4 أيار 2021 | 11:43

منوعات

المخرج فهمي عبد الحميد.. "الأب الفني" لـ"فوازير" رمضان!‏

المخرج فهمي عبد الحميد..

زياد سامي عيتاني*‏



المخرج الراحل فهمي عبد الحميد؛ إسم إقترن لأعوام طويلة بشهر رمضان، وتحول إلى علامة ‏فارقة من علاماته التي لا تنسى، من خلال "الفوازير" الذي كان مخترعها وساحرها، ليترك ‏بصماته وإبداعاته الذهبية عالقة في أذهان مشاهدي جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات، رغم ‏رحيله، دون أن يتمكن سواه من إكمال مشوار "الفوازير"...‏

‏ يكفي أن نتذكر إستعراضات "الفوازير"، وأن نسترجع تفاصيلها وحكاياتها وشخصياتها حتى ‏يحتل المخرج المبدع فهمي عبد الحميد مساحة الذاكرة. كيف لا؟ وهو المبتكر بأحلامه الواسعة ‏وعبقريته وإبداعاته السحرية وقدراته على التنفيذ لسلسلة "فوازير" رمضان، التي أدخلت البهجة ‏والمتعة والسرور والخيال الواسع في النفوس دون إستئذان، وكان مع بداية الشهر الكريم محط ‏أنظار المشاهدين على إمتداد الوطن العربي...‏

كان فهمي عبد الحميد بهدوء يطرق أبواب المستقبل، لتخرج "الفوازير" كل سنة بحلة جديدة ‏وأفكار مختلفة ومتطورة، حيث كان ينقب عن النجوم كما المنقبين على المجوهرات بعيون لا ‏تخطئ، حيث تنقلت عدساته برشاقة في إعادة إكتشاف كل من نيللي وسمير غانم وشريهان ‏ويحيى الفخراني وهالة فؤاد، وحتى ليلى علوي ومدحت صالح وشيرين رضا، إذ كان دخولهم ‏مصنع فهمي عبد الحميد، بداية نقلة جديدة في حياتهم ‏






ومشوارهم الفني...‏

صحيح أن الشكل المتعارف عليه ل "فوازير" رمضان بصورتها الإستعراضية لم تعرف إلا في ‏أواخر الستينيات من خلال فرقة "ثلاثي أضواء المسرح": جورج سيدهم وسمير غانم والضيف ‏أحمد، على يد المخرج أحمد سالم، فحققت نجاحاً وانتشاراً، ما رفع نجوميتهم لا سيما في الترويج ‏لها كعمل فني لم تعرفه الشاشة على هذا النحو من قبل، أي فوازير ممزوجة باستعراضات ‏وغناء.‏

إلا أن "الفوازير" لم يكن من الممكن أن تتحول إلى أيقونة رمضانية لاحقاً، لو لم يساهم في ذلك ‏مخرج الفوازير الأشهر فهمي عبد الحميد من خلال عمله الأول مع النجمة نللي، وإعتماده على ‏الأسلوب المميز في طرح وإستخدام العديد من مكونات الموروث المصري، ك "السيرك" ‏و"الأراجوز"...‏

‏**‏





‏•من معهد الفنون إلى الرسوم المتحركة:‏

إلتحق "فهمي" بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج فيها عام 1963 بقسم الحفر ثم عمل ‏بالتليفزيون المصري عام 1964 بقسم الرسوم المتحركة، وتتلمذ علي يد المخرج الكبير علي ‏مهيب.‏

في بدايات حياته العملية قام فهمي عبد الحميد بتصميم تترات عدد من المسلسلات التليفزيونية ‏والأفلام السينمائية ومن أشهرها فيلم "الخط الأبيض" الذي ساعد فيه أستاذه علي مهيب، ومسلسل ‏‏"وليد ورندا في الفضاء"، ومسلسل "جحا" بطولة عبد المنعم مدبولي.‏

‏***‏



‏•بدايته مع "الفوازير" مع نيللي:‏

عام 1974 جاءت البداية الحقيقية للمخرج عبد الحميد مع فوازير رمضان التليفزيونية، وإختار ‏الفنانة نيللي لتقديمها، وكانت فكرتها تعتمد على إستضافة فناني الرسوم المتحركة في كل حلقة.‏

بدأ الثنائي، عبد الحميد ونيللي رحلة شراكة ستدوم 7 سنوات بينهما، بمشاركة مبدع ثالث هو ‏مصمم الإستعراضات الشهير حسن عفيفي، في فوازير بعنوان "صورة وفزورة"، واستمر هذا ‏الثلاثي في العمل معًا في العام التالي في "صورة وفزورتين"، ثم في العام التالي مع "صورة و3 ‏فوازير"، وعام 1978 في "صورة و30 فزورة" التي كانت تعتمد فكرتها على تنكر نيللي في ‏شخصيتين، الأولى ثابتة طوال ثلاثين حلقة وهي شخصية صحفية تقوم بإستضافة المشاهير، ‏والثانية هي شخصية الضيف المشهور المطلوب من المشاهدين معرفة شخصيته. ‏

ثم جاءت مرحلة نضج الفوازير، إذا جاز التعبير، مع الشاعر صلاح جاهين في بداية الثمانينات، ‏حين كتب لها رائعتين هما "الخاطبة" و"عروستي"، أجادت نيللي في كليهما بشكل كبير، وإلى ‏الآن يعتبر الكثيرون "عروستي" واحدة من أفضل الفوازير التي قدمها التلفزيون المصري.‏

