24 أيار 2021 | 13:58

هايد بارك

الحريري "اللبناني" ... إن حكى! - هدى علاء الدين

الحريري

كتبت هدى علاء الدين 


أسقط الرئيس سعد الحريري القناع عن وجوه المعطلين على مسرح الأونيسكو، وأحرق آخر أوراقهم الدستورية، فنطق بالحق وخاطب العهد بلغة واضحة وبحقيقة ساطعة من دون مواربة، متحصناً بدستور وطني ومتسلحاً بثقة نيابية ثبّتت تكليفه من جديد.


فعلى وقع تعطيل مستمر ورسائل دستورية مفخخة، تمضي أشهر التكليف ثقيلةً على من لا يريد لسعد الحريري النجاح في مهمته، فكانت آخر إبداعاتهم التعطيلية توجيه رسالة للمجلس النيابي من أجل مناقشتها واتخاذ المناسب بشأنها، فأتاهم الردّ من حيث لم يحتسبوا. 


الحريري الذي فنّد أساليب ومراحل التعطيل بدءاً من تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة ومناشدة النواب عدم تسميته مروراً بتعطيل تشكيل الحكومة ومحاولة تغيير الدستور، وصولاً إلى البحث عن أي وسيلة للتخلص منه، قالها بالفم الملآن، لا لتشكيل حكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه، بل لحكومة كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في معيشتهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم.


رغم القنص المتقطع حيناً وتحت وابل القصف الكثيف أحياناً، خاض الرئيس المكّلف رحلة التشكيل وتحمّل ما لا يُحتمل وآثر الصبر على سماع الكلام المسيء على لسان المصادر والحاشية ومخاطبته بدونية مدروسة، للوصول إلى حكومة مهمّة تبدأ بمكافحة الانهيار. لكنّ القرار كان منذ اليوم الأول واضحاً في تعطيل تشكيل الحكومة، واستخدام الوقت المستقطع لتهشيله ودفعه إلى الاعتذار فقط، لأن رئيس الجمهورية لا يريد الاعتراف بإرادة المجلس النيابي. أرادوا منه أن يقبل أسماء يفرضها رئيس الجمهورية وأن يقبل بثلثٍ معطلٍ صريحٍ أو مقنّع وإلا فلا حكومة. طلبوا منه تعديل الدستور، وعندما لم يفعل عطلوا الحياة السياسية وحرموا اللبنانيون من أي أمل أمام بوقف الانهيار. فكانت المعادلة المستحيلة: إما أن تُشكّل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية السياسي وإما لا حكومة.


أظهر خطاب الحريري أنّه يمتلك باعاً طويلاً في الوطنية، وهو الذي أبى أن يبقى الموقع الماروني الأول شاغراً وأن تكون صلاحياته في يد مجلس الوزراء حرصاً على حقوق المسيحيين وإعادة الموقع والصلاحيات إلى مكانهما الصحيح وتمسكاً منه بالمناصفة والشراكة الكاملة، على عكس من يمتلك تجربةً كبيرةً وباعاً طويلاً في التعطيل من خلال عرقلة تشكيل حكومات متتالية لأشهر طويلة بحجة الميثاقية. ولعلّ عباراته "إن هذا الرئيس للحكومة... اللبناني، اللبناني، اللبناني... لا يريد أن يسمي أي وزير مسيحي، ولا أي وزير مسلم، انعكاساً لوطنيته التي لن يستطيع أحدٌ المزايدة عليها.


لا خنوع، لا استسلام، لا تنازل، لا ملل، لا استجابة للعنعنات الطائفية، ثوابت أكّد عليها الرئيس المكلّف من أجل العمل على وقف الانهيار والمحافظة على التوازن الدستوري والاتزان الوطني، والوقوف سداً منيعاً أمام المشاريع العدمية، التي حوّلت العمل الدستوري إلى فراغٍ قاتل مليئ بالمعارك الدستورية وتهديم المؤسسات، ومحاولات الفتن الطائفية والمذهبية، والاستباحات القضائية والفضائح الدبلوماسية. فكانت رسالة رئيس الجمهوروية نكسةً جديدةً من نكسات العهد المتلاحقة التي أسقطت لبنان في أتون التعطيل والانهيار.


مجدداً، وضع الرئيس سعد الحريري إصبعه على جرح التعطيل وأثبت أنه قادرٌ على الفوز وكسب الرهان في كل مرة يحاولون حشره في رسائل سياسية ملغّمة. ومجدداً أثبت العهد نفسه بطلاً في إضاعة الفرص على نفسه وعلى لبنان واللبنانيين. 


ربح الحريري وطنياً وسنياً في جولةٍ لن تكون الأخيرة من سلسلة جولات تعطيلية يُتقن أصحابها خوضها لمصالح شخصية ضيقة على حساب الوطن.


دولة الرئيس... ابتسم واصبر على الكيد، فأنت صاحب الحق وصاحب الحق سلطان.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

24 أيار 2021 13:58