لا شك أن أزمة انتشار فيروس كورونا ليست سهلة. وما يزيد صعوبتها، هو التعاطي العشوائي مِن قِبَل الجهات المعنية بالملف، وعلى رأسها وزارة الصحة. ويضغط ارتفاع سعر صرف الدولار على المستشفيات لجهة ارتفاع التكاليف، وصعوبة تأمين المستلزمات المستعملة في مواجهة الفيروس، ومنها أجهزة التنفس الاصطناعي والأوكسيجين المطلوب لها.
ومع ذلك، لم تصل المستشفيات لمرحلة حرجة في تأمين الأوكسجين. الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول "بروباغندا" طلب وزير الصحة حمد حسن من سوريا تزويد لبنان بكمية من الأوكسيجين، لتأتي الموافقة من بشار الأسد شخصياً، على توريد 75 طناً إلى لبنان!
تهويل لا ضرورة له
كان من المفترض ربما أن يمرّ خبر تزويد لبنان بالأوكسيجين السوري مرور الكرام، لو أن هناك فعلاً "أزمة أوكسيجين". لكن إحاطة الخطوة بالتهليل الإعلامي على أمر لا أساس له من الصحة هو الأمر غير المفهوم وغير المبَرَّر، إلا إن كان وراء الأقنعة ما يجب إخفاؤه بستارٍ صحّي يمسُّ أمن اللبنانيين.
تذرَّعَ وزير الصحة بنقص الأوكسيجين في المستشفيات اللبنانية، و"حرصاً منه على حياة المرضى"، اتّجه إلى سوريا الأقرب جغرافياً للبنان، ظناً منه أنه يختصر الوقت والإجراءات الروتينية للحصول على الأوكسيجين المطلوب. لكن القرب السياسي بين سوريا والجهة الحزبية التي ينتمي إليها الوزير، ربما هو الدافع أقوى. فسعي الوزير في غير محلّه، لأن "لا نقص في الأوكسيجين في المستشفيات اللبنانية"، وفق ما تؤكّده مصادر في القطاع الصحي، خلال حديث لـ"المدن". وعدم النقص يعود إلى "قدرة المصانع اللبنانية على تأمين الكميات المطلوبة". وجميع من تواصلت معهم المدن، إن في القطاع الصناعي أو الاستشفائي، أكدوا أن لا أساس لأي حديث عن أزمة أوكسيجين أو نقص بإنتاجه.
وعلى عكس ما تروّج له أوساط إعلامية حزبية مقرّبة من الوزير، ففي لبنان مصنعان يُنتجان الأوكسيجين وليس مصنعاً واحداً كما يُرَوَّج. فضلاً عن "إمكانية التصنيع المحلي لآلات انتاج الأوكسيجين نفسها، أو حتى استيراد الأوكسيجين في حال النقص الحاد، على أن يسبق الاستيراد تحذير من المستشفيات بقرب نفاذ الكميات الموجودة، وهذا لم يحصل". على أنَّ الترويج الأخطر جاء تحت عنوان "نفاذ الأوكسيجين ظهر اليوم، والوفيات ستكون بالمئات ما لم تتم السيطرة على الأزمة".
زيارة الوزير إلى دمشق وشكره بشار الأسد من أجل كمية أوكسيجين ضئيلة، لا يحتاجها لبنان أصلاً، ليست إلا خطوة سياسية لا علاقة لها لا بـ"الصحة" ولا بمكافحة كورونا ولا بعلاج اللبنانيين.
ردُّ الجميل؟
من المفترض أن تصل كمية الأوكسيجين إلى لبنان على ثلاثة دفعات، تتوزع خلالها الكمية على 25 طن لكل دفعة، وهي كمية "ضئيلة جداً بحيث يمكن لمستشفى بيروت الحكومي استخدامها خلال أسبوع"، أي أن مجمل كمية الـ75 طناً لا تدوم لثلاثة أسابيع في مستشفى واحد في ظل الأزمة المزعومة.
صناعياً وصحياً، لا أزمة أوكسيجين. والتهويل ليس إلاّ "لشد العصب والجمهور والإيحاء بأن وزارة الصحة، وبالتالي الجهة السياسية المسيطرة عليها، تقوم بتحصين البلاد ومنع الوقوع في أزمة صحية"، تقول المصادر، وتذهب إلى أبعد من ذلك، أي إلى احتمال أن تكون كمية الأوكسيجين "ردُّ جميل" على أمر يجهله اللبنانيون، ويعرفه الذي اختلق شائعة "أزمة الأوكسيجين".
المدن
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.