19 أيار 2021 | 07:52

أخبار لبنان

عاصفة لبنانية خليجية… والعهد ‏يهرب إلى التحريض على الحريري

كتبت صحيفة " النهار " تقول : ‏‎مع ان مسيرة العهد الحالي اقترنت بمنظومة نمطية من الأخطاء ‏الفادحة في السياسات الخارجية أسوة بالإخفاقات ‏الهائلة الداخلية التي تشكل الحجم الأكبر من ‏أسباب الانهيارات الحاصلة، الا ان انكشاف العهد لم يكن مرة فادحاً ‏وصارخاً كما حصل امس ‏في ما سمي عاصفة شربل وهبة التي دفعت لبنان الى السقطة الأخطر هذه المرة في ‏ميزان تهديد ‏مصالحه لدى المملكة العربية السعودية وعبرها سائر الدول الخليجية. في الخلاصات ‏المباشرة ‏لعاصفة خطيرة بهذا الشكل، كان يفترض ان يكون الاجراء الفوري الذي يوازي الأذى ‏الكبير الذي لحق بلبنان ‏اقالة الوزير فورا، ولو كان يشغل منصباً وزارياً في طور تصريف ‏الاعمال، ولكن الاجراء لم يتخذ بعد ولو ان ‏معلومات اشارت الى توقع اتخاذ خطوة ما اليوم. ‏وافيد ليلاً ان الزيارة المتوقعة للوزير وهبه الى السفارة السعودية ‏باتت في حكم الملغاة بعد ‏الاتفاق على ان يبلغ الرئيسين ميشال عون وحسان دياب صباحا تنحيه عن المسؤولية، ‏وجرى ‏البحث ليلا عن وزير مسيحي يتولى المهمة اذ ان الوزير البديل في مرسوم الحكومة هو دميانوس ‏قطار ‏المعتكف منذ اعلانه الاستقالة. ولم يكن الحجم الاستثنائي للتنديد الداخلي بالإساءات غير ‏المقبولة اطلاقا التي ‏وجهها الى السعودية وشعبها وعبرها الدول الخليجية وزير الخارجية في ‏حكومة تصريف الاعمال سوى ‏الانعكاس الأكثر إبرازاً للدلالات المهمة جدا على خشية اللبنانيين ‏بمعظم طوائفهم وفئاتهم وقياداتهم على ان تأتي ‏السقطة الأخيرة بمثابة رصاصة الرحمة في رأس ‏العلاقات اللبنانية السعودية التي تعرضت لهزات عنيفة ومتعاقبة ‏خلال سنوات العهد الحالي بما لم ‏يعرفه سابقاً، ولا في أي حقبة تاريخ هذه العلاقات العريقة والتاريخية. حتى ان ‏بعض المعنيين ‏دعا العهد تحديداً الى التعمق في قراءة دلالات أوسع موجة من ردود الفعل الداخلية المجمعة ‏على ‏التنديد بإساءات الوزير "المتقدم" في الصف العوني الى السعودية بالشكل المخزي الذي ‏حصل والذي اساء اكثر ‏الى صورة الديبلوماسية اللبنانية، واطلق وابل التعليقات اللاذعة على ‏الوزير وعهده عبر وسائل التواصل ‏الاجتماعي بما لم يسبق له ان حصل حيال أي حدث. واعتبر ‏هؤلاء ان المروحة الواسعة للردود الغاضبة ‏والمستنكرة لتصريحات الوزير والتي شملت معظم ‏القيادات اللبنانية حتى من ضمن صفوف قوى لا تعد صديقة ‏تقليدية للسعودية شكلت الرد اللبناني ‏الحاسم قبل الرد السعودي على الإساءة ورسمت صورة بالغة السلبية للأثر ‏السلبي الذي باتت ‏تتسبب به منظومة العهد اللصيقة به حتى من وزرائه‎.‎

ولعل الأسوأ في هذا السياق ان انكشاف العهد نفسه جاء بعد سقطة وزير خارجيته مزدوجة: فمن ‏جهة أراد العهد ‏التذاكي والمناورة في الموقف حيال تداعيات السقطة فحاول رئيس الجمهورية ‏ميشال عون ان يوزع موقفه الى ‏نصفين الأول يتبنى فيه دفاع وهبة عن نفسه، والثاني يتنصل ‏فيه هو نفسه من موقف وزيره، واخفق طبعا في ‏إنجاح المحاولة. اما مفاجأته الفاشلة الأخرى ‏فتمثلت اقله في سوء اختيار التوقيت لارسال رسالته الجديدة الى ‏‏مجلس النواب بواسطة رئيس ‏المجلس نبيه بري ليحرض المجلس على الرئيس المكلف سعد الحريري ويوحي ‏له بنزع التكليف ‏عنه. وبدا واضحا بما لا يحتاج الى تفسير ان عون حاول الهرب من تداعيات الانكشاف ‏في ‏الفضيحة الخليجية الطارئة فلجأ الى توقيت اعتقده ملائما لأخذ الأنظار الى مكان اخر ولكنه ‏أيضا اخفق في ذلك‎.‎

