7 أيار 2021 | 12:57

منوعات

‏"المنسف".. الطبق الوطني الأردني

‏

طعام رمضان (٧):‏



زياد سامي عيتاني*‏


الأردنيون أبدعوا وتفننوا كثيراً في الطبخ حتى عرفوا بأكلاتهم المميزة في سائر أقطار الدنيا ‏وخاصة سيد الأطباق الأردنية "المنسف".‏

إعداد وجبة "المنسف" الأردنية ليس واجباً فقط كإعداد باقي الوجبات للعائلة أو للضيوف، بل ‏‏"هو أيضا طقس حميم وممتع للغاية".‏

و"المنسف"، ثريد اللّحم، طبخ عربي أساسه الكبسه وبيتميز عنها باستخدام اللبن الخاثر.‏

يعود تاريخ "المنسف" الأردني بحسب الباحثين إلى عهد الملك ميشع المؤابي عام 147 قبل ‏الميلاد، مؤسس مدينة الكرك والموحد كما جاء في كتب التاريخ، لأنه وحّد مملكة ديبول مع ‏مملكة مؤاب"، و"ميشع أمر أن تطهو ملكة مؤاب بكاملها اللحم باللبن، ومن لا يأكل اللبن اعتُبر ‏مع الأعداء وليس مع دولته".‏

على إمتداد العقود الماضية تمكن "المنسف" من الإحتفاظ ببريقه كوجبة لا يمكن مقاومتها بالنسبة ‏لغالبية الأردنيين. وفي شهر رمضان المبارك، يتربع "المنسف" على عرش مائدة المأكولات ‏الأردنية، بحيث أضحى رفيقهم طيلة الشهر الكريم، فضلاً عن أنه طبق المناسبات، وملازماً ‏دائماً لكل مظاهر الكرم والعطاء.‏

‏**‏




‏•التسمية:‏

بعدما تعرّفت العرب على اللّبن الخاثر أضيف للكبسه وصار اسمها منسف، من فعل النسف ‏ربما، بمعنى تحويل مجلس الرجال إلى جلسة منسوفة بسبب إضطجاع الجميع للهضم بعد ملئ ‏البطن. لكن بقاموس مختار الصحيح نقرأ: "نسف الطعام نفضه والمِنْسَفُ بالكسر ما يُنسف به ‏الطعام وهو شيء منصوب الصَّدر أَعلاه مُرتفع و النَّسَافَةُ بالضم ما سقط منه". وفي معجم تاج ‏العروس نقرأ: "أن الإناء المنسوف هو الإناء الفائض".‏

وهذا معناه إن المنسف هو الطبق المنسوف بالطعام الممتلئ.‏

‏**‏



‏•الطبق الوطني الأردني:‏

‏"المنسف" هو الطبق الوطني الأردني، والحقيقة أن ثقافة "المنسف" إن جاز لنا التعبير ترتبط ‏إرتباطاً وثيقاً بجغرافيا الجنوب الأردني ويعكس حالة البداوة بالنظر إلى مدخلاته والعناصر ‏المكونة له، ولكن الغريب في الأمر أن هذه الثقافة تحولت إلى ثقافة سائدة في جميع أرجاء ‏الأردن حتى شماله الغني بالثروات الزراعية، عبوراً بعمان وضواحيها التي تجمع خليطاً ‏ديموغرافياً من فلاحين وحضر.‏

و"المنسف" وبرغم أنه نتاج للضرورات البدوية فإنه يعبر عن حالة كرم إستثنائية في عرف ‏الأردنيين بسبب كلفته بالمقارنة مع المأكولات الأخرى.‏

ولا يمكن القول بأن "المنسف" بقي رهينة للتقليد القديم الذي يعتمد على اللحم واللبن، ولكنه مر ‏بتحسينات شاركت فيها جميع المطابخ ليخرج بشكله النهائي ويرتبط إسمه بشكل وثيق في ‏الإردن، لدرجة أنه تجاوز حدود الجغرافيا الإردنية ليحط في جنوب العراق وشمال السعودية ‏وبعض المطاعم في أمريكا وكندا واستراليا، لكن اسمه بقي مقترناً بالأردن وملازماً له.‏