‏**‏




‏•إبتكار ""فوازير" جديدة مع سمير غانم:‏

بعدها قرر المخرج فهمي عبد الحميد في 1982 إعادة سمير غانم لتقديم "الفوازير"، مبتكراً له ‏خصيصاً شخصية "فطوطة"، التي كتبها المؤلف عبدالرحمن شوقي، فحققت نجاحاً وقدمها ‏سنوات متتالية، حيث تميزت بطاقة كوميدية ذكية مكّنتها من الوصول إلى قلوب المشاهدين من ‏الصغار والكبار، كذلك تمتعت بحضور أسماء "ثقيلة" في تتراتها، وليس أدل على ذلك من تلحين ‏سيد مكاوي لأغنيتي المقدمة والنهاية. ‏

‏**‏




‏•التجديد مع شريهان:‏

بعدها سيطرت شريهان على "الفوازير"، وتربعت على عرشها أسوة بفوازير نيللي.‏

ففي عام 1985، قدم المخرج عبد الحميد الفراشة الرشيقة في أولى مواسم فوازيرها الشهيرة ‏‏"ألف ليلة وليلة"، بتجسيدها شخصية عروس البحور، تلك الأميرة التي تعيش في البحر وتقع في ‏حب أمير وسيم لا سبيل إلى العيش معه أبدا. إستمرت شريهان في تقديم شخصيات من "ألف ليلة ‏وليلة" في العام التالي، ثم قدّمت فوازير "حول العالم في 30 يوماً" في عام 1987، لتعود في ‏عام 1988 لتقديم فوازير "ألف ليلة وليلة: كريمة وحليمة وفاطيما". ‏

وقد أبهرت شريهان الجميع بعد أن أظهرت موهبتها الإستعراضية المكتملة ورشاقتها وحضورها ‏الإستثنائيين.‏

‏**‏



‏•وجوه جديدة لـ"الفوازير:‏

في تلك الأثناء إنشغلت شريهان بالسينما وبحياتها الخاصة التي امتلأت بالألم، بينما إمتنعت نيللي ‏عن العودة لتقديم الفوازير، فاضطر فهمي عبد الحميد للبحث من جديد عن "وجوه جديدة" لتقديم ‏مشروعه الرمضاني.‏

وقع إختيار مخرج "الفوازير" على وجهين توسّم فيهما الجذب الجماهيري، فكانت فوازير رغدة ‏ومدحت صالح في 1989، ثم حاول إسناد البطولة إلى مطربة الأطفال الشقية في ذلك الوقت، ‏صابرين، بمشاركة هالة فؤاد ويحيى الفخراني في فوازير "المناسبات"، ثم أتي بحسن يوسف ‏وليلى علوي لتقديم "الأشكيف وست المِلاح"، ثم عاد بمدحت صالح لتقديم فوازير "الفنون" ‏بمشاركة شيرين رضا.‏

‏**‏

‏•التعاون مع كبار الملحنين:‏

تعاون فهمي عبد الحميد مع كبار الملحنين، ومنهم سيد مكاوي ومحمد الموجي وحلمي بكر ومنير ‏مراد وأحمد صدقي وخالد الأمير ومنير الوسيمي وسمير حبيب وهاني شنودة وإبراهيم رجب ‏ومحمد قابيل وعمار الشريعي وعمر خورشيد وسامي الحفناوي وصلاح الشرنوبي وفاروق ‏الشرنوبي.‏

‏***‏



‏•الرهان على التميز والتجديد:‏

تميز الفنان فهمي عبدالحميد، أنه كان دائماً عاشقاً للتجديد والتغيير، ويرفض الوقوف عند نقطة ‏واحدة بلا حراك، لذلك فهو لم يتوقف عند التعامل مع فنان بعينه مهما حقق من نجاح، ولكنه ‏دائماً ما يراهن على التغيير، وقدرته على إنجاح أي "فزورة"، وهو ما ظهر بتعامله مع ‏

مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفنانين، ليس من منطلق نجوميتهم، بل إنسجاماً مع الشخصيات التي ‏كان يبتكرها من محض مخيلته. ‏

وهذا ما يؤكد أن الأسباب التي كانت تدفعه لتغيير نجوم وأبطال "الفوازير"، لم تكن ناتجة عن ‏خلافات معهم، كما كان يروج، بل لأنه كان يحمل أفكارا جديدة، ويختار النجم الذى يناسب تلك ‏الأفكار.‏

‏**‏



‏•يسرا ويونس شلبي كان المرشحان لـ "الفوازير":‏

قبل وفاته، وقبل أن يرى الجمهور الفنانة يسرا تغنى، كان ينوي أن يستعين بها فى بطولة ‏‏"الفوازير"، وكان يقال له: "عمرنا ما شفناها بتغني أو ترقص"، وكان يرد: "قلتوا كده على ‏شريهان وشفتوا بقت إيه وهاتشوفوا يسرا في الإستعراض هتعمل إيه".‏

كذلك، كان المخرج عبدالحميد ينوي تقديم شخصيك جديدة على نفس شكل "فطوطة"، وهي ‏شخصية "حمادة النص"، وكان ينوي أن يستعين فيها بالفنان يونس شلبي...‏

‏**‏

‏•بكى حسرة في آخر "فزورة":‏

وكشفت الإعلامية لمياء فهمي أن فى آخر سنة قدم فيها والدها "فوازير فنون"، بطولة مدحت ‏صالح وشيرين رضا، أخذ كرسياً وجلس بعيداً يبكي بشدة، وعندما سألته قال لها "خلاص بقى ‏مش هما بيقولوا كفاية فهمي عبدالحميد، أهه كفاية فهمي عبدالحميد، ودي آخر سنة هعمل فيها ‏الفوازير".‏

‏ وبالفعل كانت آخر سنة، إذ في العام التالي توفي عبقري "الفوازير" في "البلاتو" أثناء ‏تصويره!!!‏

‏**‏


‏*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 أيار 2021 11:43