اسطنبول - إيناس تميم
لم أُسجن بعد، وأتمنى أن لا أُسجن أبداً، لكن سُجنت عدة مرات سابقاً، سجنتُ مع "يالو دانيال" في "يالو"، رحلت بنفسي مع "أبو بلال" الى "غوانتانامو"،ومن ثم وصلت الى "البور" مرفأ بيروت سنة1860، ورحلت مع "حنا يعقوب" في دروز بلغراد من دون أن أسأل عن الوجهة، الى أن وصلت الى "شيكاغو" عبر عمل مخابراتي بحت، لكن ليس باليد حيلة، فلقدت أحببت "أبو بلال" وعدت الى أفغانستان ما كان الا أن التقيت ب "حسين" يبكي وظهره على حائط، ذلك الطفل الجميل الذي لم يعد جميلاُ من بعد تلك اللحظة في "عداء الطائرة الورقية"، لكن هذا لم يستوقفني فلقد شهدت اعدام تلك اللطيفة تلك السيدة في ملعب الفوتبول في "ألف شمسٍ ساطعة" لكنها لم تسطع في حينها!
وفي نهاية المطاف يأتي شاب لطيف في مكتبة ما في اسطنبول ينصحني في الذهاب الى "القوقعة" لكن، نعم "مع لكن" أن لا أبكي!
لم أفهم بدايةً ماذا يقول، من ثم نصحني بهذه الرواية عن السجون في سوريا، وقلت بنفسي لما لا؟ وخاصة أننا كلبنانيين مساجيننا كُثر في تلك السجون، علي اعلم فعلا ماذا يحدث لهم. اخذت الرواية معي الى السكن، وفي ليلتين فقط كنت سجنت مرة اخرى لكن هذه المرة في السجن الصحراوي، الذي لم يذكر الكاتب مكانه ولا أي بلد، لكن ليس هناك ضرورة للذكر.
فعادة معروفة تلك السجون والعذاب السوري، ألم يأتي هذا العذاب بقانون "قيصر" في الاونة الاخيرة.
لنعود الى الرواية، رواية جميلة جدا، تتألف من ٣٨٣ صفحة يسرد لنا الكاتب خطوات السجين من الخطوة الاولى الى الاخيرة، وكأنه يضع بروتوكول السجن والسجين وقوانين العذاب ويفندها على الورقة والقلم مرقما أيها ١، ٢، ٣،.. بالتوالي ليس بهذا الوضوح، لكن تشعر أن التقسيم موجود.
الاسلوب راق جدا، لا يوجد خدش بالمشاعر من حيث الالفاظ لكن المشاهد كانت صعبة ومخيفة. اضحك احيانا من مواقف ذكرت بهذا الكتاب، وهذا ما يجعله انيقا ايضا، يأخذك لمشهد قاس جدا ومرعب لكن يأخذك ايضا لمشهد يُضحكك سخرية على هكذا قدر، او انه المشهد المبكي المضحك الذي تفضل الابتسام والضحكة الصغيرة علها تخفف من عبء الرواية.
الرواية تسرد قصة شاب اتى من فرنسا الى بلد ما اسمه فلان ابن فلان، من المطار و بدلاً من حضن الاهل، توجه مباشرةً الى 13 سنة في حضن السجن، فكانت هذه هي مكافاة عودته من الغربة الى ذلك الوطن، لن اسرد الاحداث، لكي تستكشفوا أنتم بروتوكول السجن والسجين.
استطاع الكاتب مصطفى خليفة ان يكون مستمعاً جيداً لعدد كبير من قصص السجناء الكثر.
ومن ثم وضعهم في هذه القوقعة بيوميات متلصص، لم يحسسنا الروائي بأنها عدد من روايات او عدد من القصص، بالعكس يسردها كقصة شخص واحد، سجين واحد، لكن قصته متكررة مع كثر.
طريقة تقديم الرواية مع بعض التفنيدات عبر عناوين مثل "الطعام"، داخل القسم او عبر التواريخ الخارجية التي تحس انه يجب ان يكون لها تمييز في مكان ما، حدث سياسي كبير، حدث اغتيال او اي شيء يربط تاريخ بحدث ما، لكن ما لم يعلمه الكاتب انه ذكر تاريخ ميلادي، ماذا تريد يا مصطفى مني؟ انا السجين ؟ يكفيني قراءة السجن لا أستطيع تحمل اي نوع من انواع تلك العذابات.
في داخل الرواية التي ايضا تتقسم من دون هوامش الى عناوين غير ملحوظة ومنها النساء، الطهارة، العلاقات الانسانية، المصلحة المشتركة، الاندماج، التأقلم، الصمت، الحديث الداخلي، التعلم. وكيف تعايش ذاك السجين داخل قوقعته لمدة ١٣ سنة، لكن هل استطاع ان يعيش خارجها؟ هذا السؤال اترك جوابه إلى القارئ.
من بعدها نشرت عبر تطبيق الانستغرام عبر خاصية ال "القصة" او ال story، افصاحي عن بداية القراءة، ارسلت صديقتي الي أن لا أقرا هذه الرواية بسبب أحداثها التي لن أتحملها.
لن اتحملها؟ أتذكر حينها حديث ذلك الشاب، لكن ما ان يعرفونه هم ان مع "يالو" كان اول مشهد عذاب نفسي اثر في الى الان وهو مشهد الكوكولا دخلت به وتحطمت مع وصف الكاتب "الياس خوري" الدقيق عادةً، ومن هناك بدأت رحلتي مع السجون، ثم وصل الى "غوانتانامو" و"دروز بلغراد" الموت ثم الموت العذاب ثم العذاب.
ومن ثم برحيلي عبر "الف شمس ساطعة" الى الاعدام في ملعب فوتبول في افغانستان هناك تستطيع ان تقول ان دموعي كرجت تلقائيا، اغلقت الرواية في حينها لانني لم استطع التوقف عن البكاء او ابتلاع الالم.
لكن عند وصولي الى القوقعة كنت قد انتهيت من محكوميتي، فقط كانت للذاكرة أن تعلم وتحفظ. وأن أتأكد أن المخطوفين اللبنانين في سوريا اصبحوا فلان ابن فلان.
الرواية الأساسية: "القوقعة يوميات متلصص" الروائي "مصطفى خليفة"، دار الأداب في 2012.
الروايات التي تم ذكرهم في السرد:
"يالو" الروائي "الياس خوري"، دار الأداب في 2012.
"غوانتانامو" الروائي "يوسف زيدان "، دار الشروق في 2014.
"دروز بلغراد" الروائي "ربيع جابر"، المركز الثقافي العربي، دار الأداب في 2010.
"شيكاغو" الروائي "علاء الاسواني"، دار الشروق في 2007.
"عداء الطائرة الورقية" الروائي "خالد الحسيني"، في 2003. دار جامعة حمد بن خليفة للنشر"مترجم"
"ألف شمسٍ ساطعة" الروائي "خالد الحسيني"، في 2007. مؤسسة دال للنشر والتوزيع "مترجم"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.