‏**‏




‏•الرجال يشاركون في إعداد "المنسف":‏

لا تقتصر صناعة "المنسف" وإعداده بحرفية عالية على النساء فقط، فلا بد للرجال في الأردن ‏أن يتعلموا طبخ هذا الطبق، حيث يجتمعون في المناسبات الكبرى وولائم الأفراح وفي الأتراح ‏وحتى في حُمى الانتخابات النيابية لإعداد تلك الوجبة، خصوصا إذا تطلب ذلك طبخ كميات ‏كبيرة وبقدور واسعة جدا لا تقدر النساء على حملها.‏

فمن المميزات الأخرى ل "المنسف" أنه "طبخة" يتصرف فيها الرجال الذين يفضلون طهيه ‏بأنفسهم، فهو يجرد المرأة من سلطتها ويلغي فكرة كونها ملكة المطبخ.‏

وفيما يشكل "المنسف" حالة كرم إستثنائية للمضيفين بالنسبة للبعض، فإنه يشكل للبعض الآخر ‏خياراً لا مفر منه في الولائم والدعوات الرمضانية، لأنه لا يقبل "شريكاً" بحيث يغني تقديمه ‏للضيوف عن تقديم أي صنف آخر كما هو الحال بالنسبة للمأكولات الآخرى.‏

‏**‏



‏•أسرار الجودة والطعم:‏

ينقع الجميد لساعتين أو ثلاث، ثم يتم تذويبه بالماء باستخدام الأيدي في عملية تعرف باسم ‏‏"المريس"، 
وللوصول إلى جودة طبق المنسف البلدي، يجب أن يكون اللحم لخروف أو جدي ‏صغير، وأن يطبخ اللحم باللبن البلدي المعد من حليب النعاج بعد ترويبه وخضه(ينقع جميد اللبن ‏لساعتين أو ثلاث، ثم يتم تذويبه بالماء باستخدام الأيدي في عملية تعرف باسم "المريس")، بعدها ‏يوضع اللبن فوق اللحم في القدر مباشرة ليغلي معه ويتداخل فيه، بينما يوضع القمح المجروش أو ‏الأرز في إناء ويسكب فوقه ماء مغلي مع قليل من الملح ثم يوضع على النار مع التحريك ‏المستمر، ثم تخفف النار تحته وتركه عشرين دقيقة".‏

ولتجهيز المنسف يتم فرش خبز "الشراك" في سدر كبير ويوضع القمح المجروش أو الأرز ‏فوقه، ثم تضاف قطع اللحم فوقه، ويوضع الرأس في المنتصف، ثم توضع قطع اللحم حوله ‏ويغطى بقطعة "شراك" كاملة قبل تقديمه".‏

‏**‏



‏•طقوس المنسف:‏

و "المنسف" له طقوس تتمثل في طريقة تناوله التي تحمل دلالات إجتماعية هامة من خلال ‏المشاركة و"التحلق" حول "السدر" وتقطيع اللحم للضيوف وتقديمه لهم كناية عن الإحترام ‏والتبجيل.‏

ويتباهى المضيف بكثرة اللحم على سدور "المنسف"، وهو دلالة على كرمه أو ثرائه.‏

وكان من عادات تناول "المنسف" أن يتم تناوله باليد اليمنى بدون ملعقة، مع وضع اليد اليسرى ‏خلف الظهر، وأنّ المضيف لا يأكل مع المعازيم الضيوف بل يظل واقفاً يقوم على خدمة الجميع ‏وحثهم على الاستمرار بالأكل.‏

ومن العادات الآخرى التي كأنت سائدة أنه عندما تأتي مجموعة من الضيوف إلى أحدى ‏المضافات أو الدواوين ومعهم ذبيحة، يتم عمل منسف للضيوف من لحم الذبيحة التي قدمها أحد ‏الضيوف.‏

وكان الناس قديما يضعون "المنسف" في "باطية" توضع على الأرض فوق الحصير، و"الباطية" ‏عبارة عن وعاء مجوف كبير يصنع من الخشب.‏

وأصبح "المنسف" فيما بعد يقدم في سدور مصنوعة من النحاس وبعدها من الألمنيوم، ويتم ‏تزيين وجه "المنسف" برش حبات الصنوبر واللوز المقلي بالسمن البلدي، مع إضافة بعض ‏مفروم البقدونس، ثم يصب اللبن الرائب المطبوخ بمرق اللحم فوق الأرز.‏

‏**‏

‏*باحث في التراث الشعبي.‏










يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

7 أيار 2021 12:57