ووسط أوسع موجة ردود فعل منددة بمواقف وزير الخارجية ومطالبات بإعفائه نهائيا من مهماته ‏وايلاء ‏الخارجية موقتا الى الوزير بالوكالة تبعا لمرسوم توزيع الوزارات بالوكالة عند غياب ‏الوزراء الاصيلين، جاء ‏الرد السعودي الأولي باستدعاء وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني ‏في المملكة وتسليمه مذكرة احتجاج ‏شديدة اللهجة. وجاء في بيان لوزارة الخارجية السعودية : ‏‏"إشارة إلى التصريحات المسيئة لوزير خارجية ‏الجمهورية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال ‏شربل وهبة خلال مقابلة تلفزيونية، والتي تطاول فيها على ‏المملكة وشعبها، فإن وزارة الخارجية ‏إذ تعرب عن تنديدها واستنكارها الشديدين لما تضمنته تلك التصريحات من إساءات مشينة ‏تجاه ‏المملكة و شعبها ودول مجلس التعاون الخليجية الشقيقة، لتؤكد مجددًا على أن تلك التصريحات ‏تتنافى مع ‏أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين. ‏ونظرًا الى ما قد يترتب على ‏تلك التصريحات المشينة من تبعات على العلاقات بين البلدين ‏الشقيقين فقد استدعت الوزارة سعادة سفير ‏الجمهورية اللبنانية لدى المملكة للإعراب عن رفض ‏المملكة واستنكارها للإساءات الصادرة من وزير الخارجية ‏اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج ‏رسمية بهذا الخصوص‎."‎‎

ولكن ردود الفعل اتخذت دلالة بارزة جديدة مع مطالبة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وزير ‏الخارجية شربل ‏وهبة، بإصدار اعتذار رسمي لها بسبب "إساءات غير مقبولة" خلال تصريحاته ‏الأخيرة. وأعرب الأمين العام ‏لمجلس التعاون نايف فلاح مبارك الحجرف، "عن رفض دول ‏مجلس التعاون واستنكارها" لما ورد على لسان ‏وهبة، خلال مقابلة تلفزيونية "وما ورد فيها من ‏إساءات مشينة بحق دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها ‏وكذلك الإساءة بحق المملكة العربية ‏السعودية‎".‎

وأكد الحجرف "المواقف الثابتة والراسخة التي قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي لدعم ‏الشعب اللبناني ‏الشقيق، تلك المواقف والتي يشهد التاريخ لها والتي تهدف إلى سلامة لبنان دعم ‏استقراره وأمنه، وأن تلك ‏التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع ‏العلاقات التاريخية بين دول المجلس ولبنان‎ ".‎‎

وطالب وهبة "بتقديم اعتذار رسمي لدول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها نظير ما بدر منه من ‏إساءات غير ‏مقبولة على الإطلاق‎".‎

وبدورها أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات العربية المتحدة عن "استنكارها ‏واستهجانها ‏الشديدين إزاء التصريحات المشينة والعنصرية التي أدلى بها معالي شربل وهبة ‏وزير الخارجية بالجمهورية ‏اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال والتي أساءت إلى المملكة ‏العربية السعودية الشقيقة ودول مجلس التعاون ‏الخليجي". واستدعت الوزارة سفير لبنان لدى ‏الدولة وسلمته مذكرة احتجاج رسمية تستنكر فيها هذه ‏التصريحات، مؤكدة أنها تتنافى مع ‏الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية التي تجمع لبنان ‏ودول مجلس التعاون ‏الخليجي‎.‎‎

واعربت وزارة الخارجية الكويتية عن استنكارها واستهجانها الشديدين لما ورد من "إساءات ‏بالغة" تجاه دول ‏مجلس التعاون الخليجي وشعوبها‎.‎

