26 حزيران 2021 | 16:10

هايد بارك

سعد الحريري... وداعاً لإتفاق الدوحة - خالد صالح

سعد الحريري... وداعاً لإتفاق الدوحة - خالد صالح

كتب خالد صالح:

لم يكن "التكليف" الذي حصلَ عليه الرئيس سعد الحريري من المجلس النيابي خلال الاستشارات الملزمة التي أجراها الرئيس ميشال عون، مجرّد إشعارٍ دستوري يُعطي الرئيس المكلّف الخاصية في التأليف، بل كانت له جملة من العناوين التي أظهرتها الممارسة المتبعة من قبل الحريري، فقوّمت الإعوجاج وصوّبت الأداء ..

المراقب بدقة لمسار الأمور منذ 22 تشرين الأول 2020 يرى بأم العين أن الحريري بلغ من الحنكة والدهاء السياسي مبلغًا كبيرًا، وانتقل من خانة تدوير الزوايا إلى موقع المواجهة المباشرة بما باتَ يملكه من أسلحة تُتيح له التصدّي بأسلوب ثابت لكلّ الانتهاكات المرتكبة سابقا بحق الدستور والأعراف ..

التكليف "وسيلة" للغاية الأهم وهي العودة إلى منطق "الطائف" و "الدستور"، فالدفاع عن العقد السياسي والاجتماعي الأبرز في حياة لبنان، يتطلّب أولا تنقيته من الشوائب و "الحشو" الذي تسببت به جملة من العوامل منذ وضعه موضع التنفيذ عام 1990، وأدّت إلى "فرملة" تنفيذ مندرجاته التي كان من الممكن أن تنقلَ لبنان من ضفة متحرّكة إلى ضفّة ثابتة وراسخة ..

ولأن سعد الحريري خرج من "عباءَة" الزعيم التقليدية إلى "ديناميكية" رجل الدولة بكلّ آفاق معانيها، أطلقَ أولى مراحل العودة إلى منطق الدستور، عندما عبّر بكل وضوح أن لا عودة إلى الأسلوب المعتمد سابقًا في تشكيل الحكومات، لأنه أثبت عدمَ فعاليته في معالجة الأزمات أو تناول المسبّبات لها، بحكم التعايش مع مفهوم الحكومات السياسية المرتبطة بالحفاظ على الوحدة الوطنية ..

وكي يحقق سعد الحريري هذه النقلة النوعية في مقاربته للحلول، وضعَ نصب عينيه كل الأمور "الدخيلة" على مسار تأليف الحكومة، وبدأ بنفسه من خلال رفضه القاطع لأسلوب فرض "الفراغ" كخَيَارٍ استراتيجي لتحقيق المبتغى، فأعاد للمؤسسات عملها ودورها في ضبط إيقاع اللبنانيين، ومن المؤسسات انطلقَ فعارضَ من داخلها وواجَه فيها ولم يحد قيدَ أنملةٍ عن مفاهيمها، فألزمَ البقية بهذا المنحى حتى بدا كلّ مُخالفٍ لهذا النمط كـ "شواذ" يُلوّث نقاء القاعدة ..

استكمالًا لهذه الرحلة الشاقة حدّد مكامن الخلل، فأدرك أن ما فرضَه الأمرُ الواقع من هرطقات في مؤتمر "الدوحة 2008" يجب أن نتخلّصَ من مفاعيلها واعتبارها منتهية الصلاحية ، لنستعيدَ السياقَ الطبيعي لعمل الدستور الضابط لأحوالنا وأمورنا ونسق حياتنا السياسية، وحقّق خلال فترة التكليف الحالية الأمور التالية :

أولًا : سحب من التداول فكرة فرض التأليف قبل التكليف وقطع الطريق على أي مساومة قد تحصل تلبية لرغبات أو تنفيذًا لأجندة موضوعة سلفًا ..

ثانيًا : قطع الطريق على أي محاولة لتعطيل عمل الحكومة من خلال "نسف" فكرة امتلاك اي طرف سياسي حق "الفيتو" منفردًا، فأسقط نظرية "الثلث الضامن" ..

ثالثًا : رسم خارطة جديدة لمفاهيم عمل الحكومات فأخرجها من صفة "برلمان" مصغّر على طاولة مجلس الوزراء ..

أخرج سعد الحريري المسألة الحكومية من حلقتها المقفلة عبر إتباعه نهجًا ثابتًا لا تردد فيه، فالدستور هو الدستور وله الكلمة الفصل، وما تمّ إضافته عليه من بدعٍ وأعراف لا تمت بصلة له ولّت إلى غير رجعة، الأمر الذي أكّد من خلاله أن "إتفاق الدوحة" كان ضرورة لمرحلة تجاوزناها، ولم يعد جائزًا أن تستمر مفاعيله في كل الأزمنة ..

"اتفاق الدوحة" مات .. وإكرام الميت دفنه ..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

26 حزيران 2021 16:10