19 نيسان 2021 | 16:55

منوعات

الإحتفال برمضان عبر التاريخ بالزينة والقناديل وصيانة المساجد ‏

زياد سامي عيتاني*‏



كان استعداد المسلمين رمضان على مرّ تاريخهم أمرا لافتا للنظر؛ فقد ارتبط شهره عندهم بالنور ‏مبكرا حين بدأ بإنارة المساجد والشوارع في رمضان توخيًّا للأنس بالشهر...‏

‏•تزيين المدن والبيوت:‏

وكان من عادة الناس في استقبال الشهر الكريم تزيين بيوتهم ومدنهم والتجمّل الزائد له، فالرحالة ‏المقدسي البشاري (ت نحو 380هـ) يخبرنا في (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)" "أن أهل ‏عدن باليمن يزيّنون السطوح قبل رمضان بيومين، ويضربون عليها الدبادب (الطبول)، فإذا دخل ‏رمضان اجتمع رُفُقٌ (جماعات) يدورون عند السحر يقرؤون القصائد إلى آخر الليل".‏

ويفيدنا نص البشاري هذا بأن الاحتفاء بمقدم الشهر الكريم وصل إلى حد ضرب الطبول، ثم ‏تطور ذلك في القرون الأخيرة مع العثمانيين إلى ما أصبح يُسمى "مدفع رمضان" الذي تُضرب ‏طلقاته عند وقت الإفطار، وكان يطلق أيضا في أوقات السحور؛ فشهاب الدين الحلاق البديري ‏‏(ت بعد 1175هـ) يخبرنا في كتابه (حوادث دمشق اليومية) "أنه في سنة 1155هـ "كان هلال ‏رمضان.. وأشعلِت القناديل في سائر مآذن الشام، وضُربت مدافع الإثبات في منتصف الليل، ‏وحصل للناس زحمة في حركة السحور، حتى فُتحت دكاكين الطعام ليلا كالخبازين ‏والسمانين"...‏

‏**‏




‏•الخطاب أول من أنار المساجد:‏

وكانت أهم تلك العادات تزيين وإنارة المساجد والجوامع، فقد ذكر ابن عساكر (ت 571هـ) في ‏‏(تاريخ دمشق) أن عمر رضي الله عنه كان أول من أنار المساجد للقناديل في الإسلام، فقد "مرّ ‏علي بن أبي طالب على المساجد في شهر رمضان وفيها القناديل، فقال: نوّر اللهُ على عُمر في ‏قبره كما نوّر علينا مساجدنا". ‏

‏**‏




‏•تطييب المسجد النبوي:‏

كما جرت العادة بتطييب المسجد النبوي وتبخيره، يقول ابن سعد (ت 230هـ) في (الطبقات ‏الكبرى): "إن الولاة قبل عمر بن عبد العزيز (ت 101هـ) كانوا يجرون على إجمار مسجد ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم للجُمع وتطييبه في شهر رمضان من العُشر والصدقة"، إلا أن ‏عمر بن عبد العزيز قرر قطع هذه العادة توفيرًا لأموال المسلمين.‏

‏**‏



‏•تجديد كسوة الكعبة:‏

ومنذ أيام الصحابة، ارتبط رمضان أيضا بالموعد السنوي لتغيير كساء الكعبة المشرفة، فكانت ‏العادة كما يقول الأزرقي (ت 250هـ) في (أخبار مكة) أن "تُكسى الكعبة القَباطي في آخر شهر ‏رمضان"، منذ زمن معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ)، و"القباطي" نوع من الثياب كان يُحاك ‏في مصر منذ عصر الخليفة الفاروق.‏

‏**‏

‏•تزيين المساجد:‏

وحرص الخلفاء والولاة على عادة تزيين المساجد وزيادة أنوارها وشموعها وطيبها في رمضان، ‏إذ أمر الخليفة العباسي المأمون (ت 218هـ) في مستهل رمضان كاتبه أحمد بن يوسف أن يكتب ‏على لسانه رسالة إلى ولاته وعُماله في الأقاليم، إذ يقول ابن يوسف فيما يحكيه عنه ابن طيفور ‏‏(ت 280هـ) في (كتاب بغداد): "أمرني المأمون أن أكتب لجميع العمال في أخذ الناس بالاستكثار ‏من المصابيح في شهر رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من الفضل، فما دريت ما أكتب ولا ما ‏أقول في ذلك؛ إذ لم يسبقني إليه أحد فأسلكُ طريقه ومذهب، فأتاني آتٍ فقال: "إن في ذلك أُنسا ‏للسائلة، وإضاءة للمجتهدين، ونفيا لمظان الريب، وتنزيها لبيوت الله من وحشة الظّلمة". فكتبت ‏هذا الكلام وغيره مما هو في معناه". وفي (زهر الآداب) للحُصْري القيرواني (ت 453هـ) أنه ‏كتب: "فإنها إضاءة للمتهجدين، وأنْسا للسابلة"، فأخبرت بذلك المأمون فاستظرفه، وأمر أن ‏تُمضى الكتب عليه.‏

