إلا عندما نصل إلى قناعة تامة، أن وجودنا في أي موقع لا يسمح لنا بالتمادي في التعرض للآخرين، فهذا الوطن لا يُحكم بمنطق الاستقواء أو العددية في محاولة لفرض قواعد مختلفة، بل يُحكم بموجب الدستور ومندرجاته لا بهتكه صبحا وعشية ..

عفوًا صاحب "الفخامة" .. رحم الله امرىء عرف حدّه فوقف عنده ..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

23 آذار 2021 12:27