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن "نائب وزير الخارجية السفير مجدي الظفيري استدعى القائم ‏بأعمال سفارة ‏الجمهورية اللبنانية الشقيقة هادي هاشم، وسلّمه مذكرة احتجاج رسمية تضمنت ‏استهجان واستنكار دولة الكويت ‏لتلك الإساءات التي تتنافى وعلاقات الأخوة التاريخية التي تربط ‏دول مجلس التعاون بالجمهورية اللبنانية"، وفق ‏ما ذكرت وكالة "كونا‎".‎‎

وكانت رئاسة الجمهورية حاولت التوفيق بين دفاعها الضمني عن تبريرات وهبة والتبرّؤ من ‏كلامه واعتبرت "ان ‏ما صدر عن وهبة من مواقف يعبر عن رأيه الشخصي ولا يعكس موقف ‏الدولة ورئيس الجمهورية العماد ميشال ‏عون‎".‎

من جانبه عكس وهبة تخبطا في مواجهة العاصفة التي اثارها فتميزت تبريراته بالتناقضات ‏وعمد الى الاعتراف ‏بان "بعض العبارات غير المناسبة التي صدرت عني في معرض الإنفعال ‏رفضا للإساءات غير المقبولة الموجهة ‏إلى فخامة رئيس، الجمهورية، هي من النوع الذي لا ‏اتردد في الإعتذار عنه. كما ان القصد لم يكن ،لا أمس ولاقبله ‏ولا بعده، الإساءة إلى اي من ‏الدول أو الشعوب العربية الشقيقة التي لم تتوقف جهودي لتحسين وتطوير العلاقات ‏معها لما فيه ‏الخير والمصلحة المشتركين ودوما على قاعدة الإحترام المتبادل. وجل من لا يخطىء في هذه ‏الغابة ‏من الأغصان المتشابكة‎".‎‎

‎‎رسالة عون

ولم تتأخر المفارقة الثانية لتخبط العهد ووزرائه ومستشاريه في غرائب سياساتهم اذ قرر العهد ‏حرف الأنظار عن ‏التداعيات الواسعة التي واكبت عاصفة وهبة فوجه رسالته بعد الظهر الى ‏مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس ‏نبيه بري لغسل يديه من تبعة تعطيل تشكيل الحكومة والقاء ‏الاتهامات على الرئيس الحريري‎ .‎

وقال عون في رسالته "اصبح من الثابت ان الرئيس المكلف عاجز عن تأليف حكومة قادرة على ‏الإنقاذ والتواصل ‏المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة، لوضع ‏برامج المساعدات التي من شأنها ‏إنقاذ الوطن النازف دما غاليا على جميع الصعد، ولا يزال ‏يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبده كما يأسر الشعب ‏والحكم ويأخذهما معا رهينة مساقة إلى الهاوية ‏متجاهلا كل مهلة معقولة للتأليف". كما اتهم الرئيس المكلف بانه ‏‏"يصر حتى تاريخه على عدم ‏التقدم بتشكيلة حكومية تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب ‏وفق النص ‏الدستوري، فضلا عن انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابية اللازمة مع مختلف الكتل النيابية ‏‏(…) ‏والأدهى أنه منقطع عن التشاور المستمر والواجب مع رئيس الجمهورية للاتفاق على ‏تشكيلة حكومية تتوافر فيها ‏ثقة مجلس النواب واللبنانيين والمجتمع الدولي". وطلب مناقشة رسالته ‏في الهيئة العامة للمجلس النيابي وفق ‏الأصول "واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب ‏بشأنها لمنفعة الشعب الذي يئن ألما وهو ينتظر حكومته ‏الجديدة على أحر من الجمر"‏‎.‎‎

وفي رد اولي مقتضب على رسالة عون غرد الرئيس الحريري قائلا :"رسالة رئيس الجمهورية ‏الى مجلس النواب ‏إمعان في سياسة قلب الحقائق والهروب الى الأمام والتغطية على الفضيحة ‏الدبلوماسية العنصرية لوزير خارجية ‏العهد تجاه الأشقاء في الخليج العربي… وللحديث صلة في ‏البرلمان‎".‎‎

وعلمت "النهار" مساء امس ان الرئيس بري سيدعو اليوم مجلس النواب الى جلسة مخصصة ‏لموضوع رسالة ‏رئيس الجمهورية ضمن مهلة الثلاثة أيام التي يحددها الدستور. وثمة توجه الى ‏ان تقتصر الجلسة على تلاوة ‏رسالة الرئيس عون ورفع الجلسة للمشاورات والاتصالات ‏والمساعي بما يحفظ تطبيق الأصول الدستورية ومن ‏دون التسبب بمزيد من التأزيم‎.‎




النهار

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

19 أيار 2021 07:52