كتب خالد صالح:
إنّها حفلة رقصٍ على حافة الهاوية ..
تحملُ لنا قصص الأسلاف أثرًا كبيرًا ومواقف عظيمة، تفتح لنا بصائرنا على حقائق نمرّ بجانبها كل يوم من دون أن ننتبه لقيمتها وتأثيرها في مسار حياتنا وتفاصيلها ..
يُحكي أن شيخًا يتزعّم قبيلة وكلّما أتاهُ زائرٌ ينهالُ عليه بالأسئلة السطحية الفاقدة للمغزى، حتّى يضجرَ الزائر ويغادر من دون أن يتمكّن من طرح مسألته ..
ذاتَ يوم حضرَ إلى القبيلة شابٌ من قبيلة أخرى وسأل عن مضافة الشيخ، فبادره الناس بالنصيحة كي لا يذهب لأن كبيرَهم سينهالُ عليه بأسئلته التافهة ولن تأخذ منه حقًا ولا باطل، لكن الشاب أصرّ على الذهاب ومواجهة الشيخ ..
ولدى جلوسه في حضرة كبير القبيلة عاجله بالسؤال فورًا : من أي قبيلة أنت ؟، فأجابه الشاب من القبيلة الفلانية، فسأله الشيخ : وكيف حال شيخكم وزعيمكم؟، فأجاب الشاب " شيخنا يستحي !! هنا صمت الشيخ ولم يسأل أي سؤال آخر، الأمر الذي أدهش الحاضرين وفاجأهم فبادروه بالسؤال: يا شيخنا لماذا لم تسأل الشاب أي سؤال آخر فقال:
الحياءُ يجمعُ كل شيء، فالكبيرُ الذي يستحي يكون كالمظلة فوق أهله وناسه، والكبير الذي يستحي لا تذهب حقوق الناس عنده أدراج الرياح، والذي يستحي لا يكون جبانًا ولا غدّارًا ولا يخون الأمانة، والذي يستحي لا يبيت شبعانًا وعشيرته جائعة ..
من دون حياءٍ .. يَجهدُ رئيس التيار الوطني الحر في البحثِ عن وسيلة ما للملمة ما تبقّى من أشلاء مشروعه المتهاوي، باذلًا عصارة فكره في استنباط وسائل تُعيدُ له الحياة بعدما تمادى كثيرًا في غيّه وجبروته وأنانيته وكأن لا أحدَ غيره في هذا الوطن، وهو الذي يعتبر نفسه غريقًا ولم يعد يخشَ البلل ..
من دون حياءٍ، يتحكّم باسيل بالرئاسة الأولى وقراراتها ودورها، ويتصرّف كـ "الفرعون الصغير" الذي له وحده سلطة التقرير وعلى الناس السمع والطاعة، يضربُ كلّ القيم والأصول ويُبدعُ في هتك الأحكام الدستورية، يرى نفسه في وعاء أنانيته كـ "نرسيس" فتأخذه العزّة ويتملكه الغرور والزهو والاعتداد بنفسه، ونفسه أمّارة بالسوء ..
من دون حياءٍ .. تتملكُ باسيل مشاعرَ العظمة وأوهام الكمال، يستحوذُ الغرور على تفكيره فيشعر أنه الأعلى وأن كلّ من هم دونه أقلّ شأنًا ومكانة، يبحثُ عن كيفية الارتقاء حتى ولو غدا مكروهًا وغير مرغوب به، فالناس عنده في مرتبة "الدونية" ويعانون النقص وهو الناجز التام، ولا عيب فيه إن تلعثم واضطرب، أو هاج وماج وافتقد حسّ المسؤولية وحسن إدارة الأزمات، لا نقصان لديه إن تبخّرت منه المعطيات وتاهت منه التعبيرات ..
من دون حياءٍ .. لم يستطع باسيل اتخاذ قرارته بصورة سليمة، فانتقل من فشل إلى فشل، وهو الذي وعدَ جمهوره باستعادة الصلاحيات من الحريرية السياسية التي قامت على جثة المارونية، مارس ساديته معتقدًا أنها "جرأة" لكنها بلغت حدّ " الوقاحة"، عانى الغل والحقد والحسد والكبر وحب الذات، فَهَوَت معه كلّ صفات الانسانية السمحاء ..
من دون حياءٍ .. لا يُفكّر باسيل إلا كيف يَكبُرُ في عينيّ نفسه لا في عيون الناس، فبدت عجرفته في كل التفاصيل، يتكلّم بنوع من التعالي، يتحرّك في عظمة ويجلس في عنجهية، هي "نفخة" خارجية فارغة من أي مضمون، يعتقدُ أنه شيء ذات قيمة رفيعة، يرى نفسه كبيرًا ويجب التعامل معه على أسس هذه القواعد ..
من دون حياءٍ .. يُخاطبُ باسيل الناس من فوق ويشعر أنه يتنازل إن تحادث إليهم، يُعاملُ الناس بأسلوب فجّ ويرفضُ المعاملة بالمثل ويعتبرها تعدّيًا على كيانه، فهو "الصهر" الذي يوجدُ بينه وبين الآخرين فوارق جمّة، يدّعي زورًا أنه أرفع قدرًا وأعمق فكرًا ومعرفة وأكثر شهرة وسطوة ونفوذا، يؤمن أن نظرياته "دائمًا على حق"، لا يعترف مطلقًا بأي خطأ أو تقصير، ويريد لنفسه لونًا خاصًا من الاحترام، وأسلوبًا مميزًا من التعامل ..
من دون حياءٍ .. يلعب باسيل دور " الانتهازي" بامتياز، يستغل موقعه العائلي وأفكاره الخبيثة كي يستحوذ على كل شيء، ينظر لنفسه شامخًا، متناسيًا أن ملأى السنابل تنحني بتواضع بينما الفارغات رؤوسهن شوامخ، وحبّذا لو استخدم ما به من ذكاء في خدمة الوطن والمجتمع، بدلًا من استخدامه لمشاريعه السلطوية، المشاريع التي سقطت إزاء مساعيه في احتكار الموقع والتفرّد في القرار ..
في وطننا المعذّب نريد قادة "تستحي" .. لأن "فاقد الحياء" بوسعه أن يفعل ما يشاء ..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.