‏**‏

‏•المنصوري يرسل الشموع والقناديل لجامع "قرطبة":‏

أما وزير الأندلس الأشهر ومدبر أمرها للأمويين المنصور بن أبي عامر (ت 392هـ) فكانت ‏عادته الاهتمام بجامع قرطبة الكبير في رمضان، فكان يرسل إليه كما يقول ابن عذاري (ت نحو ‏‏695هـ) في (البيان المُغرب): "من الكتَّان للفتائل في كُل شهر رمضان ثلاثة أرباع القنطار، ‏وجميع ما يحتاج إليه الجامع من الزيت في السنة خمسمئة ربع أو نحوها، يصرف منه في ‏رمضان خاصة نحو نصف العدد. ومما كان يختص برمضان المعظم ثلاثة قناطير من الشمع، ‏وثلاثة أرباع القنطار من الكتان المقصر لإقامة الشمع المذكور، والكبيرة من الشمع تُوقد بجانب ‏الإمام، يكون وزنها من خمسين إلى ستين رطلا (من 22 إلى 32 كغ)، يحترق بعضها بطُول ‏الشهر، ويعم الحرق لجميعها ليلة الختمة".‏

‏**‏

‏•الفاطميون ينيرون "الأزهر" وجوامع القاهرة:‏

كما حرص الفاطميون على إضاءة الجوامع الكبيرة في القاهرة مثل الأزهر والمسجد الحاكمي ‏وجامع راشدة، لا سيما في رمضان المبارك، حتى إن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (ت بعد ‏‏411هـ) كان مما جاء في وقفيته على الأزهر التي حفظ لنا مضمونها المقريزي في (المواعظ ‏والاعتبار): "فللجامع الأزهر تَنّوران وسبعة وعشرون قنديلاً، ومنها لجامع راشدة تنور واثنا ‏عشر قنديلا، وشرط أن تُعلق في شهر رمضان وتُعاد إلى مكان جرت عادتها أن تُحفظ به".‏

وتأتي عادة الفاطميين في إنارة الجوامع في رمضان ضمن تقليدهم السنوي الذي يسميه المقريزي ‏في (الخطط) "كشف المساجد" الذي ينفذ قُبيل دخول رمضان، ووصفه ابن حجر (ت 852هـ) ‏في (رفع الإصر) بأنه "يوم طواف المساجد والجوامع قبل رمضان بيومين". وكان هذا التقليد ‏يشهد احتفاء شعبيا به لكونه يختتم بوليمة فاخرة، فقد قال إن "القضاة بمصر إذا بقي لشهر ‏رمضان ثلاثة أيام، طافوا يوما على المشاهد والمساجد بالقاهرة ومصر، فيبدؤون بجامع المقس، ‏ثم بجوامع القاهرة، لنظر حُصُر ذلك، وقناديله، وعمارته، وإزالة شعثه. ‏

‏**‏

‏•إحتفالات الحرم الشريف:‏

وقد أضحت عادة تجديد صيانة المساجد وتعميرها وإمدادها بكل ما تحتاجه في رمضان من ‏العادات اللازمة الجارية في أقطار الإسلام المختلفة، حتى إن الرحالة الأندلسي الشهير ابن جبير ‏‏(ت 582هـ) يقول في رحلته عن مظاهر ذلك في المسجد الحرام: "ووقع الاحتفالُ في المسجد ‏الحرام لهذا الشهر المبارك، وحق ذلك مِن تجديد الحُصر، وتكثير الشمع والمشاعيل، وغير ذلك ‏من الآلات حتى تلألأ الحرم نورًا، وسطع ضياءً".‏

وتواصلت تلك العادة حتى رصدها لاحقا ابن بطوطة في رحلته بقوله: "إذا أهلَّ هلال رمضان ‏تُضرب الطبول والدّبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام مِن تجديد الحُصر، ‏وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرام نورًا، ويسطع بهجة وإشراقا، وتتفرق الأئمة فرقا، ‏وهم الشافعية والحنفية والحنبلية والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء: ‏يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع، ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يُصلي ‏بجماعته، فيرتجّ المسجد لأصوات القراء، وترقّ النفوس، وتحضر القلوب، وتهْمِل (تدمع) ‏الأعين"...‏

‏**‏

‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏








يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

19 نيسان 2021 16:55